منذ زمن بعيد والأزهر يلعب دوراً مهماً فى حياتنا الثقافية.. إذ حمّل الشعب على مدى سنوات التاريخ المتعاقبة شيوخ الأزهر مسئوليات كبيرة نابعة من ثقته فيهم. وكيف لا، وشيوخ الأزهر كانوا الناطقين باسم مصالح الشعب المصرى فى مواجهة الولاة العثمانيين، ولا ننسى كذلك أنهم الذين فرضوا باسم الشعب المصرى محمد على والياً على مصر ضد رغبة السلطان العثماني. فأى دور عظيم هذا الذى لعبه الأزهر فى حياة المصريين؟ وحين هبت تحديات الحداثة، كان الأزهر منتجاً لرؤية دينية تسمح بقبول مقتضيات العصر الحديث لدى الشعب المصري، كما أن الأزهر كان دائماً حريصاً على تقوية النسيج الوطنى والتعايش السلمى بين أبناء الوطن، ولم يلجأ يوما إلى تحريض قطاع من السكان ضد قطاع آخر. ولم يكن الأزهر فى الحقيقة فى مواقفه هذه مقصوراً فى تأثيره على الشعب المصرى وحده، إذ إنه كان دائماً ينتج للعالم الإسلامى كله ثقافة دينية وسطية ومستنيرة، حتى أن الدول غير الإسلامية أدركت أنه المؤسسة ذات المكانة الأعلى فى العالم الإسلامي. كان الأزهر يرشد الناس برفق وتفهم، إذ أنه أيقن منذ البداية أن الدور الذى يقع على عاتقه مهم وحيوى لتطوير التاريخ، لم يكن يصدر على سبيل المثال الفتاوى التى تحرم الموسيقى والغناء والفن عموماً، أو يمنع تعليم البنات او تهنئة الأقباط فى أعيادهم، وكان يتعامل مع وسائل الإعلام الحديثة مثل الإذاعة والتليفزيون بما يتيح للشعب المصرى التجاوب مع الحداثة ومقتضياتها ويظل فى الوقت نفسه مسلماً صالحاً. ولما كانت هذه الفتاوى تطغى على مناخنا الثقافي، كان الناس يتساءلون كلما زاد اللغط، واختلطت الأمور مع بعضها البعض وصار كل من هب ودب يأتى إلينا بفتوى ما : أين الأزهر؟ ما رأى الأزهر؟ العيون تتجه صوبه.. والآمال تعلق عليه فى أن يسهم فى عودة الثراء الثقافى المتنوع والمتعدد فى مصر. والأزهر فى الحقيقة ليس هو المنتج الوحيد للثقافة المصرية، لكنه يعد واحداً من أهم تجلياتها، وهو فى هذا يؤدى دوره بكفاءة واقتدار، حينما يكون هادياً للناس وليس وصياً عليهم، ومن هنا فالمجتمع الحديث يقبل أن يكون للأزهر رأى فى كل منتجات الثقافة، لكنه يضيق بهذا الدور حينما يتحول إلى مؤسسة للمصادرة. والظروف التى تعيشها مصر هذه الأيام تستدعى منا لتوطيد دعائم السلام الاجتماعى والتحول الديمقراطى مواجهة جذرية للفكر التكفيرى والفتاوى التى تزرع الشقاق بين عناصر الأمة المختلفة، وهذا ما يجعل للأزهر دوراً أساسياً فى المرحلة المقبلة. وهذا الدور لن يقوم به الأزهر وحده، ولكن ينبغى أن تشارك فيه مؤسسات أخرى عديدة كالمؤسسات الثقافية والإعلامية والمدارس والجامعات، من أجل نشر ثقافة عقلانية وحداثية. فهل يتأتى ذلك بفتح أبواب الثقافة والفكر المختلفة أم بصدها والرقابة عليها؟ ولأن الأزهر هو أحد عناصر القوى الناعمة التى تعطى لمصر وزناً استراتيجياً مؤثراً إلى جوار القوى الناعمة الأخرى مثل الفكر والأدب والسينما، فإن خبراتنا التاريخية تقول لنا إنه لم يكن هناك تناقض بين عناصر القوى الناعمة هذه، بل كانت تسير معاً، جنباً إلى جنب من أجل دعم مكانة مصر بين دول العالم.