المصريون على قلب رجل واحد ينتظرون بلهفة قدوم الرئيس الجديد واستقراره فى قصر الاتحادية، حتى يفك عقد أزماتنا ومتاعبنا المتكاثرة على كل الاتجاهات، ويرشدنا إلى طريق حلها وفقا لجدول زمنى محدد بالثانية والدقيقة. وبالتأكيد فإن المرشحين المتنافسين عبد الفتاح السيسى وحمدين صباحى يدركان هذه الحقيقة، ويحاولان طمأنة الناس وإقناعهم بقدرتهما على تحقيق احلام وتطلعات الكادحين فى غد أفضل، وبناء مجتمع يعلى من قدر وشأن العدالة الاجتماعية، وصون كرامة المواطن الذى شارك فى ثورتين لبلوغ هذه الغاية العزيزة. والقضية المهمة هنا تتركز فى أن السيسى ومعه صباحى مطالبان بتقديم نموذج راق من المنافسة السياسية، وارساء قواعد يُحتذى بها فى الانتخابات البرلمانية المقبلة وما سيليها من استحقاقات مستقبلية. فالعقلية الحاكمة لحملات المرشحين الانتخابية لابد أن تنصب على توصيل رسالة للجماهير مضمونها أنهما يسعيان لبيان وشرح برنامجيهما بكل ما فيهما من جوانب تهم المواطنين الذين يبحثون عن خطوات عملية تعالج مشكلاتهم، وليس شعارات رنانة تدغدغ مشاعرهم، وأن يشتمل البرنامجان على آليات للتنفيذ وإلى جوارها المحاسبة السياسية جزاء لعدم الوفاء بالتعهدات والوعود فى التوقيتات المحددة. فليس مطلوبا من الحملتين تبادل التراشق حول المثالب والعيوب لدى الطرف الآخر، أو التفتيش فى النوايا والضمائر، فواجبهما الوطنى يفرض عليهما خوض مباراة نظيفة تماما من جهة احترام وتقديس القانون، إذ لا يعقل أن ينتهك الساعى للجلوس على المقعد الرئاسى القوانين المفترض بديهيا أن يكون حارسا يقظا أمينا عليها وعلى تطبيقها بعدل، ولسنا فى حاجة للتذكير بأن أبرز سمات، أو قل سوءات عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك هى تغييب دولة القانون، والاستعانة بخدمات ترزية القوانين غير الجليلة، من أجل صياغتها بشكل يفتح ثغرات فيها يتمكن عبرها المرضى عنهم من النظام من النفاذ منها عند وقوعهم تحت طائلتها، والنماذج كثيرة ومعروفة للجميع. الأمر الثانى الواجب على المرشحين ادراكه يتصل بما إذا كانا يرغبان فى تأسيس تجربتنا السياسية الخاصة، أو تقليد بعض تجارب الدول الغربية بما تتضمنه من جزئيات قابلة للتطبيق فى مجتمعات استقرت سياسيا، ولديها ما يكفى من الثقة لاختيار وافد جديد على الساحة السياسية فى اعتقادى الشخصى أنه يجب تكوين تجربتنا الخاصة الملائمة لظروفنا وطبيعة مجتمعنا. فالمجتمع المصرى ليس مستعدا بعد للنسخة الغربية من العمل السياسى، وهذا ليس عيبا يُشعرنا بالخجل والعار، حتى فى ظل زيادة الادراك العام بالقضايا السياسية بعد ثورتى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، فالوعى السياسى فى حدوده الدنيا لا يزال محصورا فى شريحة صغيرة من النشطاء والمثقفين وبعض المنضوين تحت لواء الطبقة المتوسطة، ناهيك عن فشل من نلقبهم بالقوى السياسية والثورية فى الوصول لقلب وعقل المواطن البسيط المهموم بقوت يومه أكثر من العمل السياسى ومفرداته. فعلى سبيل المثال لن يكون منطقيا الأخذ بخاصية المناظرات، فهذه خطوة مبكرة على الأقل فى هذه المرحلة سيقال إنها كانت حاضرة فى الانتخابات الرئاسية الماضية، هذا صحيح، لكنها استغلت فى كشف العورات أكثر من قراءة عقل وخطط المرشح الواقف أمام خصمه، وإن أعدنا الكرة فسوف تفقد مغزاها وتأثيرها. ثم إن العمل السياسى بمفهومه الغربى يعتمد بالأساس على قاعدة أنه لعبة غير نظيفة ولا مانع ولا غضاضة من استغلال كل الأوراق مهما تكن منحطة وغير أخلاقية، ونحن نحتاج لترسيخ مبادئ متحضرة تتعلم منها الأجيال الشابة التى تريد مغادرة شرنقة الكسل والسلبية، وأن يتضاعف لديها الأمل والطموح فى تولى أرفع المناصب فى هذا البلد فى سن صغيرة، وليس فى أرذل العمر مثلما تابعنا فى العهود السابقة. الأمر الثالث أن تكون لقاءات وتفاهمات الحملتين مع الأطراف السياسية والدينية مكشوفة ومعلنة وليس خلف الأبواب المغلقة توخيا لمبدأ الشفافية والمكاشفة، خصوصا أن الايام القليلة المتبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية سوف تشهد، بخلاف العمليات الإرهابية، محاولات مكثفة من قبل جماعة الإخوان الإرهابية لعرقلتها بكل السبل الممكنة وغير الممكنة، وستكون الشائعات من بين الأدوات التى ستلجأ إليها بكثافة ، فتلك الجماعة محترفة تسميم الجو العام بالشائعات وأحاديث الفتنة وشق الصف. وبلا جدال فإن السيسى سيكون صاحب النصيب الأوفر من الشائعات والتشكيك فيما يعلنه من مواقف، ولذا فإنه وصباحى مدعوان للانتباه واليقظة لهذا الجانب، فالإخوان كعادتهم سيحاولون دفع صباحى للانسحاب من السباق الرئاسى لكى تقول للعالم الخارجى إن الديمقراطية عصية على التحقق فى مصر، والايهام بأن ما جرى فيها يعد انقلابا وليس ثورة شعبية أزاحتهم من السلطة بعدما تيقن المصريون من أن بقاءهم فيها سيدفع بالبلد لكوارث لا يعلم سوى الله عز وجل خسائرها ومآسيها. إن مرشحى الرئاسة الآن تحت نظر التاريخ والمصريين، وعليهما تدبر ما سوف يُسطر فى كتب التاريخ عن تنافسهما، فهما فى منافسة لأجل عيون ومستقبل الوطن وتماسكه وليس مزايا ووجاهة الرئاسة التى لم تعد مغنما كما كانت حتى عهد قريب، فالمسئولية كبيرة وعليهما تحملها بشجاعة. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي