»باريحو« حاكم بلاد »بونت« ساقه حظه العثر إلى مصر فى زيارة رسمية، مصطحبا زوجته »عاتي«، وكانت تمتلك جسدا ضخما، بمؤخرة هائلة، واستلفتت سمنتها أنظار المصريين، فاستهجنوا إهمالها فى الحفاظ على رشاقتها. خاصة أن المصريات كن يتمتعن وقتها بأجساد ممشوقة، ويرتدين ملابس رائعة، ويتزين بأدوات تجميل راقية، والذهب والأحجار الكريمة، لذا بادر أحد الفنانين بنحت صورة ساخرة للملكة الضيفة، فكان أول »كاريكاتير« فى التاريخ، وهو محفوظ فى المتحف المصري، فى حالة جيدة، وبصورة واضحة تماما. ويرى علماء المصريات أن الفنان المصرى القديم كان أول من تنبه إلى فن الكاريكاتير، للسخرية من الحاكم الدكتاتور. ويؤكدون أن قدماء المصريين عرفوا فن السخرية من حكامهم، وحرية التعبير عن الرأى كان جزءا أصيلا من ثقافتهم، ولم يكن الحاكم مقدسا على طول الخط كما يتصور البعض، فقد كان بعض الحكام فى عصور الانهيار، يتعرضون لسخرية الشعب، بالكلام المباشر بين العامة، والنحت والرسم كانا انعكاسا للواقع فى عصور الانحطاط فى تاريخ مصر القديمة. وتوضح بردية »تورين« كيف كان المواطن مصرى البسيط يخاطب الفرعون. وقد سخر المصريون من علاقة ملكتهم حتشبسوت بالمهندس »سنموت« الذى بنى لها معبدها ونحته فى صخور الجبل غرب الأقصر »حتشبسوت«. وبرع الفنان المصرى القديم فى الترميز، واستخدم الحيوانات للتعبير عن رأيه فى حكامه، فعلى قطعة فخار مستوية »أوستراكا«، صور أحدهم الصراع بين القط والفأر، حيث يعتلى ملك الفئران عجلة حربية تجرها كلبتان، ويهاجم حصنا تحرسه القطط، تلميحا لقوة الشعب فى مواجهة الظلم، ويذهب البعض إلى أن فكرة »توم وجيري« منقولة أو منهوبة حرفيا من هذه الرسوم القديمة. وحسب العلماء كان أول ظهور لرسم كاريكاتيرى »للقط والفأر« عام 1300 قبل الميلاد، حيث كان يرمز بالقط إلى الملك، وبالفأر إلى الشعب، والفأر نحيل الجسد فى القصص المصرية القديمة كان ينتصر دائما بالحيلة والدهاء، وكانت القصص الشعبية تُختتم بنهايات سعيدة، وانتصار الحق. وهناك تصورات متنوعة ومدهشة، ونقد خلاَّق حتى بمقاييس عصرية للحاكم الظالم فى غابر الزمان، وربما يراه البعض بسيطا ومستترا، لكنه موجع لمن يستهدفه، ومقنع لمن يفهمه، كرسم ثعلب يرعى قطعان الماعز، وذئب يقود الأوز، وانتقاد الحكام كان محببا للعامة، وموضوعا متكررا لدى الفنانين أصحاب المواهب الذين يتمتعون بخفة الظل، وهناك قطع أثرية كثيرة مرسومة على »الأوستراكا« والبردي، كُتب على إحداها مثلا »القطة أصبحت عبدة للفأرة«، وجيش فئران يهاجم قططا مسكينة محبوسة فى قلعة، ويعج »القصص الشعبى المصرى القديم«، بحكايات موحية تناقلتها الأجيال عبر التاريخ، وكان الفنان فيها يبرز مساوئ الحكم، والظلم الاجتماعي، كمساهمة فى إصلاح الأحوال برؤية فنية، وهى مبادرة حضارية مبكرة لتفعيل دور الفن اجتماعيا وسياسيا، حيث ند على رسماً على شقفة، فيها فرس النهر يجلس فوق شجرة عالية، والنسر يحاول صعودها على سُلم. علامة على فرط الفساد والظلم، الذى يغير كل شئ من البديهيات ومنها طبائع الكائنات، وهو ما يشبه إهدار الكفاءات فى عهود الفساد العامة.