كيف تتحصل الرعية على الراعى العادل؟ ذلك الحلم الذى يعيش فيه كل مصرى الآن، بل هو حلم كل إنسان فى هذا العالم، ومضرب الأمثال فى العدل على مر التاريخ هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى شهد له الأعداء قبل الأصدقاء، فقال عنه رسول كسرى: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت ياعمر".. فكيف يمكن أن يكون حاكمنا كعمر؟ الذى لا شك فيه أن الحاكم الظالم ليس ظلما من الله لعباده، فقد قال تعالي: }وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ{(فصلت -46) لكن الحاكم الظالم هو نتاج أعمال الرعية، فقد قال جل شأنه: }ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس{(الروم -41)، فإن الرعية الفاسدة يسلط اللّه عليها حاكماً فاسداً.. والرعية الصالحة يرسل اللّه لها حاكماً صالحاً، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة" :وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم،فإن استقاموا استقامت ملوكهم وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم". والسنة فى التغيير هى أن يبدأ المرء بنفسه، فقد قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{(الرعد -11)، فإن التغيير إنما يأتى من أنفسنا، وعلينا أن نبدأ بإصلاح النفس وإصلاح المجتمع، وهذا ما أغفله البعض خلال السنوات الماضية، فقد تغاضى الكثيرون عن سوءات أنفسهم، وعمدوا إلى تغيير ما يرونه من سوءات الغير، وسلكوا فى ذلك كل السبل التى تمكنوا منها، دون أن يلتفت أى منا إلى نفسه ولو للحظة واحدة ليرى السبب الرئيس الذى جعلنا نصل إلى ما نمر به من محن وفتن.. وقد جاء في "سراج الملوك" لأبي بكر الطرطوشي أن عبيدة السلماني قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما، ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟ فقال: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك". وقديما قال الخليفة عبد الملك بن مروان: ما أنصفتمونا يا معشر الرعية! تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما؟ فلو أردنا حاكما عادلا كعمر.. فعلينا أولا أن نكون كرعية عمر. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى