انطلاق فعاليات المؤتمر السنوى الثالث للدراسات العليا في العلوم التطبيقية بجامعة بنها    حجازي يبحث مع مدير التعليم بالبنك الدولي المشروعات المشتركة لتطوير المنظومة التعليمية    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء «المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار»    «النقل»: وصول أول قطار كهربائي سريع إلى مصر أكتوبر المقبل    تخصيص أرض الممشى السياحيّ بين المتحف المصري الكبير وهضبة الأهرام    منها الاستخدام الخاطئ للريموت كنترول.. 6 أسباب وراء عدم تبريد التكييف    الأردن يرحب باعتراف النرويج وأيرلندا وإسبانيا بفلسطين: خطوة نحو حل الدولتين    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس من المحرمات ولا مجرد مسألة موقف سياسي    الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد قتلى العمليات الإسرائيلية في غزة إلى 35،709    عاجل.. الزمالك يكشف موعد دفع غرامة مساعد فيريرا    بتصويت الجماهير.. كول بالمر يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لهذا الموسم    نجم برشلونة يحسم الجدل حول مستقبله مع «البلوجرانا»    الزمالك يكشف عن موعد صرف مكافأت الكونفدرالية    النيابة العامة تكشف تفاصيل حادث معدية أبو غالب في الجيزة    مصرع شخص في حادث تصادم بطريق نوى - شبين القناطر    السجن المشدد 6 سنوات للمتهم بتزوير محررات رسمية بالشروق    لتفادي أى طارئ.. «السكة الحديد» تعلن تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط (تفاصيل)    استعدادات مثيرة لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: بحث وتخطيط لأطول عطلة في العام    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    بينها فيلم رسوم متحركة.. شباك التذاكر يستقبل 3 أفلام جديدة هذا الأسبوع    السرب يحقق إيرادات قياسية في دور العرض.. 32 مليون جنيه خلال 3 أسابيع    "لعبة الخروج" و"أطياف حكاية".. فرق قصور الثقافة بجنوب الصعيد تواصل عروض الموسم المسرحي    الكشف على 600 حالة وإجراء 25 عملية في قافلة مجانية بمطروح    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    مصدر رفيع المستوى: ممارسة مصر للوساطة جاء بعد إلحاح متواصل للقيام بهذا الدور    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    «جولدمان ساكس»: تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر ستصل إلى 33 مليار دولار    الشركات توقفت عن إنتاج ألف صنف دوائي والمرضى لا يجدون العلاج في زمن الانقلاب    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    المالية تدعم العاملين بالصناديق الخاصة بنصف مليار جنيه إضافية    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    البنوك الرقمية تُحدث نقلة نوعية في القطاع المصرفي المصري    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    رابط التقديم للمدارس الحكومية والتجريبية 2024-2025 والأوراق المطلوبة    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر لبدء موسم الحج البري    استمرار تراجع عدد وحدات الإسكان الاجتماعي في ألمانيا    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    الحكومة العراقية تطالب بإنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يأبى الأزهر إلا أنْ نعيشَ حضارتَنا
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 05 - 2014

واصَلَ الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي، حملتَه على الأزهرِ فيما كتبَه بأهرام الأربعاء الموافق 14 مايو 2014م تعليقًا على استِنكارِ الأزهرِ لجماعةٍ مُنحَرِفةِ النَّفسِ والطَّبْعِ والدِّين والخُلُق، تَنتَسِب إلى الإسلامِ،
لاختِطافها عددٍ من الفتَيات في «نيجيريا»، على الصورة التي نشرَتها وسائلُ الإعلام، وأَطلقَت على نفسِها جماعة «بوكو حرام»، وذلك بعُنوان: «الاستنكار لا يكفي». ولا أدري فِيمَ يُنكِر الأستاذُ الكاتبُ على الأزهر؟ هل لأنَّ الأزهرَ في بَيانِه أوضَحَ أنَّ ما ارتكبَتْه هذه الجماعة من جُرمٍ يَتناقض تمامًا مع تعاليم الإسلام ومَبادئه؟ أم لأنَّ الأزهر طالَبَ المنظَّمات الدوليَّة المعنيَّة بحقوق الإنسان والمجتمع الدولي كافَّةً بسُرعة التحرُّك للإفراج عن المختطَفات، واتخاذ كافَّة الإجراءات ضدَّ الجماعة المذكورة؟
لقد تقلَّبتُ بذِهني بين الإجراءات التي كان يُمكِن أنْ يتَّخِذَها الأزهرُ وقصَّر فيها، فما وجدتُ إلا إجراءً واحدًا ربما هو الذي يَنْعاه عليه الكاتب؛ وهو أنَّه كان على الأزهر أنْ يُشكِّل قوَّةَ تدخُّلٍ سريعٍ من كبار العلماء والمشايخ مُزوَّدة بكافَّةِ الأسلحة والمعلومات والتقنيات الحديثة لمحاصَرة الجماعة الإرهابيَّة وتخليص الرهائن من بَراثِنها، مع ضَمان الحِفاظ على حياتهنَّ وسلامتهنَّ! يالها من غرابة، فالكاتب نفسه في مقالٍ سابقٍ بأهرام 24 أبريل يرفُض أن يتَحوَّل الأزهر إلى سُلطةِ منعٍ عندَما بيَّن رأيَه في عرض فيلم «نوح» الذي يتمُّ فيه اختزال النبوَّة والعِصمة بكلِّ ما تَحمِلُه من أبعادٍ غيبيَّةٍ، ومَعارجَ قُدسيَّةٍ، وأنوارٍ ربانيَّةٍ، إلى صورٍ بشريَّةٍ مُبتَذَلةٍ على مَقاسِ الإنسان العادي مجرَّدًا عن أبعادِه الغيبيَّة الإيمانيَّة، فينحدِر بذلك التعبيرُ ليَعكِسَ كلَّ ما هو خسيسٌ في الإنسان، ويُنمِّي فيه أدنى الملكات بدلاً من الارتقاء به إلى آفاق الحقائق الغيبيَّة والمعاني السامية والمبادئ العُلويَّة. فبينما يَرفُض الكاتبُ -في فيلم «نوح»- بيانَ الأزهر لرأيِه، ويَعتِبرُه سُلطةَ منعٍ يتحوَّلُ فيها رجالُه من دُعاةٍ ومُعلِّمين ومُرشِدين إلى أصحاب سُلطةٍ بالاتِّفاق والتحالُف مع السُّلطة السياسيَّة، يرفُض في واقعةِ الاختطاف استنكارَ الأزهر، ويُجهِد نفسَه في تَلمُّسِ مَواطِن للأخطاء والتقصير، فلمَّا لم يجد راح يَتتبَّعُ شواذَّ ما وُجِدَ في التراث الإسلاميِّ القديم، أو شوارد ما تعلَّقَ به من دخيلٍ ومدسوس، كما هو الشأن في كافَّة الحضارات والأديان والأنظِمة، أو ما تشابَه منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه، فيَقَرُّ في ذِهن الناس الشكُّ في تُراثِهم وموروثهم؛ فتتعمَّق الهزيمةُ الحضاريَّة لدَيْهم، ويُسارعون أكثر في الانصِياع إلى ما يُلقَى إليهم من فَضلات الحضارات الأخرى، كما قال النبيُّ، صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». ولا أدري الوهن اليوم إلا تلكَ الهزيمةَ الحضاريَّةَ التي يتولَّى كِبرَها البعض ممَّن يَعتَبِرون أنفسَهم رُوَّادًا للفِكر والثقافة، وما هي بريادةٍ، وإنما هو زَيْغٌ في القلوب يَدفَعُ أصحابَه إلى تتبُّعِ المتشابِه والدَّخِيل والمدسوس والشاذِّ والشارد. أمَّا عن التُّراث الذي ما عُرِفَ الأزهرُ بريادته وقيادته العالميَّة التاريخيَّة الحضاريَّة إلا باعتنائه بتنقيح هذا التراث وتجليتِه وتحريرِه وترتيبِه وتحقيقِه على الصورة التي استقرَّت في تعلُّمه وتعليمه على مدَى عشرة قرونٍ مضت هي رأس مال الأزهر الشريف، هذا التراث ما زال رسالةَ الأزهر العلميَّة والحضاريَّة، وما زال محلَّ عنايةِ الأزهر الشريف بعُلَمائه وطلابه ومُحقِّقيه وباحثيه ودارِسيه، بل ومُحبِّيه أيضًا، لا كارهيه أو مُحقِّريه أو حاسِدِيه. إنَّ بدعةَ التحامُل على التراث، دونما تحقيقٍ ولا إنصاف، تهافَتَ عليها بالعدوى والتقليد كلُّ دَعِيٍّ تافهٍ أو مُتعالِمٍ أو مُتجاهل أو مُغرِض يُطفِئ غِلَّه في شهوتِه بالوُلوغ في مذاهب السادة والأكابر من عُلَماء الأمَّةِ، يتلمَّس نقيصةً هنا وهفوةً هناك وشذوذًا هنالك، وهو يعلم أنَّه عندما ينتقَّصهم إنما ينتقَّصُ تراثَهم، وأنَّه بانتقاصه هذا التراث إنما ينتقِص الإسلامَ نفسَه، وهكذا كان المستشرِقون الذين درَج كثيرٌ منهم على تلمُّس المعايب للإسلام من خِلال تتبُّع التراث بهذه النيَّة الخبيثة، وكان الشرفُ دائمًا في الأزهر الشريف أنْ يتحرَّى العدالةَ العِلميَّةَ، ويلتزم في مناهجه أصولَ البحث المنزَّه عن الغاية، ويقف ممَّا عسى أنْ يُرجِّح صدورَه عن السادة الأكابر من أئمَّة هذا التراث ممَّا قد يكونُ خطأً أو كالخطأ من بعض الوجوهِ، موقفَ المعتذِر عن النفسِ البشريَّة، فليس أحدٌ معصومًا عن الخطأ إلا الأنبياء الذين أجاز البعضُ حتى عليهم الخطأ في غير الوحي، وإنْ كان هذا الجواز يصدُر -في رأينا على الأقل- عن جهل هؤلاء بمعاني العِصمة والنبوَّة والخطأ والصواب.
إنَّ الكاتب أعلَمُ من أمثالي بما وقَع من دَخِيلٍ ومدسوسٍ على الكتب المقدَّسة السابقة على الإسلام، وعلى عُلوم الإلهيَّات والفلسفات القديمة والحديثة، في كلِّ حضارات الدنيا وعلى مَدار تاريخِها الطويل، ، والحمدلله الذي عصم القرآن من ذلك «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، والجميع يعلم أنَّ عُلومَ الحديث من مصطلحٍ، وجرح وتعديل، وتخريج، وغريب الحديث، ومُشكِل الحديث، والتي تَنفَرِد بها أمَّةُ الإسلام عن غيرها من الأمم، لم تُوضَع إلا لمجابهةِ هذا الدَّسِّ والتحريف والكذب الذي أصابَ سُنَّةَ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في أزمنةٍ مُعيَّنةٍ، لتصل إلينا صحيحةً نقيَّةً مُحقَّقةً مُنقَّحةً، كذلك علومُ القرآن والتفسير لمواجهة ما تطرَّق إلى التفسير من يهوديَّات وخُرافات وتأويلات، وعلم الكلام لمواجهة ما تسرَّب إلى العقائد من إلحاديَّات وأخيِلة وصور عقليَّة مُضلِّلة، وأصول الفقه وقواعده لضَبط ما شابَه أحكام الفقه من شطط وإغراب وافتراضات وحِيَل بالاعتماد على الشُّبهة والحكم بالهياكل اللفظيَّة والقضايا الصوريَّة، وعلوم التصوُّف وقواعده لمواجهة ما شابَ السلوكَ من تحريفٍ وتخريفٍ وشطحٍ، وهكذا في سائِر العُلوم.
يَبقَى تلك التعبيرات والمصطَلحات التي يَستخدِمُها الكاتب في سِياق كلامه، مثل: مؤسَّسة كهنوتيَّة، ونظام دِيني مُقدَّس، وغيرها من العِبارات والمعاني التي تردُّنا إلى تاريخ الثورات الأوروبيَّة ضدَّ الكنيسة وأنظِمة الحُكم الاستبداديَّة في الغَرب آنَذاك، فهو يَعلمُ أنَّ الأنظمة الكهنوتيَّة لا تُوجَد إلا حيث تكونُ العِصمة للبشَر من غير الأنبياء، وأنَّ الإسلام لا يَعرِفُ عصمةً لغيرِ الأنبياء من البشَر، فكلُّ ابن آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوُّابون، كما جاء في حديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والأزهر مؤسَّسة عِلميَّة لا كهنوتيَّة، وفي الأزهر علماء دِين لا رجال دِين. ولكن ما زال هناك أناسٌ يأبَوْن -ربما بسببِ عُمق الهزيمة الحضاريَّة في نُفوسِهم- إلا أنْ نَعِيشَ تاريخ غيرِنا، وحضارة غيرِنا، ونُفكِّرَ بعقول غيرِنا، ونسمع بأذانِ غيرنا، وننظُر بعيون غيرِنا، ولكنْ يأبى الأزهر إلا أنْ نعيشَ حضارتَنا بعقلِ اليوم، وتاريخَنا بحُكمِ زماننا، وتُراثَنا وفقًا لواقعِنا، وحياتَنا بعيونِنا، ومعلوماتنا بأذانِنا. ونستغفِرُ اللهَ ممَّا جرَى به القلمُ دون نيَّةٍ صالحةٍ أو إصابةِ حقٍّ.
لمزيد من مقالات د. محمد مهنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.