بعد أيام قليلة سيزورنا ضيف كريم هو رمضان ، شهر العبادة وفعل الخير ومساعدة المحتاجين، لكن للأسف حوّله أكثرنا من شهر نشاط وتوفير إلى شهر كسل وتبذير، وتدل الإحصاءات على أننا نستهلك في رمضان أضعاف ما نستهلكه في أي شهر آخر من شهور السنة. ولأن المرأة دائماً وأبداً هي عماد البيت خاصة في الشهر الكريم، فإن لها دور كبير في تهيئة الأسرة لاستقبال الشهر الفضيل وترسيخ القيم الدينية الصحيحة لأفراد الأسرة جميعهم يوضحه لنا علماء الدين والإقتصاد المنزلي في السطور القادمة ونبدأ مع الدكتورة وفاء محمود أستاذة علم الإقتصاد وإدارة المنازل بكلية الإقتصاد المنزلي بجامعة حلوان قائلة: عادة ما يتبادل الأزواج فيما بينهم الاتهامات بالمسئولية عن الإسراف والتبذير الذي يرافق الكثير من موائد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، إذ يلقي الزوج باللوم على الزوجة التي تقع مسؤولية إعداد «السفرة» والمائدة عليها بالدرجة الأولى، فيما تُحمّل الزوجة الوزر على الزوج، الذي يطلب منها أن تملأ المائدة بمختلف أصناف الطعام والشراب والحلويات وغيرها. وبين هذا الاتهام وذاك، تتزايد مشكلة (الإسراف) على موائد رمضان، في وقت تكون فيه الأسرة أحوج ما يكون إلى الاقتصاد والترشيد والإحساس بالآخرين من الفقراء والمساكين.والمولي عز وجل يقول في كتابه الكريم: « وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» [الأعراف: 31]. وتؤكد أستاذة الإقتصاد المنزلي علي أن ترشيد الاستهلاك لا يعني التقشف والتقتير؛ بل هو الاستهلاك الأمثل لكل أفراد الأسرة، وهو ليس في الطعام فقط، بل في الكهرباء والماء والغذاء، ويجب أن يكون ترشيد الاستهلاك سلوكا رمضانيا وسلوكا عاديا أيضا. ولكي يتحقق هذا لابد من توجه عام لدى أفراد الأسرة، ولابد من وجود القرار الواعي والجماعي داخل أفراد الأسرة بقيادة ربة الأسرة ،ولهذا كنت أود أن يكون في الدستور المصري الجديد مادة توضح منهج الترشيد في الاستهلاك لتوفير الكهرباء والماء والغذاء، والاستفادة المثلى من هذه النعم التي أنعم الله بها علينا. ويجب أن تُعلم الأم أولادها سلوكيات وثقافة الترشيد، وأن الترشيد لا يعني البخل، ورمضان من أهم المناسبات التربوية لتعويد أنفسنا وأبنائنا على هذه الثقافة المحمودة. وتضيف: ومن المعلوم وللأسف الشديد أن الكثير من بواقي المائدة الرمضانية يذهب للمخلفات، بالرغم من وجود بنك للطعام أنشئ في مصر خصيصا لتلقى بواقي الطعام في أفراح الخمس نجوم، ثم تطورت فكرته وبدأ في تلقى بقايا الطعام من البيوت وبقايا العزومات، وهذا ما ينبغي فعله في جميع بيوتنا. وأخيراً يجب التقليل من أصناف الطعام على المائدة خصوصا البروتينات، مثل: اللحوم والطيور والأسماك التي ربما وجدت كلها مجتمعة على مائدة واحدة، وبطبيعة الحال لا يمكن أكلها كلها فتهدر ولا يستفاد منها، وفي كل الأحوال التوسط والاعتدال أمر مطلوب في شؤون الحياة عموما، لا سيما إذا عرفنا أن بعض الزوجات تضغط على زوجها للاستدانة من أجل العزومات، وهو ما يضغط في اتجاه المشاكل الأسرية التي تفضي إلى الخلافات الكبيرة في كثير من الحالات. وفي النهاية تؤكد الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف علي عدة حقائق أهمها أن ظاهرة الاسراف في الأطعمة والمشروبات في شهر رمضان المبارك لا تقتصر - مع الأسف - على الموسرين بل تشمل جميع الأسر غنيها وفقيرها وأصبحت هذه العادة السيئة صفة ملازمة لجميع الأسر وامتدت هذه الظاهرة أيضاً إلى الافطار في بعض المساجد، وذلك حينما لا يتم التنسيق مع إمام المسجد أو القائم على برنامج الافطار، فيحضر كل شخص ما يراه من الأطعمة والتمر مما يفيض عن حاجة الذين يفطرون في المسجد، وقد يكون بعضه مما لا يسهل حمله أو نقله فيرمى ويتلف. وتضيف: إننا مسؤولون أمام الله عن هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، ، وقد أمرنا - سبحانه وتعالى - بالسعي في الكسب الحلال، وفي المقابل أمرنا ان نصرفها وننفق هذا الكسب في حلال، ودونما اسراف أو تبذير، وكما نهى الله - سبحانه وتعالى - عن الشح والبخل والتقتير وحرمه، نهى أيضاً وحذر من البذخ والاسراف والتبذير. ونحن في شهر رمضان، شهر البر والاحسان، شهر المغفرة والرضوان، شهر التقوى.. يجب ان نحرص على الالتزام بهدى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن يظهر علينا أثر نعمة الله - سبحانه وتعالى - ولكن دون سرف، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما قال: (كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك خصلتان: سرف وخيلة) وما أحوجنا في هذا الشهر إلى ان نلتفت إلى ما نحن عليه من أمور سلبية وخاطئة في حياتنا، فنتقي الله، وليكن شهر رمضان منطلقاً لتصحيح هذه الأخطاء وان نحرص على عدم الاسراف والتبذير، وان نبدل هذه العادة السيئة إلى عادة حسنة، فنبقى على ما كان يطهى ويطبخ، ثم نقوم بتوزيعه على المستحقين من الفقراء والمساكين، أو اهداء الجيران أو المشاركة في اطعام وافطار الصائمين في المساجد والجمعيات.