صدرت فى الفترة الاخيرة عدة أحكام جنائية قضت فيها محاكم الجنايات بالاعدام على المتهمين فى هذه القضايا، وتسابقت جهات داخلية وخارجية للتعليق على هذه الاحكام ووصفها بأوصاف لا تليق بمحراب القضاء المصرى، بل والاغرب ما صدر من بعض الدول وجهات خارجية بوصف هذه الاحكام «بالمسيسة» وأنها السابقة الاولى فى تاريخ القضاء لصدور هذه الاحكام بالجملة. وتناسى الجميع إشتراك جميع هؤلاء المتهمين فى جريمة واحدة أقترنت بعدة جرائم أخرى، كما تناسى الجميع ايضا حقوق الضحايا فى هذه الجرائم الذين تم التنكيل بهم والتمثيل بجثثهم ، بل والاغرب ما صدر من قول «علشان» تلاتة أو أربعة ماتوا نعدم كل هؤلا « .. الخ رغم صدور الحكم من محكمة جنائية ومن قاض طبيعى فضلا عن أن الطعن وجوبيا فى مثل هذه الاحكام ، وفى هذا السياق يقول المستشار سمير أنيس نائب رئيس محكمة النقض أن أحكام الاعدام لاتصدر الا بعد أن يخلو القاضى الى نفسه وقلب الاوراق ويفحص الادلة ، وذلك لجسامة تلك العقوبة والتى سيقضى بها القاضى على المتهمين سيما وأن الذى يقبض الروح هو الله سبحانه وتعالى وأن القاضى فى هذا الموقف هو ظل الله على الارض فكيف له أن يتهاون فى تحديد الجرم والعقوبة ، والذى يمعن النظر فى نصوص القانون الخاصة بعقوبة الاعدام يتأكد بأن المشرع أحاطها بضمانات عدة وضوابط عديدة ومنها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 381 أ. ج . « بانه لايجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكما بالاعدام الا قوبة بأجماع أراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر حكما بالاعدام أن تاخذ رأى مفتى الجمهورية ، ويجب أرسال أوراق القضية اليه فأذا لم يصل رأيه الى المحكمة خلال العشرة أيام التالية من إرسال الاوراق اليه حكمت المحكمة فى الدعوى، والحكمة من هذا الاجراء هو توافر الاجماع قبل الحكم ، وذلك خلافا للاحكام الاخرى جنائية كانت أم مدنية فقد نصت المادة 169 من قانون المرافعات أنها تصدر بأغلبية أراء أعضاء المحكمة الا أن المشرع خرج على هذه القاعدة بالنسبة لعقوبة الاعدام مشترطا أجماع أراء أعضاء المحكمة مقدرا فى ذلك جسامة هذه العقوبة وعدم قابليتها للرجوع فيها متى أتضح خطأ القضاء بعد تنفيذها ومن ثم أحاط هذا الحكم بضمانات تقلل من أحتمالات الخطأ فى صدور عقوبة الاعدام باجماع الاراء . ويشير نائب رئيس محكمة النقض الى أن الضمانة الثانية لعقوبة الاعدام هى أخذ رأى فضيلة المفتى وإرسال الاوراق اليه قبل أصدار الحكم لكى يبدى رأيه خلال عشرة أيام من تاريخ ارسال أوراق القضية اليه، وهنا يبطل الحكم اذا اصدرته المحكمة دون أخذ رأى المفتى أو قبل إنقضاء المدة المقررة قانونا دون أنتظار رأيه ولكن إذا أرسلت الاوراق فلا تلتزم المحكمة بأنتظار رأيه أكثر من عشرة ايام وأذا لم يصل خلال تلك المدة كان للمحكمة أن تحكم فى الدعوى، ولا تتقيد المحكمة برأى المفتى فاذا خالفته لا تكون ملزمة بالرد عليه أو تفنيده بل ليس عليها أن تبين رأيه فى الحكم، والحكمة من هذا الاجراء حتى يكون القصاص مستوفيا لاحكام الشريعة الاسلامية ، وأن كان هذا الاجراء بعد أن اصبح رأى المفتى غير ملزم للمحكمة ، فقد أضحى إجراء شكليا محضا الا أنه لابد من اتباعه حتى يدخل فى ردع المتهم المحكوم عليه بالاعدام إطمئنانا الى أن الحكم الصادر بإعدامه أنما يجىء أيضا وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية ، الى جانب ما لهذا من وقع لدى الرأى العام ، وقد ألف هذا الاجراء طويلا فأستقرت فى آذهانه أن هذه العقوبة وأنها هى الهدف الذى أكدت عليه الآية الكريمة « ولكم فى القصاص حياة يأولى الالباب « .. الجدير بالذكر انه اذا ما قضت محكمة النقض بنقض الحكم واعادة المحاكمة من جديد ورأت محكمة الاعادة الحكم بالاعدام للمرة الثانية فعليها ايضا أن تتبع تلك الاجراءات مرة أخرى وهى أخذ رأى المفتى وإصدار الحكم باجماع الاراء وكل ذلك ضمانات قررها المشرع نظرا لجسامة عقوبة الاعدام. ويوضح المستشار سمير أنيس نائب رئيس محكمة النقض أن هناك ضمانات أخرى قررها المشرع لاحكام الاعدام ما نصت عليه المادة 46 من قانون حالات واجراءات الطعن بالنقض 57 لسنة 59 والتى تضمنت أنه إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الاعدام يجب على النيابة العامة ان تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة برأيها فى الحكم وذلك فى الميعاد المقرر قانونا « ستون يوما « وعلة النص أن المشرع يرى وجوب عرض الاحكام الصادرة حضوريا بالاعدام على محكمة النقض دون أن يتوقف ذلك على الطعن فيها من قبل أطراف الدعوى الجنائية ، وذلك لجسامة عقوبة الاعدام والحرص على أن يكون الحكم مطابقا للقانون والواقع ، بل تقوم النيابة بعرض الحكم على النقض حتى لو كان الحكم فى نظرها لايطعن عليه، ومن الضمانات أيضا أن عرض النيابة للقضية حتى لو تجاوزت الميعاد المقرر « ستون يوما « إذ أنه ميعاد تنظيمى يستهدف التعجيل بالعرض، وحتى لو لم تقدم النيابة مذكرة برأيها أو قدمتها بعد الميعاد فأن المحكمة تمارس رقابتها على الحكم. النقض تراقب أحكام الاعدام شكلا وموضوعا فى أحكام الاعدام الحضورية فأنها ذات طبيعة خاصة تقتضى اعمال رقابة المحكمة على عناصر الحكم كافة الموضوعية أو الشكلية، وتقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم فى آية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان ولو من تلقاء نفسها غير مقيدة فى ذلك بحدود أوجه الطعن أو مبنى الرأى الذى تعرض به النيابة العامة تلك الأخطأ، ولمحكمة النقض فحص أوراق الدعوى منذ بدايتها ومراجعة فى ذلك محاضر جلسات محكمة الجنايات وما بها من تقاريرطبية ومعاينات وأقوال الشهود وفحص الادلة وجميع ما حوته الاوراق ، أى أن وظيفة محكمة النقض بشأن الأحكام الصادرة بالأعدام ذات طبيعة خاصة تقتضيها أعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة سواء كانت موضوعية أو شكلية وتقضى من تلقاء نفسها. بنقض الحكم فى آية حالة من حالات الخطا فى القانون أو البطلان، ناهيك عن ضمانة أخرى هكذا يقول نائب رئيس محكمة النقض وهى متى صار الحكم نهائيا وباتا وجب رفع أوراق الدعوى الى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل وينفذ الحكم أذا لم يصدر الامر بالعفو أو ابدال العقوبة فى ظرف 14 يوما، فضلا عن أن الحكم الغيابى الصادر بالاعدام لايقبل الطعن بالنقض من المحكوم عليه لانه حكم تهديدى قابل للالغاء أو التعديل أو التأييد فى حالة إعادة الاجراءات إذا تم القبض على المتهم أو سلم نفسه، وأخيرا بعد كل هذه الضمانات والضوابط يتشدق البعض بالقول أن الاحكام الصادرة" مسيسة " مما يعطى الفرصة للاخرين فى الداخل والخارج بالتقول على قضاء مصر الشامخ والنزيه.