تمر علينا هذه الأيام ذكرى حادثة الإسراء والمعراج، والمسلمون غارقون فى مشكلات وأزمات ومحن لا يعلم مداها إلا رب الأرض والسموات، وتأتى هذه الذكرى العطرة لتذكرنا كيف واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأزمات والمشكلات، علنا نجد طريقا نتلمسه للخروج مما نعانيه الآن. وأكد علماء الأزهر ان العبر والدروس التى نستفيدها من هذه الذكرى المباركة كثيرة، ولكن أهمها أن هذه الرحلة المباركة أظهرت مكانة ومنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضا منزلة الأمة الإسلامية، وكذلك منزلة الصلاة بين أركان الإسلام. وأوضحوا أن من رحم المحن تخرج المنح، وان الابتلاءات والاختبارات تكشف الصادق من المنافق، وان الحق أحق أن يتبع مهما كلف ذلك صاحبه من تعب ونصب، وان الله سبحانه وتعالى ناصر المظلوم ولو بعد حين. وطالب علماء الدين أبناء الأمة الإسلامية بإحياء ذكرى الإسراء والمعراج بالصلاة والدعاء إلى الله, والعمل على نهضة الأمة الإسلامية ولم شملها وتحقيق الأمن للمجتمع الإسلامى الذى تتعرض كثير من دوله إلى محن وشدائد تهدد استقراره. كما طالبوا بالدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والتكاتف والتعاون والوقوف معا يدا واحدة لإنقاذ المسجد الأقصى وحماية الأرض المقدسة ورد الحق لأصحابه, خاصة أنها أرض الإسراء التى تتعرض الآن لأخطر انتهاكات وعدوان, وأكد علماء الدين أن الإسراء والمعراج معجزة إلهية جاءت لتأكيد علمية الإسلام وإمامة الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء والرسل وتحقيق وحدة الإنسانية. ويقول الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء الأزهر، أن حادثة الإسراء والمعراج معجزة إلهية ومنحة ربانية، لتثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانا ويقينا بما يدعو اليه من حق، لمواجهة المحن والشدائد بعد وفاة زوجته السيدة خديجة وعمه أبى طالب ورحلته إلى الطائف التى لاقى فيها من الاستهزاء والأذى ما أدمى جسده الشريف، فتوجه الى الله تعالى بالدعاء المعروف «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضي، ولا حول ولا قوة إلا بك». وأوضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعرض لمحن عظيمة وشديدة، فهذه قريش قد سدت كل الطرق فى وجه الدعوة إلى الله فى مكةالمكرمة، ومع ذلك فقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضياً فى طريقه صابراً محتسباً فى تبليغ أمر ربه، لا تأخذه فى الله لومة لائم، ولا يتأثر بكيد مستهزئ أو ساخر أو من يسيء له بأى كلمة من الكلمات التى كان يتعرض لها كاتهامه بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو غير ذلك. خطاب دون واسطة وأشار إلى أن بعد هذه الشدائد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت رحلة الإسراء والمعراج على موعد من رب العالمين، فاختاره الله دون جميع الخلائق ليكرمه على صبره وجهاده ولكى يخاطبه دون واسطة ومن غير حجاب، ولكى يطلعه على عوالم الغيب دون الخلق أجمعين، وقد أراه من الآيات الكبرى دون غيره، وأكرمه بعد ذلك بأن جمعه بإخوانه من الأنبياء والرسل فى السماوات سماء تلو سماء تلو سماء، فكان ذلك إشعارا بأنه إمامهم وقدوتهم وخاتمهم، وأنه آخر الأنبياء على الإطلاق، وهذه نعمة عظيمة ومنحة كريمة ما وراءها منحة، وهذا درس عظيم لكل مسلم يتعرض لشدة أو تصيبه منحة أو كرب فإذا صبر وتحمل الشدائد فلا شك أن الله سيكرمه بالعطاءات الإلهية والمنح الربانية، وإن كل محنة وراءها منحة، فلنصبر ولنحتسب ولنتق الله حتى نخرج من هذه الأزمات المهلكة. اختبار للمؤمنين وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور إمام رمضان، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، أن من أهم الدروس المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج، أن الله سبحانه وتعالي، فرض الصلاة التى هى معراج المؤمن إلى ربه فى كل وقت، كما اختبر إيمان المؤمنين، وبرز بعد هذه الحادثة المنافقون من المؤمنين، فلقد ظهر إيمان سيدنا أبى بكر الصديق واضحاً وجلياً أمام هذا الحادث الجلل العظيم، عندما أخبره المشركون فقال لهم بلسان الواثق المؤمن: (لئن كان قال ذلك فقد صدق)، فقد ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المرحلة المؤمنون الصادقون، وابتعد عنه المتزعزعون فى عقيدتهم الذين كانوا مترددين لا إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين، حالة النفاق هذه تخلص منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المرحلة الضرورية فبرز المنافقون وظهروا على حقيقتهم.