أسعار الذهب اليوم 29 أبريل 2024.. وهذه قيمة عيار 21|فيديو    رئيس شركة العاصمة الإدارية يستعرض أكبر مشروعات المدينة أمام نائب رئيس مجلس الوزراء البحرينى    أسعار الخضروات في سوق العبور اليوم.. «الطماطم تبدأ ب3.5 جنيه»    للتسهيل علي المواطنين ..وزارة العمل تستعد لرقمنة خدماتها    الجيش الأمريكي يشتبك مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر    مساع إسرائيلية وأمريكية لمنع اعتقال نتنياهو.. كيف تفعلها؟    السعودية تصدر بيانًا بشأن حادث مطار الملك خالد الدولي    بسبب الأعاصير.. مقتل 4 أشخاص في ولاية أوكلاهوما الأمريكية    قطر توضح حقيقة دعمها للمظاهرات المناهضة لإسرائيل ماليا    رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    طائرات جيش الاحتلال تهاجم مباني تابعة لحزب الله في جنوب لبنان    مباريات اليوم.. مواجهة في الدوري المصري.. وبرشلونة يلتقي مع فالنسيا    سيراميكا أمل فاركو للهروب من قاع الدوري المصري    بفرمان من الخطيب.. كواليس توقيع عقوبة قاسية على السولية والشحات.. فيديو    صباحك أوروبي.. كواليس جديدة بين صلاح وكلوب.. دفعة معنوية لريال مدريد.. ومستقبل رويس    حرارة شديدة.. الأرصاد تكشف حالة طقس اليوم    إصابة 4 أبناء عمومة بينهم سيدتان في مشاجرة بسوهاج    نمو مبيعات التجزئة في كوريا الجنوبية بنسبة 9ر10% خلال الشهر الماضي    قبل انطلاق عرضه، كل ما تريد معرفته عن مسلسل فرسان قريح    أحمد المرسي بعد فوز باسم خندقجى بجائزة البوكر: فوز مستحق لرواية رائعة    لأول مرة تتحدث عن طلاقها.. طرح البرومو الرسمي لحلقة ياسمين عبدالعزيز في برنامج صاحبة السعادة    اليوم.. انطلاق الدورة ال 33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب    اليوم.. اجتماع «عربي – أمريكي» لبحث وقف الحرب في غزة    تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الإثنين 29 أبريل 2024    صحة قنا: خروج 9 مصابين بعد تلقيهم العلاج في واقعة تسرب غاز الكلور    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    عمر عبد الحليم ل«بين السطور»: فيلم «السرب» أثر في وجداني ولن أنساه طيلة حياتي    أدعية للحفظ من الحسد وفك الكرب والهم.. رددها لتحصين نفسك    شبانة: الزمالك يحتاج للتتويج ببطولة تشعر لاعبيه بجماهيرية النادي وحجم الانتصارات    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 بالمصانع بعد التحديث الأخير    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    «ايه تاريخك مع الزمالك».. ميدو يهاجم مصطفى شلبي    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    وزير الاتصالات: نعمل على زيادة سرعة الإنترنت وتثبيتها وتقوية شبكات المحمول    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الليبرالية فى ضيافة الاشتراكية

مثل طائر العنقاء الأسطورى الذى ينبعث من رماده , تأبى الليبرالية الماضى إلا أن تنبعث فى حاضرنا من جديد فتطرح أسئلة مستقبلية مثيرة للحوار والنقاش إمكانياتها
واستمراريتها فى صور مختلفة . هذه الليبرالية التى صارت فى الأونة الأخيرة لفظا واسع الانتشار من باب (الدخول) إلى عالم السياسة ومن باب آخر (الخروج) من عالم المعرفة السياسية وما بين الدخول (العشوائى) إلى مصطلح سياسى إلى خروج دال على (فقدان الوعى) بالمفهوم السياسى ودلالاته . فمن دعه يعمل .. دعه يمر .. الى الدولة بوصفها حارسا ليليا للملكيات الخاصة, وفى المواجهة تتلمس الليبرالية روحها الانسانية , فتقدم تصوراتها الاجتماعية عبر الليبرالية الاجتماعية , هذا التشكل الليبرالى الذى يعتمد المرونة من خلال عنصرى الموائمة والملائمة وفقا للحال أو الظرف التاريخى , وتماشيا مع روح العصر , ويدفعنا هذا الى مساءلة الليبرالية من جديد ,وقد وقع الاختيار على وجهتى نظر ناضجتين تملأهم الحيوية والعمق لجيل الوسط الذى نقدمه للمرة الاولى فى حوارنا حول المستقبل بالموازاة مع جيل الخبرات المعمقة أملا فى تواصل فكرى بين الأجيال هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى اخترنا باحثين من مدرستين فكريتين مختلفتين فى قراءة الليبرالية , الأولى المدرسة البريطانية وامتداداتها الانجلوساكسونية , والثانية الفرنسية وتاثيراتها الفرانكوفونية ... نقدم دكتور ياسر قنصوه من مصر ومحمد الحداد من تونس عبر قراءتين تقدمان وجهتى نظر فى ماضى وحاضر ومستقبل الليبرالية ...
بدأ ياسر قنصوه رحلته مع الليبرالية من خلال رسالة ماجستير فى جامعة القاهرة تناولت مفهوم الليبرالية من خلال نموذج فكرى (أمريكى) ثم أكمل دراسته للدكتوراه وهذه المرة كان النموذج الليبرالى الأوروبى حاضرا فى قراءة نقدية لما يسمى بتيار اليمين الجديد ممثلا فى الأب الروحى لأفكار الليبرالية الجديدة : عالم الاقتصاد والفيلسوف السياسى والمستشار الاقتصادى لمارجريت تاتشر (1979-1990) فريدريك هايك ليصل الامر فى عام (2003) إلى حصوله على جائزة الدولة فى العلوم الاجتماعية عن كتابه (الليبرالية ..إشكالية مفهوم ) الذى يعد مرجعا مهما فى الليبرالية من وجهة نظر باحث عربى . وله مؤلفات أخرى منها مفهوم الحرية فى الليبرالية المعاصرة , فى فلسفة السياسة, الاسلام السياسى والامن الانسانى , الليبرالية .

وكما اخبرنا رائد من رواد النهضة العربية هو التونسى خير الدين التونسى فى القرن 19 بالتجارب الليبرالية الديمقراطية فى فرنسا ها هو واحد من زمننا لا يكتفى بمشاهداته وانطباعاته الفوتوغرافية بل يقدم لنا رؤيته لعالمين بقدر تقاربهما فانهما يمثلان تجربتين مختلفتين رغم انتمائهما للمتوسطى , وقد انعكستا على ذهن تونسى متوقد يخبرنا من خلال قراءة ليبرالية عميقه لما صادف النجاح هناك وما هى اسباب العلة والفشل هنا .. انه الدكتور محمد الحداد حصل على الدكتوراة من جامعه السربون , أستاذ كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان ,نائب رئيس مؤسسة فضاء المعرفة الأوروبي المتوسطي (ستوتغارت),مؤسس ورئيس برنامج ماجستير الدراسات المقارنة للأديان والحضارات بكلية الآداب بمنوبه,عضو مؤسس لنادي بولونيا (إيطاليا) للدراسات المقارنة للإصلاحات الدينية,عضو مؤسس للشبكة الدولية لحوار الأديان «روح الدين» (مبادرة ريموند بانيكار، إسبانيا), ,الحائز على جائزة «ابن خلدون- سنغور» للترجمة في العلوم الإنسانية (الألكسو والمنظمة الدولية للفرنكفونية),..من مؤلفاته والتى ترجم معظمها الى الفرنسية والانجليزية والايطالية.. حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العربي ,محمد عبده: قراءة جديدة,مواقف من أجل التنوير, ديانة الضمير الفردي , مفهوم العلمانية , أخلاق كونية لثقافات متعددة ، التنوير والثورة .
ياسر قنصوه: تواريخ من الموائمة والملائمة
بداية صارت كلمة ليبرالى سلعة رائجة يقبل عليها الناس أحيانا وفى أحيان أخرى يستنتكرونها ومابين القبول والاستنكار اللذين لانعرف مبررا لاحدهما أو كلاهما معا إذن فماذا تعنى ؟
أى ليبرالية نقصد ؟ لم يوجد أبدا ما يمكن تسميته بالمذهب الليبرالى أو النظرية الليبرالية كتلك المذاهب والنظريات الفكرية الأخرى , فهى ليست مجموعة من الأراء او الأفكار والتصورات المرتبطة ببعضها البعض على نحو منطقى مما يجعلها وحدة عضوية ذات نسق واحد ومتماسكة . هذا لم يحدث لأنه لا توجد ليبرالية واحدة بل تعددية ليبرالية لدى مفكرين أو فلاسفة ليبراليين كل منهم قدم ليبراليته المميزة. لكن يمكن القول أن هناك مبدأ ليبراليا أو جملة من المبادئ الليبرالية يعتنقها أفراد ويسترشدون بها فى تصوراتهم عن الحرية الفردية والاستقلال الذاتى واقتصاد السوق والملكية الخاصة والتمتع بحريات مدنية : حرية التعبير وحرية التجمع وحرية العقيدة …الخ حتى بالنسبة لتيار الليبرالية الاجتماعية فإن لكل مفكر من هذا التيار رؤيته الاجتماعية الخاصة والمميزة هى حالة أو موقف عقلى تجاه قضية أو مسالة أو مشكلة أو ظرف إنسانى , هذا الموقف يبحث عن حل نسبى يمكن توقع نجاحه . إنه تعامل مرن يقوم على الملاءمة والمواءمة الإنسانيين . هذه المرونة تفترض التعددية فى وجهات النظر وبتعبير مجازى يمكن تصور الليبرالية أشبه ما تكون بفيلم بطولة جماعية ,كل يلعب دوره وفقا لطبيعة المشهد وبأسلوبه الخاص لكن فى سياق النص الاصلى (المبدا الليبرالى) .

وعندما نتحدث فى مسألة القبول والاستنكار لليبرالية فإن الشئ نفسه محل القبول ومصدر الرفض أو الإستنكار إنه مفهوم الحرية الليبرالى الذى يقبل على الإيمان به من يريد آفاقا منفتحة للحريات المدنية ومصدر الرفض هم أولئك الذين لا يفهمون من الحرية الليبرالية سوى مجال الحريات الإباحية أو التحرر الجنسى هذا من ناحية ,ومن ناحية أخرى , وللحق ارتبط التاريخ الليبرالى بالاستعمار ونهب ثروات الشعوب والليبرالية المتوحشة بتعبير د.رمزى زكى لكن هذا التاريخ السياسى / الاقتصادى ليس هو كل تواريخ الليبرالية إنما ثمة تواريخ اخرى تقترن بظهور الطبقة الوسطى التى ماكانت تحقق وجودهاإلا فى صحبة فكرية ليبرالية .

طالما ان الليبرالية ليست واحدة وإنما هى ليبراليات متعددة كما إنها ليست مذهبا أو نظريةوإنما هى مبدأ فكيف جاءت النشأة ماهى الاصول او المصادر التى أسست لهذا المبدأ وتلك التعددية ؟
هناك مسألة يجب الإشارة إليها أولا : بخصوص الفكر الغربى عامة وهى هذا التراكم الرأسى للأفكار وتواصلها عبر الزمن ايا ماكانت صورها المتنوعة واشكالها المختلفة ,فنحن يمكننا القول أن هناك فى الفكر اليونانى نوعا من الليبرالية السياسية على وجه الخصوص فعندما تطرح عبارة اليونانى (ثراسيماخوس) فى محاورات أفلاطون : العدالة هى مصلحة الأقوى فإن أصداءها تتردد على نحو مختلف عند أحد الرواد الليبراليين ومؤسس الاقتصاد السياسى (آدم سميث) :دع رجل الاعمال يتحرر وحينذاك سيحرر البشرية , لكنه لكى يتحرر لابد أن يملك الدولة . ومن هنا فإن الشعار الليبرالى الأشهر : دعه يعمل .. دعه يمر والمؤسس لاقتصاد السوق الحر يمكن قراءته فى ضوء عبارة السوفسطائى (بروتاجوراس ):الإنسان مقياس كل شئ , فعندما تدعه يمر سيقرر مصلحته لأنه مقياس الأشياء جميعا وهذه التوليفة ذات النكهة الليبرالية على تفاوت مفرداتها عبر الزمن تكشف طبيعة التفكير ووضوح الهدف . بعد هذا التمهيد الذى لا مفر منه أعود إلى سؤال النشأة بالنسبة لليبرالية لأشرح أمرا مثيرا للعجب والغرابة وهو أن الاباء المؤسسين والذين نعرفهم الآن كجون لوك الفيلسوف الإنجليزى والذى ينظر إليه بوصفه رائدا للديمقراطية الليبرالية لم يكن يعرف أنه ليبرالى حيث أن المصطلح لم يكن معروفا فى عصره لكن تم استدعاء أفكاره بوصفها رائدة فى سياق الفكر الليبرالى من قبل الاجيال اللاحقة بإيجاز لقد أنجب الأبناء الاباء .ومنذ لوك وصعود الطبقة الوسطى الذى كان منظرها بإمتياز والتى بدورها حملت لواء المبدأ الليبرالى حتى تم توزعها الايديولوجى ليكون هناك يمين ويسار ليبراليان ثم وسط ليبرالى أى المعتدل وبتعبير آخر :هناك ليبرالية محافظة ومنها مايسمى اليمين الجديد ويسار ليبرالى أو التوجه الاجتماعى لليبرالية فى ضوء مفاهيم متباينة للعدل الاجتماعى أو عدالة التوزيع للمنافع المادية والمعنوية .
تبدو الليبرالية مقترنة كأيديولوجيا بالنظام الرأسمالى وفى مواجهة الإشتراكية التى تؤكد العدل الاجتماعى كدعامة اساسية للفكر الإشتراكى ,فكيف جاء الارتباط بين الليبرالية والعدل الاجتماعى او مايسمى بالليبرالية الاجتماعية ؟
دعنا نتفق أولا أن ما تجمعه المصلحة لا يفرقه المبدأ هذا ماكان وما يكون وما سوف يكون بالنسبة لليبرالية .إن الجماهيرالتى خرجت فى الشوارع ترفع شعار :عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية كانت تقف على ارضية الليبرالية الاجتماعية وربما يرى آخر إنها الديمقراطية الاجتماعية أى على ارضية ماهو اجتماعى .إنه التشكل والتكيف الذى يمليه الواقع ويصنعه المبدا الليبرالى ببراعة يحسد عليها ويخشى منها فى الوقت نفسه ويمكننا أن نأخذ مفهوم العدالة الاجتماعية من خلال التصور الليبرالى الاجتماعى الذى يرى انه طالما أن البشر غير متشابهين فى اوضاعهم الاجتماعية / الاقتصادية وأيضا مواهبهم وقدراتهم فإنه ليس من الإنصاف ان يتم توزيع المنافع والاعباء على نحو متساو على أفراد غير متساوين ومن هنا تأتى أهمية المعايير التى بموجبها يحصل كل فرد على نصيبه من المحصلة النهائية للمنافع .

وثمة مقترح يطرحه جون رولز الفيلسوف الامريكى صاحب كتاب (نظرية فى العدل ) وهو للعلم الكتاب الاكثر تأويلا ودراسة فى القرن العشرين هذا المقترح يقول بمبدأين :الأول : حماية الحريات الاساسية للافراد على نحو متساو , الثانى يهتم بالجوانب التى تحدد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بحيث يكون هناك فرص عمل متاحة للجميع فى ظل تكافؤ الفرص وأن تكون المنافع الاكبر للأدنى فى المستوى الاجتماعى والاقتصادى إنه يطالب ذوى الامتيازات الاعلى فى الثروة والسلطة ان يمنحوا أمتيازات اكبر للادنى فى الثروة والسلطة لكى يكون هناك عدل وإنصاف .

لكن الليبرالية كأيديولوجيا تختلف عن الايديولوجيا الاشتراكية , فالأولى فى ظل إيمانها بالحرية الفردية لاتنظر إلى الدولة كصديق بينما الإشتراكية تتخذ من الدولة صديقا موثوقا فيه ماذا عن الصداقة مع والثقة فى الدولة ؟

هناك ليبرالية متطرفة ترى فى الدولة مجرد (حارس ليلى ) لحماية الممتلكات الخاصة وفى ظل دعاوى الليبرالية الجديدة يمكن أن تتحول الدولة إلى نموذج الدولة السمسارة التى تعمل لحساب الشركات متعددة ومتعدية الجنسيات وهناك أيضا الليبرالية الاجتماعية التى تجعل من الدولة حضورا مؤثرا فى الأمور الاجتماعية والاقتصادية ,إذن الأمر لايتعلق بالصداقة أو عدم الصداقة , الأمر يتعلق بالمصالح الخاصة والعامة ,ومن هذا المنطلق يمكن ان تستضيف الاشتراكية الليبرالية ,وسوف أدلل على التسامح الليبرالى الذى يصل إلى حد الحيادية الأيديولوجية الخالصة من خلال رؤية ليبرالية متطرفة فى عدائها لتدخل الدولة فهى ترى أن الغرباء الذين لاتحبهم ولا تستحسن أخلاقهم يمكنهم زيارتك فى منزلك .هذا الحياد الذى يعبر عن التسامح فى حدوده القصوى يدفعك إلى الخوف إلى حدودك القصوى أيضا هذا مايدفعك للدهشة والحيرة من تلك التصورات الليبرالية . إن الصيغة المطروحة لتدشين عصر أيديولوجى يمكن أن تستمد فاعليتها من عبارة الفيلسوف الفرنسى (ألتوسير ) :اركع ,وحرك شفتيك بالصلاة ,وعند ذلك ستؤمن . إن ثمة سلطة أيديولوجية تتشكل فى مساحات فكرية وحرة وتدفعنا إلى القبول بسلطانها القادم وإن كنا لا نعرف على وجه التحديد محتواها أوخطابها الأيديولوجى ومن ثم فلا مجال للإندهاش من فكرة استضافة الاشتراكية لليبرالية على أرض الليبرالية الاجتماعية وبالموازاه مع الديمقراطية الاجتماعية .

تقودنى عبارة ألتوسير السابقة اركع ,وحرك شفتيك بالصلاة ...إلى الحديث المتداول بين العامة عن العداء بين الدين والليبرالية ماذا ترى ؟

دعنى أبدأ من التعبير الذى يستخدمه البعض عندما يقول :الليبرالية الإسلامية مستخدما أدلته من التجارب الليبرالية فى ماليزيا وأندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة على سبيل المثال .ذلك اشبه بالسؤال الذى وجه إلى من احد الطلاب فى إحدى الجامعات المصرية عن رأيى فى الاقتصاد الإسلامى فسألته بدورى هل يوجد علم هندسة إسلامى فأجاب بالنفى فقلت العلم بنظرياته متغير ونسبى بينما الدين ثابت ومطلق هذا نفسه مايجب أن يفهمه مواطنونا كما فهمه (مهاتير محمد) عندما قال حينما أصلى ادير رأسى ناحية الكعبة وحين اتعامل فى الاقتصاد أدير رأسى ناحية بورصة الاوراق المالية فى نيويورك .الليبرالية صناعة فكرية إنسانية ولا يجوز مقارنتها بالدين فما يصنع على الأرض لا يقارن بما هو سماوى إنها مشكلة تهجين العلوم والمفاهيم المعاصرة مع الدين لصنع توليفة عجيبة من الأصالة والمعاصرة تدفعنا نحو المجهول لا المعلوم .

لدينا تجربة ليبرالية فى بدايات القرن العشرين كما لدينا تجربة اشتراكية فى الستينيات، فماذا عن إمكانية تجربة ليبرالية ديمقراطية أو الليبرالية الاجتماعية، أو ديمقراطية اجتماعية ما هى الخطوط الفاصلة والمتداخلة بين المسميات الثلاثة؟

عندما تتحدث عن ما هو ليبرالى فإننا نعنى الإطار الفكرى والثقافى أى الأرضية الفكرية وضعت فيها بعض بذور الليبرالية لكنها لم تثمر فى الحقيقة. إننا نقصد أن تكون هناك تفكير عقلانى بطريقة ليبرالية تقوم على المرونة والملاءمة والمواءمة والتوافق للتعامل مع المشكلات وهذا مفتقد لدينا على مستوى العقل الحر فى أما إذا قصدنا الديمقراطية الليبرالية فإننا نتحدث عن نظام يقوم على المساواة فى المشاركة السياسية تصاحبها تطبيقات الحريات المدنية. لكن التجارب الديمقراطية فى عالمنا العربى تجارب للديمقراطية المقيدة. ربما تكون فرضتها ظروف وضغوط معينة نتيجة لوعى مفقود منذ وقت طويل. أما الليبرالية الاجتماعية فهى محاولة ليبرالية لإيجاد منظومة حياة اجتماعية/ سياسية عادلة أو منصفة فى المجتمع الديمقراطى الليبرالى وأخيرا تأتى الديمقراطية الاجتماعية الخارجة من عباءة ما يسمى «بالطريق الثالث» – بعد الطريق الليبرالى والاشتراكى – فهى محاولة لتطبيقات اقتصاد السوق والمشروع الفردى فى كل حضور اجتماعى مؤثر للدولة فى إدارة المشروعات الاقتصادية/الاجتماعية.

ماذا عن مستقبل الليبرالية فى العالم؟ خاصة أن الحضور للديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية الديمقراطية فى أوروبا وأمريكا اللاتينية مؤثر وفاعل وناجح فى النطاق المجتمعى؟

كما قلنا سابقا من زاوية ليبرالية أن التسامح وهو فضيلة فى حد ذاته، لكن لابد من معايير ومحددات معينة لتطبيقه وإلا فإنه قد يمثل تهديداً لمبدأ المساواة والحقوق الفردية . ومن هنا يمكن النظر إلى مستقبل الليبرالية فى ضوء أمرين يجب حسم إشكالياتها، الأول: الأقليات القومية والجماعات الإثينة، الثانى: كيف يمكن جمع الشتات الليبرالى تحت راية مبدأ واحد، إن المحك الحقيقى لاستمرارية المبدأ الليبرالى هو تعزيز الاندماج المجتمعى ووضع محددات ومعاير ضابطة للتسامح، حتى يتحول المبدأ إلى تطبيق ناجح.
محمد الحداد : مهد الفكر السياسي الحديث
هل ثمّة تقليد واحد لليبرالية؟ هل هي ليبرالية واحدة أم ليبراليات متعدّدة؟
كان القرن العشرون قرن الإشتراكية، بدأ بالثورة البلشيفية سنة 1917، وقد ألهمت العديد من الثورات في العالم، وخاصة في العالم الثالث، وساهمت في نجاح العديد من حركات التحرّر الوطني، وكشفت عن المعاهدات السرية التي كانت مبيتة بين الدول الاستعمارية، وروسيا القيصرية طرف فيها، مثل المعاهدة السريّة المعروفة باسم «سايكس-بيكو» (اسمي وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا) لاقتسام الشرق الأوسط، وقد أمر فلادمير لينين بنشرها، وأصبح أغلب المثقفين يدافعون عن الاشتراكية، بما في ذلك العالم العربي، خاصة بعد مساندة الكتلة الاشتراكية للقضية الفلسيطينية التي كانت تعتبر سابقا القضية المركزية للعرب، وحتى الفكر الإسلامي شرع يبحث عن توافقات بين الإسلام والاشتراكية، وعلى طريقته، بدأ يؤكد أن الإسلام هو أوّل من دعا إلى الاشتراكية وأن الاشتراكية الحق هي التي أرسى معالمها الإسلام، وإلى غير ذلك من الأطروحات التلفيقية التي صيغت في خطب ومقالات وكتب لا تحصى.
لكنّ الأمر انقلب بصفة جذرية مع نهاية القرن، وتحديدا نهاية الثمانينات، عندما بدأت بعض بلدان أوروبا الشرقية تنتفض ضدّ أنظمتها «الاشتراكية»، وأصبحت هذه الأنظمة مرادفة للدكتاتورية، وانهارت المنظومة الاشتراكية في بضع سنوات، ولم تعد الفكرة الاشتراكية تجذب الشباب والمثقفين بعد كلّ ما حدث، ومن الطبيعي حينئذ أن يتحوّل الاهتمام إلى الأطروحة المضادة، أي الليبرالية، وان ينفض عنها الغبار وتصبح أطروحة جذابة، ويعيد مثقفون كثيرون إبراز مصادراتها ومكوناتها. وهنا لابدّ أن نميّز بين دافعين في هذا التحوّل. هناك، من جهة، دافع اقتصادي، يرى أن التخلص من الاشتراكية يعني العودة إلى حلم ليبرالي قديم اختصرته سابقا عبارة «دعه يعمل، دعه يمرّ»، بمعنى أن يصبح العالم كلّه مفتوحا أمام حركة انتقال رؤوس الأموال والمستثمرين، بصرف النظر عن الاختلافات القومية والعرقية والدينية والاثنية وهذا ما أصبح يسمّى أيضا بالعولمة، وانتشرت استعارة «القرية الكونية» عندما استعملها بيل غايتس، مؤسس شركة ميكروسوفت، في أحد كتبه، والحقيقة أن أصل هذه الاستعارة يعود إلى القرن التاسع عشر، وتحديدا إلى ستوارت ميل، أحد أكبر منظري الليبرالية وفلاسفتها. واشتهر كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ» الذي بشر بنهاية الصراعات الأيديولوجية حول معنى التاريخ بانتصار الليبرالية وتغلبها على خصوبها (الفاشية والنازية ثم الاشتراكية)، وهي الأطروحة التي تراجع شأنها بعد ذلك مع ظهور كتاب «صدام الحضارات» لصمويل هنتجنتون الذي بشّر بأن تتحوّل الخصومة الإيديولوجية بين الاشتراكية والليبرالية غلى خصومات ثقافية وحضارية بين المجموعات البشرية. وكل هذا التيار الليبرالي الجديد كان ينطلق من الاقتصاد ويماهي بين اللّيبرالية والرأسمالية.
لكن ثمة تيار آخر، ربما اقلّ شهرة لأنه غير مدعوم من المؤسسات الاقتصادية الضخمة والشركات متعدّدة الجنسية وجماعات الضغط الاقتصادية، وهو تيّار فلسفي يعتبر أن الليبرالية ليست منظومة اقتصادية، وأنها بدأت في الأصل من منطلقات سياسية ودينية، وأنها لا تقترن بالضرورة بالرأسمالية المتوحّشة، ويمكن أن تتلاءم مع أنماط من الاشتراكية المعتدلة (التي تحترم الملكية الفردية) ومع الاقتصاد الكينزي، نسبة إلى عالم الاقتصاد البريطاني المشهور، الذي أثّر تأثيرا بالغا في الفكر الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، ودعا إلى أن تضطلع الدولة والمنظمات المالية العالمية بدور تعديلي للإقتصاد الحرّ. وأثبت العديد من أنصار هذا التيار الثاني أن آباء الليبرالية قد ظهروا بعد الحروب الدينية في أوروبا، ولم يكن الاقتصاد مشغلهم الرئيسي، وإنما كان مشغلهم الرئيسي قضية الدولة، وكيف يمكن لها أن تصبح محادية أمام النزاعات الدينية كي تضمن السلم الأهلية وتحترم اختلافات مواطنيها. ومن هنا كانت الليبرالية مهد الفكر السياسي الحديث الدائر حول قضية الدولة أساسا، ثمّ علاقة الدولة بالدين تبعا.
كعربي، ماهي رؤيتك لمدى تأثر المفكرين العرب باللّيبرالية، من رفاعة الطهطاوي إلى طه حسين؟
دعني أوّلا أبيّن أنّ آباء الليبرالية، بالمعنى الثاني الذي ذكرت، هم هوس ولوك ومونتسكيو وروسو، وهم معروفون في الفكر العربي، لكن هناك جيلا آخر غير معروف جاء بعدهم، وبالتحديد جاء بعد الثورة الفرنسية، وهو جيل غير معروف في الفكر العربي، ومن أعلامه بنجمين كونستان وفرانسوا غيزو وألكسيس دي توكفيل، هؤلاء واصلوا التفكير في قضية الدولة أوّلا، وفي علاقة الدولة بالدين ثانيا، آخذين بعين الاعتبار التطورات النوعية التي أفرزتها الثورة الفرنسية. ومن المؤسف أنهم ظلوا غير معروفين لدى العرب، لأنهم طرحوا قضايا قريبة من قضايا المجتمعات العربية بعد الموجة الثورية الأولى التي بدأت بثورة يوليو في مصر (1952) وامتدت إلى بلدان عربية عديدة، لكن بما أنّ الاشتراكية كانت هي السائدة، فإن أفكار هؤلاء لم يلتفت إليها أحد من المفكرين العرب، وفي أحسن الحالات، وقع قراءة الليبرالية بالاقتصار على جيلها الأوّل (هويس، لوك،الخ)، دون الأخذ بعين الاعتبار المراجعات الهامة التي قام بها الفكر الليبرالي في موضوعي الدولة والدين ، وتحليله لظاهرة الثورة. واعتقد أننا اليوم، ونحن نعيش الموجة الثورية العربية الثانية، سنغنم كثيرا لو اطلعنا على الفكر الليبرالي ما بعد الثورة الفرنسية لأنه يقدّم أفكارا خصبة عن إيجابيات الثورات وسلبياتها.
هل المقصود عصر النهضة؟

عصر النهضة العربية هو العصر الممتدّ من القرن التاسع عشر إلى الثلث الأوّل من القرن العشرين، وهو عصر الليبرالية الفكرية والسياسية، وكلّ روّاده وممثليه كانوا من ذوي التوجّه الليبرالي، وتفاعلوا مع الفلسفة الليبرالية، واقتبسوا المقترحات الرئيسية للفكر السياسي الليبرالي وأهمّها الدستور والمواطنة والبرلمان وحريّة الإبداع الثقافي وتجديد الفكر الديني. لكن عندما أصبحت كلمة ليبرالية مذمومة، وقع التغاضي على هذه الحقيقة التاريخية، وأذكر لك على سبيل المثال أن الكتاب المشهور الذي كتبه ألبرت حوراني في تاريخ هذا العصر قد ترجم إلى العربية بعنوان «الفكر العربي في عصر النهضة»، في حين أنّ العنوان الأصلي باللّغة الانجليزية هو «الفكر العربي في العصر الليبرالي».

النهضة العربية تأثرت باللّيرالية السياسية تحديدا، لذلك كانت فكرة الدستور والبرلمان محورية لدى كلّ الرواد، ولا أحد اعترض عليها باسم الدولة الإسلامية أو الخلافة أو تطبيق الشريعة. وكان صدور الدساتير الأولى علامة نجاح لفكر النهضة وللحداثة السياسية الليبرالية، فقد ظهرت هذه الدساتير في تونس (1861) وتركيا (1876 و 1908) ثمّ في مصر ومنها إلى الدول التي حصلت على الاستقلال. لكن مضامين الدساتير لم تطبّق في الغالب ولم يحظ المشروع الليبرالي العربي بنجاحات واقعية، مما سهّل سقوطه واستبداله بالمشروع الثوري الاشتراكي منذ منتصف الخمسينات.

لماذا لم يحظ المشروع الليبرالي العربي بنجاحات واقعية؟

لم يحظ أي مشروع عربي بنجاحات واقعية، فشل المشروع الليبرالي كما فشل المشروع الاشتراكي والقومي والإسلاموي. بالمقابل، نجحت الفلسفة الليبرالية في كلّ العالم المتقدّم، من شمال أمريكا إلى أوروبا حتى اليابان، المشكل ليس في الليبرالية ولكن في الواقع العربي الذي لا ينجح فيه أي مشروع.

كأحد المختصين في التقليد الفرنسي لليبرالية، ترى أيهما أكثر أهمية، التقليد الفرنسي أم الانجليزي؟

الفلسفة الليبرالية بدأت مع الانجليز، ثمّ استمدّ منهم الفرنسيون وتميزوا عليهم بالقدرة على تبسيط المبادئ الليبرالية وإخراجها في شكل جذاب، وهذا ما قام به خاصة فلاسفة الأنوار الذين تركوا كتابات ذات نزعة أدبية، دون الكتابات الفلسفية الوعرة، مثل «الليفياتان» أو «التنين» لهوبس. أمّا أهمية الليبرالية الفرنسية فتتمثّل في الجيل الثاني، لأنّ الثورة الفرنسية كانت مختبرا واقعيا وقاسيا للأفكار الليبرالية، فمن هنا بدأ تفوّق التقليد الفرنسي على الانجليزي. أمّا في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد عاد التفوق للفكر الانجلو-سكسون وظهر فيه كبار المنظرين مثل راولس.

يطرح الإسلاميون الليبرالية في مقابل الإسلام السياسي (كفر وإيمان)، هذا الرابط نظريا كيف ترون الهدف منه.. هل يعد هذا التقابل حقيقيا أم أنها مقابلة خاطئة من حيث الطرح؟

كما أن البعض كان يقول أن الاشتراكية تعني أن يشترك الرجال في زوجاتهم، كذلك ينشر بعض الجهلة أنّ الليّبرالية تعني أن لا يتقيّد سلوك الإنسان بأيّ قيد أخلاقي. هذه مجرّد طرق للتجهيل والمغالطة وتسفيه الخصم بدل الحوار معه والاحتكام إلى قواعد الاستدلال والاحتجاج. والإسلامويون بارعون ومتفوّقون في هذا النوع من الابتذال لأنه بقدر ما يضعف الفكر عند مجموعة تتضخّم لديها القابلية للعنف المعنوي والمادّي. والتكفير جزء من الدعاية، واعتقد أنّ الشعوب العربية قد فهمت اليوم أن الإسلامويين لا يعانون فقط من الضعف الفكري لكنهم يعانون أيضا من الانحطاط الأخلاقي، ولم تعد دعايتهم نافذة كما كانت عليه قبل الثورات العربية.

أنصح المثقفين العرب ألا يحشروا أنفسهم في تسميات ضيّقة، لأن ضعف المستوى الثقافي العام يحوّل هذه التسميات إلى أسلحة مضادّة للدعاية، المهم مضامين الأفكار وليس التسميات. ولا مناص من الاعتراف بأن كلمة ليبرالية قد ابتذلت لدى البعض ممن يعتبرون أنفسهم سياسيين أو مثقفين أو منظرين. أعتقد أن الثورات العربية قد أثبتت مجدّدا إفلاس كل الأيديولوجيات، وأثبتت إفلاس آخر الإيديولوجيات العربية وهي الإسلامية، والليبرالية إذا ما تحنطت تصبح أيضا ايديولوجيا، أنا شخصيا لا أصنّف نفسي مفكّرا ليبراليا وأفضّل اعتبار كتاباتي جزءا من المشروع النقدي العربي وقد بدأ مع عصر النهضة، لأن جوهر القضية ليس التخاصم على التسميات وإنما تحديد الأهمّ، وهو تنمية قدرة الكائن العربي على إعمال العقل وفهم المحيط بدل الاستكانة إلى سطوة التقاليد وتسليم أمره إلى شيخ القبيلة أو إمام المسجد أو رئيس الحكومة. أن يصبح العربي فاعلا، هذا هو لبّ الحداثة والتنوير، وبدون ذلك تفشل كل المشاريع، مهما كانت تسمياتها، ليبرالية أم اشتراكية.

أيهما أكثر أهمية للتقليد السياسي العربي، الليبرالية أم الديمقراطية؟ وكيف ترى العلاقة بين الأفكار والنظم النظرية والتطبيق: بريطانيا ليبرالية وفرنسا ديمقراطية؟

لاأوافق هذا التصنيف واعتبر هذه المقابلة لا تخلو من التعسف. الليبرالية تاريخيا بدأت نخبوية ولم تطرح الديمقراطية، لكن مآلها الطبيعي والمنطقي هو الديمقراطية، لأن تعميم التعليم وإرساء مبدأ المواطنة والتخلص من التراتبية الاجتماعية يحوّل الشأن العام من النخبة إلى العدد الأكبر من أفراد المجتمع، فمن وجهة نظري، لا يوجد تقابل بين الليبرالية والديمقراطية، وإنما هو التطور الطبيعي للفلسفة السياسية الحديثة التي طرحت الليبرالية ثمّ الديمقراطية.

الفرنسيّون يؤكدون أكثر على الديمقراطية لأسباب يمكن فهمها إذا عرفنا الواقع الفرنسي في الستينات. فتأثر المفكرين الفرنسيين بالشيوعية والاشتراكية كان أكبر بكثير من تأثر الانجليز، كما أن المفكرين المثقفين الفرنسيين لهم حساسيّة أكبر من الكنيسة، لذلك كان المثقفون الليبراليون يسعون إلى تفادي كلمة اشتراكية من جهة، وكلمة «عدالة اجتماعية»، وهي كلمة اخترعتها الكنيسة لتعارض بها الاشتراكية والشيوعيّة. من هنا تضخّم محور الديمقراطية لديهم، لتشمل المعنى السياسي والذي يدعوه الانجليز ليبرالية، وتتسع للمعنى الاجتماعي الذي لا يقحمه الفكر الانجليزي ضمن الليبرالية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.