كأن مصر قد نبهت العالم إلى إعادة طرح مشكلة استخدام الفحم كوقود، إذ أدلى البحث العلمى الأمريكى بدلوه فى المسألة، داعيا إلى تقنين استخدامات الفحم والغاز الطبيعى، مفجرا مفاجأة من العيار الثقيل تشير بأصابع الاتهام إلى الغاز الطبيعى -المشهور بأنه الأقل تلويثاً- بأن نسب تلويثه للهواء نحو خمسة أضعاف ما كان يعتقد من قبل، في وقت يتراجع فيه سعره العالمي. وإذا كان ذلك يصب فى مصلحة أنصار استخدام الفحم إلا أنه يجب أن نذكر أن مصر ليست كالولاياتالمتحدة تمتلك الفحم فى باطن أراضيها كما لا تمتلك أيضا التكنولوجيا التى تحول دون تجاوز انبعاثاته من ثانى أوكسيد الكربون للحدود الآمنة، بل تحتاج لآليات ضد تصاعد غبار الفحم. ومن هذه الآليات موانى خاصة مصممة بحيث لا تنال عمليات الاستقبال والتفريغ والشحن والنقل من المياه والأحياء البحرية والشعاب المرجانية ومواقع ممارسة أنشطة الغوص والسياحة البيئية والصحة والبيئة المصرية بوجه عام. مفاجأت كونينجهام عن أهم ما تناولته نتائج الأبحاث الأمريكية، تقول الدكتورة شاكيناز طه الشلتاوى الأستاذ بهندسة القاهرة: «يأتى بحث البروفيسور الأمريكى نك كونينجهام بجامعات كورنيل وبوردو المنشور بمطبوعات الأكاديمية القومية الأمريكية فى منتصف أبريل الماضى (2014)، إذ أكدت نتائجه أن انبعاث الميثان أثناء استخراج الغاز الطبيعى قد يصل إلى 17%، وكان يعتقد فى الماضى أنه 3.2% فقط ، أى أنه يفوق ما كان مقدرا من قبل بمراحل كبيرة ، مما يضع الغاز الطبيعى فى مقارنة متكافئة مع استخراج الفحم، ويجعل الفحم منافساً قوياً له. وتضيف أن تلك النسب أزعجت مراكز البحوث الأمريكية المعنية مما جعل وضعه قيد الدراسة من الباحثين تحت رعاية البيت الأبيض، مما يصب فى مصلحة استخدام الفحم، من وجهة النظر المؤيدة لاستخدامه كوقود. وبالعودة إلى الوضع فى مصر نجد أن باطن أرضها يحتوى على غاز طبيعى يمر بمرحلة الاستخراج، بالمخاطر نفسها، وصعوبة التعرف على مخاطر الغاز الطبيعى فى جميع المراحل، بداية من الاستخراج مروراً بالنقل ونهاية بالاستخدام، التى تكمن فى صعوبة التعرف عليها لأنه بدون رائحة بينما ما نشمه إضافات رائحة لتُميزه. أما انبعاثات الفحم والبترول السائل أثناء الاستخراج والنقل فهما مرئيان، ويمكن تداركها سواء كانت على هيئة غبار أو تسريب سائل، والتحكم فى انبعاثات الفحم أكبر بكثير من انبعاثات المصادر الأخري نجاح أمريكى وتنتقل الدكتورة شاكيناز إلى بحث آخر فتقول: «يؤكد البحث الثانى من وكالة ناسا الأمريكية للبروفيسور الأمريكى جيميس هانسين أن وحدة الكربون المنبعثة من حرق البترول لها نفس أثر وحدة الكربون الصادرة من حرق الفحم، علما بأن أمريكا منجم ضخم للفحم مما يجعلها تفضل البحث عن تفعيل للسياسات الرامية إلى التحكم فى انبعاثاته، وإن كانت خططها السابقة كانت تهدف للاستغناء عن الفحم عام 2030، لأن حرقه يتسبب في80% من انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون و80% من مشكلة تغير المناخ. ورد هانسين دفوعه إلى أن كمية الكربون المتبقية فى البترول أو الغاز أقل بكثير مما يحتويه الفحم، إلا أنه وفى الوقت ذاته يعد الفحم أعلى مصدر للطاقة بين مصادر الوقود الأحفوري، علما بأن الولاياتالمتحدة تنتج نصف احتياجاتها من الكهرباء باستخدام الفحم، إلا أنه مسئول عن 80% من ثانى أوكسيد الكربون المتولد من الخدمات الكهربائية، كما يستخدم فى بعض الصناعات الأخرى كالأسمنت. ومن وجهة نظرهانسين فإن التحكم فى خفض انبعاثات الفحم أسهل بكثير من التحكم فى انبعاثات المصادر الأخرى للطاقة، فيما العالم وأمريكا يتجهان حالياً لتخفيض الانبعاثات الناجمة عن حرق الفحم، وعلى سبيل المثال نجحت هيئة الطاقة الأمريكية عام 1998فى تقليل ما يتولد من انبعاثات الكربون من توليد كيلو وات ساعة إلى 2.117، ثم نجحت فى تخفيضها مرة أخرى عام 1999 إلى 2.095، أى بمعدل خفض 4% سنوياً، مما يعزز استخدامه مستقبلاً، لو استمر التطور التكنولوجى فى تخفيض نسب الكربون. وفى إجابتهاعن سؤال «هل تتجه الولاياتالمتحدة مستقبلاً للاعتماد على الفحم فى توليد الطاقة «؟ تجيب الدكتورة شاكيناز: «هذا مطروح بقوة على الرغم من النتائج الحالية التى تشير إلى عكس ذلك إذ انخفض استهلاك الفحم فى أمريكا بنسبة 20% عام 2012، على غير ما توقع رجال الصناعة والمهتمون بالفحم كوقود مستقبلي، بسبب تراجع أسعار الغاز الطبيعى، الأمر الذى تسبب فى تعطيل أغلب المصانع التى تعمل بالفحم، مما دفع الرئيس الأمريكى أوباما إلى التوصية باستخدام الغاز الطبيعي». ووتضيف: «إذا استمر سعر الغاز الطبيعى فى الانخفاض سيستمر الإحلال والتجديد للمزيد من المصانع، مع ضرورة تطبيق أنظمة صارمة لخفض التلوث المصاحب لاستخدام الفحم خاصة حدود أكاسيد الكبريت والزئبق والغبار بالإضافة إلى تراب الفحم طبقاً لقوانين البيئة للقرن الحادى والعشرين».