لم تتردد الحكومة الألمانية فى إدانة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» ووصفه بالخطر البالغ الذى يهدد وحدة العراق واستقرار وامن الشرق الأوسط كله، بل ان وزير الخارجية الألمانى فرانك فالتر شتاينماير حذر من اندلاع حرب بالوكالة فى العراق على غرار سورى إذا ما تمكنت قوات داعش من دخول المناطق التى يسيطر عليها الأكراد والشيعة. غير ان المانيا ليس لديها رغبة فى المشاركة فى اى عملية عسكرية محتملة فى العراق او التورط بإرسال قواتها إلى هناك. كما استبعد شتاينماير على الأقل فى الوقت الحالي فكرة دعم تركيا كشريك فى حلف الناتو فى اى مواجهة محتملة مع داعش. الهاجس الحقيقى الذى يقلق برلين حاليا هو الخطر الإرهابى الذى يشكله هذا التنظيم وخاصة الجهاديين الألمان والأوروبيين فى صفوفه على المانيا واوروبا! تشعر برلين بقدر كبير من الإحباط من التطورات فى العراق. إحباط عبر عنه اكثر من مسئول وسياسى المانى فى مقدمتهم شتاينماير نفسه. فقد استثمرت ألمانيا اربعمائة مليون يورو خلال السنوات العشر الأخيرة فى دعم بناء مؤسسات الدولة العراقية وتقديم المشورة والخبرة الألمانية لوضع نظام سياسى تعددى ديموقراطى تشارك فيه كل طوائف الشعب العراقي. غير ان حكومة رئيس الوزراء نورى المالكى فشلت فشلا ذريعا بعدما استبعدت سنة العراق من المشاركة السياسية والاقتصادية واهدرت الدعم الألمانى والأوروبى بدلا من الاستفادة به فى تحقيق الاستقرار المطلوب. والآن قد تضطر المنطقة بأكملها لسداد فاتورة سياسة النخبة الحاكمة الفاسدة فى العراق كما يقول المحلل السياسى الألمانى ميشائيل لودرز. وقد لخص وزير الخارجية الألمانية شتاينماير مخاوف بلاده من تنظيم داعش عندما وصفه بأنه يتحول من منظمة إرهابية إلى منظمة عسكرية توسع من قدراتها ونطاق عملياتها إلى درجة تهدد وحدة العراق ودول الجوار. وتخشى برلين من ان تتمكن داعش من إقامة منطقة واسعة بين العراقوسوريا تخضع لسيطرتها وتسود فيها " الفوضى ويعيث فيها الجهاديون والإرهابيون من كل انحاء العالم وتشكل مركزا للإرهاب يهدد ليس فقط دول الجوار وانما اوروبا ايضا. لذلك فإن اولوية السياسة الألمانية والأوروبية حاليا، كما أكد الوزير الالمانى هى عدم حدوث ذلك والتصدى لداعش قبل ان تتوسع أكثر وأكثر وفى الوقت نفسه الحيلولة دون ان تتحول العراق إلى ساحة لحرب بالوكالة يتناحر فيها الأكراد والسنة والشيعة بدعم من إيران ودول الخليج تركيا كل وفقا لمصالحه. وهنا يرى شتاينماير دورا للدبلوماسية الألمانية التى تحتفظ بعلاقات جيدة مع دول المنطقة سواء دول الخليج او تركيا الشريك فى حلف الناتو وحتى إيران التى تلعب المانيا دورا رئيسيا فى الوساطة بينها وبين الغرب حول برنامجها النووي. وربما يقصد شتاينماير أن تتمكن المانيا من الضغط لوقف الدعم الذى تحصل عليه داعش من هذه الدول. كما ان الإسراع فى التوصل لإتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى قد يفتح الباب لتعاون غير مسبوق بين طهران والغرب للتصدى لهذا التنظيم كعدو مشترك. كما يرى الوزير الألمانى ان على القيادة العراقية البدء فورا فى تصحيح المسار واتخاذ خطوات لتشكيل حكومة قوية تراعى تمثيل مصالح المواطنين السنة لسحب بساط الدعم لمقاتلى داعش فى المناطق التى يسيطرون عليها. غير ان تقدم قوات داعش وسيطرتهم على الموصل والمدن العراقية الأخرى وتهديدهم للعاصمة بغداد لا يمكن مجابهته الآن بأدوات السياسة والدبلوماسية، فقد خلق كما يقول الخبير الألمانى جيدو شتاينبرج واقعا عسكريا على الأرض لابد من مواجهته بالقوة العسكرية، ما يفتح الباب واسعا لإمكانية تنفيذ الأمريكيين ضربة عسكرية لمواقع داعش لدعم قوات الجيش العراقي. وفى جميع الأحوال فإن شتاينماير لا يرى دورا المانيا عسكريا فى العراق وقال صراحة انه لا يتصور اى سيناريو تشارك فيه قوات المانية فى هذه المنطقة، بل ان كبير الدبلوماسية الالمانية سرعان ما طالب بعدم المبالغة فى تقدير أى دور ألمانى فى العراق واضاف ان ألمانيا تحولت خلال العقد الأخير من رجل اوروبا المريض إلى مرساة الإستقرار السياسى وقاطرة اقتصادية لأوروبا ما منحها احتراما دوليا كبيرا ولكن هذا لا يجب ان يصيبنا بالكبر! من ناحية أخرى يشعر المسئولون الأمنيون فى برلين بقلق شديد من الصعود المفاجئ لداعش. وحذر وزير الداخلية الألمانى توماس دى ميزير خلال مؤتمر لوزراء داخلية الولايات الألمانية قبل يومين من التأثيرات السلبية على اوروبا مما يجرى الآن فى أحد اخطر بؤر الصراعات فى العالم. حيث ارتفع عدد اللاجئين والمواطنين الفارين من إرهاب داعش إلى تركيا ودول الجوار الأخرى، وكثيرون سيشقون طريقهم نحو اوروبا على غرار ما نشهده من تدفق للاجئين السوريين منذ سنوات. كما ان الخطر الذى يمثله مقاتلو داعش ذوو الأصول الألمانية والأوروبية الذين يعودون إلى اوروبا لا يستهان به بعد ان بدأ الإدعاء العام الألمانى التحقيق ضد لبنانين والمانى بتهمة الأنتماء لتنظيم داعش وتقديم الدعم له من المانيا. وتخشى الأجهزة الأمنية فى المانيا من وقوع اعمال إرهابية مشابهة للاعتداء الذى وقع فى المتحف اليهودى فى بروكسل ونفذه أحد المنتمين للتنظيم بعد عودته من سوريا. وتقدر السلطات الألمانية عدد الألمان الذى انضموا لصفوف الجماعات الجهادية فى سوريا مثل جبهة النصرة وداعش بنحو اربعمائة شخص عاد منهم مائة إلى المانيا وبعضهم اكتسب خبرات قتالية واخرى فى التعامل مع المتفجرات ويخضعون لرقابة شديدة منذ عودتهم. ومن جانبه يتوقع الخبير الألمانى ميشائل لودرز ان تركز داعش جهدها حاليا فى فرض سيطرتها داخل العراقوسوريا، ولكنها ستستهدف الأوروبيين ايضا فى مرحلة لاحقة، حيث تتمتع بالدعم اللازم لذلك من قبل الجهاديين العائدين الذى يعتبرون قنبلة موقوتة.