"البيعة" عهد على الطاعة من الرعية للراعي، وإنفاذ مهمات الراعي على أكمل وجه، وأهمها سياسية الدين والدنيا على مقتضى شرع الله، قال الإمام البربهاري –رحمه الله تعالي– في كتاب "السنة": "من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به، فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام براً كان أو فاجراً... هكذا قال أحمد بن حنبل". وقد دل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عمر جاء إلي عبد الله بن مطيع –حين كان أمر الحرة فى زمن يزيد بن معاوية- فقال بن مطيع: أطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله يقوله، سمعت رسول الله يقول: "من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية"، وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد، ولا بايع أحدا بعد بيعته ليزيد كما قال الإمام أحمد: "لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنية وأهله، ثم تشهد، ثم قال: "أما بعد، فإننا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وأني سمعت رسول الله يقول: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال: هذا غدرة فلان. وإن من أعظم الغدر –إلا أن يكون الإشراك بالله- أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله، ثم ينكث بيعته فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون الفيصل بيني وبينه". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وفي هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق"، وقد حكى الحافظ ابن حجر كذلك الإجماع على بيعة الإمام المتغلب فقال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء". وفي صحيح البخاري "كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمامَ الناسُ" عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال: "كتب: أني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وان بني قد أقروا بمثل ذلك". وهكذا فإن البيعة للإمام المسلم المتمكن المستقر، والاعتراف والإقرار بولاية أولي الأمر، وما يتبع ذلك من سمع وطاعة ونصحٍ بالمعروف أصل من أصول الدعوة الإسلامية، أجمع عليه الأئمة الأعلام لما فيه من قيام مصالح الدين والدنيا. • قبسات –بتصرف- من كتاب "معاملة الحكام فى ضوء الكتاب والسنة" للشيخ عبد السلام بن برجس –رحمه الله-.