لقد استحق يوم 30 يونيو من كل عام أن يكون عيدا لقوات الدفاع الجوي.. فهو تجسيد حقيقى لما تم إنجازه من حائط الصواريخ الشهير والذى لم يعد مجرد قدرة الصواريخ المصرية على اسقاط عدد 21 طائرة إسرائيلية فى أسبوع واحد حتى سمى أسبوع تساقط الفانتوم .. ولكن كان بمثابة ملحمة كفاح مصرية تستحق أن تدرَّس عسكريا واجتماعيا للكشف عن إعجاز الشخصية المصرية. وفى بداية عام 1970 كان قرار القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أنه لابد من منع العدو الجوى الإسرائيلى من السيطرة الجوية على الجبهة المصرية ولتحقيق ذلك فإنه لابد من تمركز وحدات الصواريخ لتوفير الحماية لقواتنا البرية فى الجبهة وخلق الظروف المناسبة للإعداد لحرب التحرير ولتحقيق ذلك كان لابد أن تتمركز وحدات الصواريخ فى مواقع محصنة لتوفير الحماية لها من هجمات العدو الجوية .. ولذلك صدرت التعليمات للشركات المصرية ببناء المواقع المحصنة فى جبهة قناة السويس وطبقا لخطة قوات الدفاع الجوى. وعندما بدأ بناء هذه المواقع أعلن قادة إسرائيل بأنهم لن يسمحوا بإدخال الصواريخ المصرية إلى جبهة القتال.. وصرح الجنرال حييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى لمجلة التايمز الأمريكية بقوله: إن اقامة هذه الصواريخ سيوفر لمصر قدرات هجومية .. وفى اليوم التالى قال ايجال آلون: إن السيطرة الجوية فوق منطقة القناة ضرورة وإن خطتنا هى الاستمرار فى القصف الجوى لمنع إقامة شبكة الصواريخ.. واستمرت شركات البناء فى اقامة مواقع الصواريخ فى حماية المدفعية الخفيفة المضادة للطائرات وفى نفس الوقت ركزت الطائرات الإسرائيلية هجماتها ضد العاملين فى البناء وقصفتهم بآلاف من القنابل والصواريخ وعلى سبيل المثال فى شهر مارس 1970 وجهت إسرائيل 96 هجمة جوية ضدهم وفى شهر ابريل وجهت93 هجمة جوية .. وفى شهر مايو وجهت إسرائيل 43 هجمة جوية ضد العاملين .. وقد كانت الهجمات الجوية تستمر لفترات طويلة تتراوح بين ثلاث إلى ست ساعات متصلة .. واختلطت دماء الشهداء من مدنيين عمال ومهندسين وعسكريين بمواقع الصواريخ والعديد من الشهداء.. وكانت هذه الأعمال القتالية تؤكد قرار القيادة الإسرائيلية: لا صواريخ مضادة للطائرات فى منطقة الجبهة.. وبالتالى فإن معنى ذلك بالنسبة للقيادة المصرية (لا عبور.. ولا هجوم.. ولا تحرير للأرض).. وأصبح الصراع العربى الإسرائيلى صراعا بين قوات الدفاع الجوى والقوات الجوية الإسرائيلية.. مما دعا رئيس الجمهورية إلى الاجتماع مرتين مع بعض قادة كتائب الصواريخ وقادة لواءات الصواريخ يوم 9 ابريل ويوم 16 ابريل من الساعة السابعة مساء وحتى الثالثة صباحا.. لمناقشة جميع التفاصيل والمشاكل وقد حضر هذه الاجتماعات وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد قوات الدفاع الجوى. وقد تم التنفيذ خلال ليلة 28/29 يونيو.. وفى صباح يوم30 يونيو بدأ الهجوم الإسرائيلى بقوة 24 طائرة فانتوم وسكاى هوك واسقط الدفاع الجوى 2 طائرة فانتوم و2 طائرة سكاى هوك.. وتم أسر ثلاثة طيارين إسرائيليين وكانت هذه أول مرة يتم فيها اسقاط طائرة فانتوم واستمرت الهجمات فى الأيام التالية حتى يوم 5 يوليو وكانت وسائل الإعلام العالمية تتابع ما يحدث على جبهة القتال واطلقت على هذا الأسبوع أسبوع «تساقط الفانتوم» .. وقد عبر عن ذلك عزرا وايزمان قائدالقوات الجوية الإسرائيلية بقوله: لأول مرة يتم تهديد القوات الجوية الإسرائيلية وفى الفترة من 13 إلى 18 يوليو حاول الطيران الإسرائيلى استخدام اساليب جديدة.. ولكنها باءت جميعها بالفشل.. و اعتبارا من يوم 19 يوليو تم تجنب مهاجمة قواعد الصواريخ واطلق عليه حائط الصواريخ. وقد نشرت مجلة Avata on Week حصرا لخسائر إسرائيل فى الفترة من 30 يونيو حتى 7 أغسطس قالت فيه.. أن عدد الطائرات الإسرائيلية التى اسقطها الدفاع الجوى المصرى هو 17 طائرة تم تدميرها.. بينما اصيبت34 طائرة أخرى. لقد تم تنفيذ الأعمال القتالية الموضحة عالية بواسطة أبطال من رجال قوات الدفاع الجوى قدموا أرواحهم ودماءهم فى سبيل مصر. ومرت الأيام ونجحت قوات الدفاع الجوى فى توفير الحماية لقواتنا البرية اثناء اقتحام القنال وتحرير سيناء فى حرب اكتوبر 73. ومن هنا كان يوم 30 يونيو من كل عام هو عيد لقوات الدفاع الجوى تكريما للشهداء وللرجال والأبطال الذين بذلوا العرق والدم وضحوا بحياتهم فى سبيل مصرنا الغالية. إن الاسلوب الذى تم به التخطيط لحائط الصواريخ بعقول خبراء الدفاع الجوى (قادة وضباط) واساليب الاعداد والتنفيذ لإقامة بناء هذا الحائط لم يسبق فى حرب ما قبل عام 73 على مستوى العالم. إن قوات الدفاع الجوى فى مصر تعد أحد ملامح الصمود الشامخة وأحد أشكال الفكر والأداء العسكرى الجديد بعد حرب الخامس من يونيه.. حيث استطاعت أن تحمى سماء مصر بجدارة.. وكان دورها فى حرب اكتوبر غير مسبوق فى تاريخ الحروب وارتقى أداء مقاتليه إلى حد الإعجاز .. وكان مدعاة ليعلن خبراء الفكر العسكرى والاستراتيجية فى العالم اعجابهم وتقديرهم لكفاءة رجال الدفاع الجوى المصرى وهم يعيدون حساباتهم فى المفاهيم النظرية والعلمية فى الحرب الحديثة فيما يخص معارك الجو وتأمين السماوات، وأصبح الدفاع الجوى هو القوة الرابعة بالقوات المسلحة. وفى النهاية نذكر قول الجنرال اسحاق رابين بعد حرب يونيو 67: بواسطة قواتنا الجوية استطيع أن أصل إلى أى مكان فى العالم .. حتى لو كان القطب الشمالى.. ونتذكر قول قادة إسرائيل بعد حرب الاستنزاف: إن حرب الاستنزاف هى الحرب الأولى التى لم تنتصر فيها إسرائيل.. وهى حقيقة عبدت الطريق أمام المصريين بشن حرب اكتوبر 73. أما عزرا و ايزمان .. فقد صرح بالآتي: لقد اقتنعت بأننا لأول مرة لم نكسب الحرب .. وقد قلتها مرات لا تحصى.. لقد خسرنا هذه الحرب التى قتل فيها أفضل جنودنا.. ولقد انتهت هذه الحرب دون أن تجد إسرائيل حلا لمشكلة صواريخ الدفاع الجوى. لمزيد من مقالات الفريق : زاهر عبدالرحمن