الزمان مايو 1889 .. والمكان ميناء بورسعيد .. والحديث عن الفحامين، الذين شكلوا الطائفة الأهم فى بورسعيد بحكم المهنة التى استمر الميناء يقوم بها، بتموين السفن العابرة لقناة السويس، وكانت فى أغلبها بخارية تعتمد على الفحم فى تسييرها. ففى مقال كتبه محمد بيوض على موقع "تاريخ بورسعيد"، أشار الى تقرير نشرته جريدة "الأهرام" يوم 24 مايو 1889 رصدت فيه أحداث اعتصام الفحامين فى بورسعيد، وصورة بائسة لحياتهم، حيث ذكر وكيل (مراسل) الجريدة فى بورسعيد أنهم "واقعون في مخالب الأطماع وحقوقهم ضائعة من المستبدين بهم .. ولا يجسرون على رفع تنهداتهم والشكوى بمراراتهم لأنهم كعبيد أرقاء .. وإذا تأملنا لا نرى إلا إشارات الشقاء على وجوههم المصبوغة بغبار الفحم حتى انك لا تميز الزنجي من ابيض البشرة منهم وترى القذارة منهم على أجسام نحيلة ليس عليها إلا بقية أثواب بالية " و ينهى المراسل تقريره بالتحذير من انه اذا لم يبادر المسئولون لإصلاح أحوال الفحامين، سوف تحدث تطورات جديدة، وختم تقريره بعبارة "وان غدا لناظره قريب"، وقد جاء هذا الغد بالفعل بعد خمس سنوات بالتحديد فى مايو 1894 ، عندما انطلقت الحركة العمالية. واليوم، وبعد 125 عاما على اعتصام الفحامين، هل يعيد الزمن نفسه لتقف بورسعيد مرة أخرى فى مواجهة الفحم، ليس دفاعا عن حقوق عماله هذه المرة، بل رفضا لإستيراده والعمل به؟ "وان غدا لناظره قريب"!