يبدو ان الفوضى العارمة التى اجتاحت عددا من الدول العربية على مدى ثلاث سنوات والتى كانت مصدر اعجاب الغرب وثنائه، لدرجة وصفه اياها بالربيع العربى،لم تعد اليوم تلقى هوى لدى هذه الدول، بعد ان اثمرت ارهابا يهدد القاصى والدانى، على حد سواء. فقد بدأت هذه الدول تتنبه إلى خطورة هؤلاء المقاتلين، وهو ما جعل «جيل دى كيرشوف», منسق الاتحاد الأوروبى لشئون مكافحة الإرهاب، يحذر أخيرا أن جميع التقارير الواردة لديه تثبت أن التهديدات الإرهابية المقبلة على يد المقاتلين الأجانب العائدين إلى الديار ستكون أكثر تنوعا وانتشارا وبتمويلات هائلة وخطط لا يمكن التنبؤ بها. يضربون الجمعيات الخيرية فى مقتل لندن عامر سلطان وجد البريطانيون سببا آخر لإعادة النظر فى آثار الربيع العربى ليس فقط على أمنهم بل على أفكار باتت جزءا من ثقافتهم وحياتهم أيضا.اختبر البريطانيون الإرهاب والتطرف، أحد الآثار الجانبية للتغييرات الدرامية فى بعض دول الربيع العربي. وتؤكد هيئة الجمعيات الخيرية البريطانية، المسئول الأول عن مراقبة العمل الخيرى فى بريطانيا أن العمل الخيرى مهدد بسبب «التطرف الإسلامي». وترى الهيئة أن هذا التهديد خطير لدرجة أن رئيسها، ويليام شوكروس، وجه بنفسه التحذير. أنا متأكد أنه فى أماكن مثل سوريا والصومال، من الصعب للغاية على الجمعيات الخيرية دائما أن تعرف ما هى طبيعة الاستخدام النهائى للمعونات التى تقدمها، لكنه يجب عليها أن تلزم الحذر بشكل خاص، يقول شوكروس. وليكمل الصورة كما يراها هو ومجلس إدارة الهيئة، يضيف قائلا مشكلة التطرف ليست المشكلة الأوسع انتشارا التى نواجهها من حيث سوء استغلال (تبرعات ومعونات) الجمعيات الخيرية، لكنها من المحتمل أن تكون أكثرها فتكا. وهى، للأسف، تتنامى. أخبار "الجهاد" فى سوريا، أعطت شوكروس مبررا لتنبيه الناس إلى «خطر التطرف الإسلامي». فثقة المتبرعين اهتزت بعد التأكد من وجود مقاتلين بريطانيين مسلمين فى صفوف الجماعات المسلحة الإسلامية المتطرفة المعارضة للنظام السوري. وترددت تقارير عن احتمال أن يكون بعض هؤلاء، على الأٌقل، اتخذوا قوافل الإغاثة التى تنظمها جمعيات خيرية إسلامية مسجلة فى بريطانيا وسيلة للذهاب إلى سوريا «للجهاد». وتقول الشرطة البريطانية إنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالى، جرى اعتقال 40 شخصا فى قضايا لها علاقة بسوريا (مقابل 25 فقط فى نفس الفترة العام الماضي). وبنفسها، تتحدث هيلين بول، إحدى قيادات إدارة مكافحة الإرهاب عن تشجيع «الجهاديين الشبان البريطانيين المسلمين» على السفر للجهاد فى سوريا. ووجد شوكروس فى ذلك مبررا لتعيين بيتر كلارك، رئيس إدارة مكافحة الإرهاب والمنسق العام لتحقيقات الإرهاب بوزارة الداخلية سابقا عضوا فى مجلس إدارة هيئة الجمعيات الخيرية. ولم تقدم الهيئة، حتى الآن، أدلة على ضلوع منظمة محددة فى مثل هذه الانشطة رغم إعلان رئيسها أن هناك تحقيقات مع عدد من الجمعيات ومراقبة لسبع أخريات لها نشاط فى جمع التبرعات لسوريا. والجمعيات الخاضعة للتحقيق هى «خدام المهدى» لأنها تجمع تبرعات رغم حلها عام 2012، و «الفاتحة العالمية»، بسبب وجود قلق حقيقى جاد من طريقة إدارتها. وقالت متحدثة باسم الهيئة ل «الأهرام» إن تحقيقاتها القانونية الجادة لاتزال جارية فى مخاوف أثيرت بشأن جهود منظمتى «أيد كونفوي» ( قافلة الإغاثة) و«سيريا أيد» (إغاثة سوريا). والهيئة هى جهة حكومية مستقلة مسئولة أمام البرلمان فقط، تتمتع بصلاحيات قانونية وقضائية تماثل صلاحيات المحكمة العليا تشمل تجميد الحسابات وتقييد عمل أى جمعية.ووفقا للتقديرات فان هناك 160 ألفا و80 جمعية تعمل فى العمل الخيرى الذى يبلغ حجمه 62 مليار جنيه استرلينى ويوفر الآلاف من فرص العمل. وقد أصرت الهيئة ذات السمعة العالمية الراسخة، على الالتزام بالقانون دون الاستسلام للهلع الأمنى والاندفاع إلى إجراءات متسرعة ضد أى منظمات خيرية من غير أدلة. وتابعت عملها كالمعتاد، وهو التحقق أولا من جدية أى معلومات أولية تثير الشك فى أى جمعية، ثم إجراء تحريات أولية منها الاتصال بالجمعية وتدقيق سجلاتها جيدا، ولو استدعى الامر، فتحت تحقيقا قانونيا رسميا. ولهذا فإن الهيئة تؤكد ل «الأهرام» أنها رغم التزامها باحترام حق الناس فى المعرفة وأنه من المصلحة العامة كشف المنظمات المخالفة للقانون، فإنها لا تستطيع أن تعلن عن أسماء المنظمات الخاضعة للمراقبة والتحريات الأولية، وذلك احتراما للقانون، ومنعا لإثارة مخاوف دون أدلة قاطعة حتى لا تتأثر ثقة الناس فى العمل الخيرى. وباشرت الهئية حملة توعية للمتبرعين خاصة للجمعيات العاملة فى سوريا. وشملت الحملة ورش عمل بإشرافها يشارك فيها الجمهور وممثلو الجمعيات الخيرية التى ترسل معونات أو أموالا إلى سوريا أو الدول المجاورة لها. ووجدت الهيئة، المسئول الأول عن تنظيم ومراقبة الأعمال الخيرية فى المملكة المتحدة، فى قلب مشروع وطنى بريطانى لمكافحة الإرهاب الذى يطل برأسه من سوريا. وشكلت أجهزة مكافحة الإرهاب والهيئة فرق عمل انتشرت فى أنحاء بريطانيا لتوعية المسلمين، وخاصة الأمهات، بخطورة السكوت عن سفر الابناء إلى سوريا. وتوزع الهيئة دليلا يرشد المسلمين، وغيرهم، إلى أفضل وسائل المساهمة فى إغاثة المحتاجين فى سوريا تضمن ألا تصل أموال الخير إلى الأيادى الخطأ التى تصنع الإرهابيين. وينصح الدليل بالتحقق من سمعة وسجل أى جمعية خيرية تجمع التبرعات باسم حملة إغاثة سوريا، والاتصال بالهيئة أو وحدة الاحتيال المالى فى حالة الشك. وفى هذا المناخ، زاد نشاط جمعيات خيرية غير إسلامية مثل الصليب الأحمر البريطانى الذى شرع فى توزيع نداءات مكتوبة مرفقة بالصحف اليومية تطلب التبرع بسخاء لمساعدة المدنيين السوريين... ..وتشريعات جديدة بسحب الجنسية فى انتظارهم شريف الغمرى أمام اتساع الأعمال الإرهابية فى العالم وظهور أدلة على وجود تنسيق بين مختلف المنظمات الإرهابية التى زادت أعدادها فى الفترة الأخيرة، فإن دولا غربية وخاصة بريطانيا, بدأت تشعر أن عليها اللجوء إلى استعدادات أمنية مكثفة لمواجهة مخاطر عودة مواطنيها ممن يطلقون على أنفسهم "الجهاديين" المشاركين فى مختلف مناطق الصراع وأبرزها سوريا والذين أكدت التقارير المخابراتية الأخيرة أنهم يخططون لشن هجمات إرهابية على أراضيها بمجرد عودتهم. أصبح من الواضح أن مكافحة الإرهاب بالوسائل التقليدية خاصة القبض على الإرهابيين وتقديمهم للمحاكمة لم يعد كافيا لردعهم، وهو على الأرجح ما دعا تيريزا ماى وزيرة الداخلية البريطانية من الإعلان عن سحب الجنسية من مواطنيها العائدين من القتال فى سوريا, وهو ما اعتبره العديد من الصحف البريطانية سلاحا سريا لمنع دخولهم الأراضى البريطانية ، ليتحولوا إلى مطاريد لا يجدوا دولة تقبل إيواءهم, وهو فى حد ذاته خطر داهم على الأمن الدولي. جدير بالذكر هنا ان هؤلاء "البريطانيين" الذين تحولوا إلى "مطاريد" كانوا قد منحوا بالأساس من الحكومة البريطانية الضوء الأخضر بالتوجه إلى سوريا عندما كانت تؤيد تسليح المعارضة السورية قبل عامين. كانت ماى قد أعلنت منذ أيام فى بيان خاص بإستراتيجية مكافحة الإرهاب أمام مجلس العموم البريطانى, ان بلادها تواجه خطرا غير مسبوق, على يد المئات من المتطرفين البريطانيين الذين انضموا الى الجماعات التابعة للقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية فى سوريا, وانهم يخططون للمشاركة فى هجمات ضد بريطانيا, واعترفت أن صلاحيات حرمان مواطنين بريطانيين من الجنسية لمنعهم من السفر إلى الخارج قد استخدمت 14 مرة منذ ابريل من العام الماضي. وكانت صحيفة الاندبندنت البريطانية قد نشرت فى أواخر العام الماضى, أن وزيرة الداخلية قد أصدرت قرارات بسحب الجنسية عن 37 بريطانيا يحملون جنسيات أجنبية أخري, وأنها تتخذ حاليا إجراءات قانونية بشكل سرى لسحبها من عدد كبير آخر لمنعهم من العودة إلى الديار بهدف تقييد قدرتهم على الاستئناف قضائيا ضد إجراءات سحب الجنسية. ومن جهة أخرى فقد أكدت سو هيمينج, رئيسة قسم مكافحة الإرهاب فى النيابة العامة البريطانية, أن المشاركين من البريطانيين فى القتال فى دول أجنبية والذين يقدرون ب700 بريطانى فى سوريا وحدها, سيواجهون عند عودتهم اتهامات بالمشاركة فى معسكرات للتدريب ومحاكمات فى قضايا بالإرهاب, أما من هم يعتزمون حاليا المشاركة فى القتال فى الخارج داخل بريطانيا ومن تثبت عليهم تهم نيتهم المشاركة فى السفر للقتال فسوف يقدمون للمحاكمة حسب القانون البريطانى الذى يجرم القتال فى بلد أجنبى, حسب المادة 5 من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2006 والتى تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة.القانون فى الدول الديمقراطية كبريطانيا له قيوده الصارمة فيما يخص حقوق المواطنة، لكن يبدو جليا أن عددا من الحكومات الغربية تجد نفسها مضطرة للبحث عن مخارج قانونية للإفلات من هذه الحقوق فى التعامل مع إرهابيين يحملون جنسيتها ويرتكبون جرائم حرب فى صراعات خارجية تؤدى فى نهاية المطاف إلى الإضرار بمصالحها. فى الوقت الحاضر تشعر حكومة ديفيد كاميرون بالكثير من القلق حيال سفر بريطانيين من أصول إسلامية إلى سوريا، وتعتقد المخابرات البريطانية بأنهم سوف يقومون بعد عودتهم إلى بريطانيا بأعمال إرهابية داخل بلادهم، ولهذا فإن حكومة كاميرون ضغطت لإجراء مناقشة فى مجلس اللوردات، والتى تمت بالفعل خلال شهر أبريل الحالى، من أجل إعطاء الحكومة قدرة إضافية على المرونة فى استخدام سلطاتها فى التصرف بشدة وحزم تجاه من يشتبه فيهم كإرهابيين ومنعهم من دخول بريطانيا عقب عودتهم. وكان مجلس العموم قد بدأ فى أواخر شهر يناير الماضى فى مناقشة إجراء تعديل على قانون سلطات الحكومة فى هذا الشأن، ووافق المجلس على تعديل قانون الهجرة من خلال سحب الجنسية ممن يثبت تورطه فى أعمال إرهابية، وكانت نتيجة التصويت 297 صوتوا بنعم على تعديل القانون مقابل 34 صوتوا بلا، ثم جرى استكمال ذلك بالمناقشة التى جرت فى مجلس اللوردات، حتى يصدر بذلك قانون من البرلمان البريطانى بمجلسيه، العموم واللوردات، يشدد من قدرة الحكومة على مكافحة الإرهاب.