هناك ما يسمى landscape او هندسة المناظر فى علم تصميم المدن.. وهو ما يعنى مراعاة النسب، وتنسيق الكتل، والفراغات والمساحات الخضراء والوان المبانى، وعلى نحو يحافظ على التناسق والجمال.. وبالقطع فان اغارات غوغائية واجرامية على شكل المدن المصرية- والعاصمة بالذات- تواصلت عبر عهود وعقود على نحو ضرب- بنحو مؤثر وضار- منطق تخطيط المدن، والطابع المعمارى للعواصم والحواضر المصرية.. وضمن ما جرى فى تلك العملية كان تفكيك قاعدة ميدان التحرير التاريخية عام 1990 للبدء فى اعمال انشاء الخط الأول لمترو الانفاق، وهى قاعدة جميلة التصميم من الجرانيت الوردى، تقوم على عدد من الاعمدة الرومانية، وكان من المفترض ان يعتليها تمثال لاسماعيل باشا خديو مصر وصاحب المشروع الحضارى الفريد لترقية البلاد، ومن ثم سُمى ميدان التحرير- فى البداية- باسمه: (ميدان الاسماعيلية).. وحين اختفت القاعدة التاريخية لميدان التحرير بما تمثله من ملمح اساسى لشخصية وسط البلد فى العاصمة، ولمدخل ما يسمى القاهرة الخديوية (التى تحتوى بعضا من اروع كنوز التراث المعمارى لمهندسين طلاينة وبلجيك وفرنسيين مشهورين جدا عالميا) ظللت ابحث عن مكانها حتى اخبرنى واحد من مسئولى محافظة القاهرة انها تقبع- الآن- رابضة فى متحف القلعة بعد تفكيكها.. وعقب عملية يناير 2011 وما شهده ميدان التحرير من احداث، ارادت حكومة الببلاوى ان تقيم نصبا ليناير فى ميدان التحرير، فشادت شيئا مقرفا جدا- من حيث النسب والتصميم والمساحة- على جانب الصينية التى تتوسط الميدان، وهرول الببلاوى اليها ليفتتحها بنفسه، وبعد انصرافه حدثت الواقعة الاجرامية القذرة باهانة علم الجمهورية عند ذلك النصب.. لماذا لا تعيد الدولة قاعدة ميدان التحرير التى تناسب اتساع الميدان، وتنصب فوقها ما تشاء من تماثيل او نحوت؟، ولماذا تحرص على تكرار كارثتى تمثالى طه حسين عند كوبرى الجلاء، ونجيب محفوظ عند ميدان سفنكس، واللذين يعدا اشارة دالة على الجهل المروع باصول تصميم المدن وهندسة المناظر؟.. اما اذا اردتم دليلا على النسب الصحيحة فلتتأملوا تمثال ابراهيم باشا فى الاوبرا، ونسب الفراغ من حوله رغم الاعتداءات التى لحقت بها، وكذلك مستوى ارتفاعه رغم المظهر القمئ للجراج متعدد الطوابق فى خلفيته.. اعيدوا قاعدة ميدان التحرير الى مكانها وازيلوا ذلك الشىء الذى وضعتوه هناك. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع