كشفت مؤشرات محرك البحث ( جوجل) على شبكة الانترنت عن أن مشاهد فيلم (حلاوة روح)، ومقاطع الفيديو الخاصة بواقعة مدرب المحلة المنظورة أمام القضاء، تصدرت اهتمامات المصريين خلال الأسبوع الماضي. وأثبتت الإحصائيات أن قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء بوقف عرض الفيلم دفع الملايين فى مصر والدول العربية إلى البحث عن المقاطع الإباحية التى تضمنها الفيلم . العلماء يؤكدون أن الأزمة الأخلاقية المتفشية فى المجتمع ومحاولة الهروب من الواقع السياسى والشعور بالنقص والتنفيس عن الذات هى أبرز أسباب البحث عن المواقع الإباحية على شبكة الانترنت والتفتيش فى عورات الناس والنيل من سمعة الآخرين، وطالبوا بفرض المزيد من الرقابة على تلك المواقع. وأكد علماء الدين، أن الغيبة وتتبع عورات الناس والمجاهرة بالمعاصي، إثم كبير، وأن الأصل فى الإسلام العفو والستر، بل إن توجيهات الإسلام جاءت حاسمةٌ فى صيانة حرمات الناس الخاصة، وتحريم التجسس عليهم، وتحريم تتبع عوراتهم. ويقول الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن الإسلام وضع كثيرا من المبادئ والأسس التى من خلالها تُصان المشاعر وتراعى الأحاسيس، ولقد ضرب النبي، صلى الله عليه وسلم، أروع الأمثلة فى حسن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم, وروت لنا كتب السنة والسيرة نماذج رائعة فى ذلك منها أحاديث فى النهى عن الغيبة وسوء الظن، وحذر المسلمين من الغيبة والإساءة للآخرين وارتكاب المعاصى والذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء). فالغيبة أمر محرم نهى الله تعالى عنه فى كتابه، حيث قال تعالي: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة بقوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته). ودعانا الشارع الحكيم إلى التجاوز عن العورات, وجعل ذلك من الأخلاقيات الطيبة التى ينبغى أن يتحلى بها المسلم, فالله تعالى لا يحب أن يجاهر الإنسان بكلام السوء ولا بإشاعة السوء, قال تعالى : «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا. إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا»، والتفتيش عن عيوب الناس وتتبع عوراتهم وسوء الظن بهم ليس من أخلاقيات المؤمن ,قال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ». وأضاف: أن ظاهرة ارتياد المواقع الإباحية وتتبع عورات الناس من الابتلاءات والمصائب العامة التى ابتلى بها التقدم العلمى الحديث الذى يتباهى به الناس فى عصر ما يسمى التنوير والتقدم وهو انحطاط بالقيم والأخلاق، وسبب انشقاقا خطيرا ودمر بيوتا وافسد أسرا وطلق زوجات من أزواجهن. وأوضح، أن علاج هذه الظاهرة لا يتوقف على علماء الدين فقط، بل الدعاة والكتاب والمفكرون ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، ولابد أن تسهم الدولة فى التصدى لهذه الإباحية المدمرة للقيم والمجتمعات، وذلك بحجب المواقع الإباحية، ولابد لكل إنسان أن يكون عنده ضمير دينى يمنعه أو يكفه عن ممارسة هذه الأفعال المشينة. من جانبه، يؤكد الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن الدين الإسلامى يحرص فى المقام الأول على تقوية الوازع الدينى حتى يستخدمه الإنسان كرادع فى مواجهة أى مخالفة الشرعية، وهو ما يعرف بمبدأ سد الذرائع وهو المصدر التشريعى فى الإسلام الذى يعمل على إغلاق أبواب المعصية أو كل ما يؤدى إليها، وذلك يتم من خلال طريقين، الأول : وهو الإصلاح الذاتى للإنسان بأن يقوم بهذا بنفسه ولنفسه، ويتمثل ذلك فى قوله تعالي: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَي)، و(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، فإذا فهم الإنسان الحرام والحلال وما يطلب منه أن يتجنبه، وان يغلق معه أبواب الشياطين، فيجب على الإنسان تنفيذ ذلك، ويتحقق هذا بملء فراغه بالعمل والعبادة وأن يجعل الله دائما نصب عينيه، ويتمثل ذلك فى نصيحة النبي، صلى الله عليه وسلم، التى وردت فى قوله: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وإذا صدق الإنسان مع ربه فى هذه التعاليم فلن يحتاج إلى رقيب دنيوى لأنه يعلم ومتيقن أن الله يراقبه قبل أى إنسان آخر. فرض الرقابة المشددة وأضاف: أن الطريق الثانى هو أن تتحكم الدول بقدر ما تستطيع فى نوعية البرامج الإعلامية والدرامية التى تقدم للمجتمع، والتوقف عن منح التراخيص للقنوات شبه الإباحية على أقمارها الصناعية، وحظر استخدام الألفاظ الفاحشة أو المشاهد المثيرة وإساءة الأخلاق فى التعامل بين أفراد الأسرة وفى المدرسة ونحوها، وإذا كانت الدولة لا تستطيع أن تسيطر على الفضاء الخارجى الإعلامي، فانه يجب عليها العمل على الحفاظ على الأخلاق العامة والشباب ، وفرض الرقابة المشددة على مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، لوقف هذا السيل الجارف من الإباحية التى تعصف بأخلاق المجتمع والمواقع المثيرة التى دفعت الناس للجرأة، ونتج عنها هذه الأمور التى أثارت المجتمع، كهذا الفيلم الذى اضطرت الحكومة لوقف عرضه والى لجوء بعض ضعاف النفوس إلى أفعال الشياطين كقيام بعض ضعفاء النفوس بصنع مادة فيلمية لمناظر إباحية. وينبغى أن نرد على من يدعون بأن مصادرة مثل هذه الأعمال هو نوع من قمع الحريات أو مصادرة حرية الإبداع، فنقول لهم : أى إبداع وأى حريات يتجاهلان الهوية الدينية بالمجتمع وينزلان بسقف الأخلاق لهذا المستوى الوضيع إلا إذا كان المراد أن نعود لحياة الغابة والتخلف وإهانة الجسد البشرى الذى كرمه الله عز وجل. وناشد الدعاة والمؤسسات الدينية والإعلامية، بأن تعظم شأن الإنسان وسد الباب أمام هذه الفتنة. الجهر بالفواحش ..حرام وفى سياق متصل شدد الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، على أن الإسلام يحرم الجهر بالفواحش، أو أن يساعد الإنسان على شيوع الفاحشة أو انتشارها بين الناس بأى صورة من الصور، وتوعد الله سبحانه وتعالى من يفعل ذلك بالعذاب الأليم فى الدنيا والآخرة، قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). وكلمة (يحبون) تفيد العموم فكل من أحب أن تشيع الفواحش فى المجتمع أو ساعد على انتشارها بأى وجه من الوجوه توعده الله سبحانه وتعالى فى هذه الآية الكريمة بالعذاب الأليم فى الدنيا، ويقول المفسرون أى ما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى والسرطان، وهذا ما شاهدناه من كثير ممن فعلوا ذلك ممن ماتوا وممن هم على قيد الحياة الآن، ثم بعد ذلك بعذاب الآخرة، وهذه الآية جاءت لردع كل من تسول له نفسه فى أن ينشر الفواحش أو الصور العارية بأى وجه من الوجوه. وأوضح الدكتور مختار مرزوق، أن الإسلام يحث على الستر على الآخرين وعدم فضحهم ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة ) كما أن الإسلام جعل الستر على الآخرين وعدم فضحهم كمن أحيا الموءودة، قال النبى ، صلى الله عليه وسلم: (من ستر على مؤمن عورته فكأنما أحيا موءودة)، والموءودة هى التى تدفن وهى على قيد الحياة. كما أن الرسول يبشر من ستر عورات الناس بأن الله سبحانه وتعالى يستر عليه وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه ببيته)، وقال الرسول أيضا: ( كل أمتى معافى إلا المجاهرون) ومن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. ونقول للذين يشيعون الفاحشة فى المجتمع أو ينشرون الرذيلة بأى وجه من الوجوه إنكم على خطر عظيم وتأتون كبيرة من أعظم الكبائر لا ينفع معها أن يفسد الإنسان مثل هذا الفساد ثم بعد ذلك يزعم انه يحافظ على الصلاة أو انه يذهب إلى عمرة أو حج وقد غفر الله له ما تقدم وما تأخر ولابد أن يعلم هؤلاء الناس أن حقوق العباد وان فضائح الناس لا يغفرها صلاة أو صيام ولا حج وإنما هى ذنوب مؤجلة حتى يقتص الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المظلومين.