فى الوقت الذى يلجأ فيه صغار الاطباء داخل المستشفيات إلى الإضراب احتجاجا على تدنى رواتبهم التى لا تكفى متطلباتهم وسد احتياجات أسرهم نجد على الجانب الآخر مغالاة صارخة فى قيمة كشوف كبار الأطباء سواء بالعيادات الخاصة أو الخارجية بالمستشفيات الاستثمارية. لتتراوح قيمة الكشف على المريض من 300 إلى 500 جنيه والحجز قبلها بعدة أشهر بخلاف ما يطلبه من تحاليل واشعات طبية بالإضافة إلى العلاج الذى سرعان ما يتغير عقب معرفة نتائج وتقارير التحاليل والاشعة وخاصة الأمراض الخطيرة والخبيثة , وهذا يعنى ان يكون المريض على الاقل مليونيرا . وهنا نتساءل هل من العدالة أن يحصل الطبيب الحديث على راتب شهرى اقل من قيمة كشف مريض واحد لطبيب كبير بعيادته لمجرد ان لديه الخبرة والشهرة والكفاءة ؟! وهل مهنة عريقة وانسانية كمهنة الطب تقدر بالمال ؟!وهل كل المرضى لديهم المقدرة المالية للانفاق على آلامهم عند كبار ملائكة الرحمة ؟! وهل هناك جدول بوزارة الصحة او بنقابة الاطباء ينظم قيمة فحص المريض بالعيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية كل حسب شهاداته ودرجته العلمية ؟! وإن كان موجودا بالفعل .. فمن القائم على متابعة التنفيذ والرقابة ؟! وما عقوبة من لا يلتزم منهم ؟
تلقت تحقيقات الاهرام استغاثات وصرخات المرضى فمنهم من يرجو التدخل للحجز عند كبار الاطباء ومنهم من يرغب فى تخفيض قيمة الكشف لعدم مقدرتهم المادية والبعض الآخر لا يقدر على شراء الدواء وعمل الفحوصات والتحاليل الطبية المطلوبة . تقول نهال عبد الله : نجلى شاب يبلغ من العمر19 عاما يتيم الاب ومريض بالكبد وحساسية فى الصدر والضغط وأخيرا ابتلى بمرض السكر, ففى الشهر الواحد نتردد على ثلاثة اطباء للعلاج ونصحنا احدهم بالتحكم فى مستوى السكر الذى بلغ 400 وهوصائم واخذ انسولين بانواع مختلفة ولم يتم ضبطه واخيرا نصحنى احد الاطباء بالتوجه بابنى الى أحد اكبر اطباء السكر فى مصر واعطانى عنوان العيادة لخطورة الحالة وبالتوجه اخبرنى الممرض بان الكشف 400 جنيه واعطانى موعدا بعد شهرين وعندما توسلت إليه وبكيت على ابنى فاخبرنى بان الطبيب يكشف على 54 حالة متابعة منهم 4 حالات جدد لأول مرة واخذ رقم الهاتف وابلغنى بأن دورى قد يكون فى أخر اليوم وسيستأذن من الطبيب وسيتصل بى إن وافق , ولم يتصل بى منذ اسبوع . عام كامل فى حين تقول فاطمة محمدى البالغة من العمر 36 سنة: أصبت بآلام شديدة بركبتى اليمنى وترددت على العديد من الاطباء المتخصصين لمدة عام كامل دون فائدة وبدأت أعانى من الركبة اليسرى ونصحنى البعض بالتوجه الى طبيب وابلغنى الممرض بحجز موعد الكشف بعد ثمانية أشهر وكان ردى عليه ده لو كان فيا نفس هاجى محمولة على أيادى اولادى وخرجت ابحث عن المعارف والأطباء الذين يستطيعون الوصول إلى هذا الطبيب للوساطة لتقديم موعد الكشف وبالفعل تم بعد شهرين وعقب دخولى طلب منى عمل اشعات وتحاليل جديدة فى اماكن معينة حتى تكون سليمة وواضحة وبعد قيمة الكشف تبين ان الاستشارة بمبلغ آخر. ويصرخ المريض محيى خلف من كبارالاطباء والمستشفيات الخاصة التى لا تفرق بين المريض المصرى الفقير والمريض العربى او الخليجى الثرى قائلاً : أعانى من مشكلات فى العمود الفقرى وقاربت على الافلاس من كثرة التردد على الاطباء فى العيادات الخاصة ونصحنى البعض بالتوجه اليهم فى المستشفيات الاستثمارية لتقليل التكاليف والانفاق الا ان الطبيب يطلب منى فى كل مرة تحاليل جديدة والعرض عليه وعندما اعود ترفض المستشفى العرض على انها استشارة وتلزمنى بدفع كشف جديد لان الاستشارة تتم خلال اسبوع او15 يوما فقط اما بعد ذلك يوجد كشف جديد وعندما احاول حجز الاستشارة يعطون لى موعدا بعد شهر وبمجرد وصولى فى الموعد المحدد يطلبون كشفا جديدا باختصار كل زيارة بكشف 300جنيه . وغيرهم الكثير من الحالات التى تستغيث وتصرخ من ارتفاع كشوف كبار الاطباء المشهورين وفترات حجزها الطويلة الى جانب عدم السماع للمريض فبعضهم يرفض فحص المريض وسماع شكواه واعطاء اى دواء إلا بعد الاطلاع على التحاليل والاشعات التى طلبها ومعظمهم يجعل طبيبا صغيرا يقوم بتدوين البيانات والاعراض والتاريخ المرضى له وللعائلة ليأتى الطبيب الكبير فى اقل من خمس ثوان لكتابة الدواء لضيق الوقت . أخلاقيات المهنة من جانبه يقول الدكتور منير محمد ابو العلا استشارى الأورام: نعم يٌغالى بعض الأطباء فى رسوم الكشف على المرضى ليصل الى 500 جنيه فى الكشف و250 فى الاستشارة , كما ان مواعيد الحجز متأخرة جداً لتصل إلى بضعة أشهر مما يؤثر على حالة المريض الصحية وتدهورها , وقد يصل الكشف المستعجل الى 800 جنيه وقد يرجع ذلك إلى شهرة هؤلاء الأطباء وتخصصاتهم النادرة وزيادة إقبال المرضى على عياداتهم مما جعلهم يرفعون من قيمة الكشف لتقليل الأعداد دون رقيب ولا حسيب , وهذا لا يتفق مع أخلاقيات المهنة التى تقوم على الرحمة ومساعدة المحتاج رغم أن هناك جداول استرشادية بنقابة الأطباء منذ سنوات طويلة ولكنها لا تتناسب مع ظروف الحياة والغلاء وهى تحدد قيمة كشف كل من الطبيب العادى و المدرس والمدرس المساعد والأستاذ والاستشارى وكذلك قيمة إجراء العمليات الجراحية بأنواعها وتعنى كلمة قاعدة استرشادية أنها غير ملزمة للأطباء والمستشفيات الخاصة بمعنى أوضح أن الطبيب الذى لا يلتزم بهذه الأسعار الموجودة بالجدول الاسترشادى لا رقابة ولا عقاب عليه , ولا يوجد من يجبره على تخفيض قيمة الكشف المغالى فيه ويرى الدكتور منير أبو العلا ضرورة تشريع قانون من وزارة الصحة يلزم جميع الأطباء برسوم كشف مناسبة للمرضى وللطبيب كل حسب درجته العلمية سواء فى العيادات الخاصة أو الخارجية بالمستشفيات وكذلك العمليات الجراحية وان يكون هناك رقابة ومحاسبة من قبل وزارة الصحة للمخالفين . علاقة النقابة بينما يرى الدكتور حسام الدين عوض استشارى القلب أن النقابة لا علاقة لها بتحديد رسوم كشف الأطباء , فما يربط الطبيب بالنقابة هو اشتراك يدفع مرة واحدة للحصول على شهادة لفتح العيادة والاشتراك الآخر للمعاش أما عن تحديد قيمة رسوم الكشف فى العيادة الخاصة فهى مفتوحة , ولاتوجد جداول ملزمة للطبيب لا فى النقابة ولا فى الوزارة , ومن هنا حالة المرضى غير القادرين يرثى لها، فالمريض الفقير له الله ثم المستشفيات الحكومية حيث لا يوجد فيها سوى صغار الأطباء أو حديثى التخرج أو قليل من النواب الذين يدرسون ويحضرون الماجستير, فمن المفروض وجود الأساتذة والاستشاريين ولو يومين فى الأسبوع بالمستشفيات الحكومية وهذا قلما يحدث وإن حدث فهو لجذب المرضى إلى عياداتهم ومستشفياتهم الخاصة0 ويؤكد الدكتور حسام أن 90% من كبار الأطباء لا يذهبون إلى المستشفيات الحكومية و10% يذهبون فقط لتحضير الدكتوراه او لأنه غير معروف ليحصل على الشهرة والمرضى , و يناشد وزارة الصحة وليست النقابة بوضع قائمة ملزمة برسوم الفحص او الكشف داخل العيادات الخاصة كل حسب شهادته العلمية وتخصصه , فالوزارة هى المنوط بها تنفيذ القانون وإعطاء ترخيص مزاولة المهنة والمحافظة على أخلاقياتها . منظومة طبية ويشير الدكتور احمد الزين كبير المفتشين بوزارة الصحة الى عدم وجود تحديد رسوم لكشوفات الأطباء صغارا أو كبارا فهى غير محدده وحرة , وأنه رغم قيام الثورة فلم تتحقق العدالة بين الأطباء الذين انقسموا إلى فئتين : صغار حديثى التخرج المكتظة بهم المستشفيات الحكومية والمعاهد والمراكز الطبية المتخصصة الذين يسعون لاستكمال دراستهم والحصول على الدبلومة والماجستير والدكتوراه ولا يجدون قوت يومهم برواتبهم الضئيلة التى لا تكفى سد احتياجاتهم واستكمال دراستهم مما دفعهم إلى الإضراب والاحتجاج ، والفئة الأخرى كبار الأطباء الأثرياء الذين يقسمون وقتهم بين المستشفيات الاستثمارية والعيادات الخاصة فيكتفون بعدد محدود من المرضى بأسعار خيالية وكثير منهم يرفض التعاقد مع الشركات او المؤسسات لعلاج العاملين فيها 0 ويضيف كبير المفتشين ان وزارة الصحة تقدم وتعرض الخدمات الطبية بأسعار متفاوتة , ففيها العلاج المجانى وعلى نفقة الدولة والاقتصادى والتأمينى بالمستشفيات الحكومية والمعاهد والمراكز الطبية المتخصصة , وبها كبار الأطباء الاستشاريين ذوى الكفاءة والخبرة وكذلك العلاج الاستثمارى الخاص والسياحى ,وعلى المريض اختيار ما يناسبه حسب إمكاناته واستطاعته المادية وأن المرضى والأطباء يعانون من أزمات ومشكلات لا حصر لها رغم وجود 24 كلية طب يتخرج فيها نحو 12 ألف طبيب سنويا ولدينا كم لا حصر له من المستشفيات والمعاهد الطبية والمراكز ولكنها عبارة عن منشآت وجزر متباعدة لا تمت لبعضها بصلة لعدم وجود منظومة طبية فى مصر فلا يصح ان يكون الطب فى مصر منذ 7 آلاف سنه وقوانين وزارة الصحة منذ عام 1954لم تتطور , فمثلاً معاقبة الطبيب المخطئ بغرامة لا تقل عن 200 قرش ولا تزيد على 10 جنيهات فى عصر إلغاء التعامل بالقرش , والطبيب يحصل فى الكشف الواحد من 200 إلى 800 جنيه. كما أن الطبيب بالوزارة يعمل سنوات طويلة ويظل على نفس الدرجة حتى بلوغه سن المعاش دون اى منصب قيادى فمنصب المدير العام ووكيل الوزارة ورئيس القطاع يظل لمدة 40 سنة ويحرم أكثر من 100 طبيب من هذه المناصب مما يشعر الطبيب بالضيق والإحباط والقهر وبالتالى لا يعمل كما يجب رغم انه فى الدول المتقدمة مثل انجلترا لا يسمح للطبيب بالبقاء فى مكانه أكثر من عام حتى لا يشكل معارف وعصبيات وبالتالى يهمل فى عمله 0 ويستكمل الدكتور احمد قائلاً : لقد تقدمت لجميع وزراء الصحة السابقين بمشروع منظومة طبية متكاملة لتطوير الخدمات العلاجية بوزارة الصحة تقوم على أربع ركائز أساسية , وهذا المشروع لا يكلف الدولة ولا يثقل على ميزانية الوزارة , وإنما يعالج التفاوت الرهيب فى الأسعار ورسوم الكشف والعلاج بصفة عامة, كما يسهم المشروع فى حل مشكلة التخصصات النادرة على مستوى الجمهورية المتسببة فى ارتفاع أسعار كبار الأطباء لتخصصاتهم النادرة مثل المناعة والأشعة وغيرها ويراعى المشروع جميع تدرجات العلاج بوزارة الصحة مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة بما لا يتعارض مع ميزانية الوزارة إلا ان جميعهم لم يكلفوا أنفسهم ولو بالنظر وقراءة المشروع للرد أو لمناقشته وإنما متمسكون ومتشبثون بأسلوب التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الجديد وهو ذو تكلفة عالية جداً لا تستطيع الدولة تحملها , كما ان الكوادر غير موجودة لوجود مشكلة التخصصات النادرة الكثيرة .