التاريخ يشهد عن حلقاته المتتابعة التى عانت الانسانية آلاما وأنواء عاتية تمثلت فى حروب دامية وأوبئة قاتلة وطبيعة ثائرة فى أشكال متنوعة من الزلازل والفيضانات والتقلبات. ولعلنا هنا وفى المناطق المجاورة والقريبة ما يلفت الأنظار الى حقائق لا تخفى على انسان. وفى زحمة الضغوط والمخاوف جاءت رسالة القيامة رجاء حياة للشعوب، ويعرف الرجاء أنه يولد من الثقة الكاملة فى القيامة المؤكدة. فان لا قيامة إذا فلا رجاء، فقد سادت أفكار العصر وليست علينا جديدة، فمنذ القديم انتشرت عقيدة الابقيوريون الذين نادوا بأنه لا قيامة بعد الموت، وكان شعارهم «نأكل ونشرب لأننا غدا نموت». وقد نشأت فلسفة الفيلسوف اليونانى «أبيقور» سنة 370 ق.م واستمرت نحو ستة قرون فنادوا بالمتعة فى الحياة والتحرر من الخوف وأن الموت هو العدم واللا وجود، فما بعد الحياة كما يرى أبيقور هو ما بعد الموت حيث ينعدم الخير والشر ولن يشكل أى خطر تماما كما هو الحال قبل الميلاد. وهاجم ابيقور رجال الدين لأنهم يخيفون الناس فيما بعد الموت وهو عدم كما هو قبل الميلاد. وقد سقطت نظرية ابيقور فى الثلاثة قرون الأولى بعد الميلاد شكرا لله، لقد أثبت السيد المسيح فى معجزاته أن هذه النظرية لا مكان لها. فقد أقام الموتي، منهم من كان على فراشه، ومنهم من كان فى نعشه فى الطريق إلى قبره، ومنهم من دفن وانتن وبعد أيام من دفنه ذهب المسيح إلى قبره وسط الجموع التى تبعثه ظانين أنه سوف يبكى حبيبه الذى مات وإذا به يأمر الجموع أن يرفعوا الحجر حتى يتأكدوا أن ليعازر الذى مات لا يزال بداخله وينادى المسيح قائلا «ليعازر هلم خارجا» فيخرج الميت واربطته حوله فيقول للجموع حلوه ودعوه يمضى الى بيته. أما قيامة المسيح فكانت مختلفة. فكل من أقامهم أو شفاهم قضوا زمانا ثم ماتوا وعادوا الى قبورهم، أما المسيح فقيامته كانت لصعوده، فهو الأوحد الذى قال «أنا هو القيامة وكل من آمن بى يحيا» أى الحياة الأبدية. وقيامة السيد المسيح رجاؤنا، والرجاء الحى يغير نوع الحياة التى نحياها. لقد أعطتنا القيامة رجاء فى مستقبل بعد هذه الحياة لقد وعدنا المسيح فى بيت الأب منازل كثيرة. وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتى أيضا وأخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا». فالقيامة رجاء المؤمنين فى وطن أفضل. الطالب يجتهد ويتعب لأنه يعرف أن هناك امتحانا ثم نجاحا. والرجاء لا يموت، فقد ولدنا ووعدنا لرجاء حى بقيامة يسوع المسيح من الأموات، وأنه لأجل الرجاء يعيش المؤمن انتظارا لتحقيق الوعد الأبدي. المؤمنون لا يخافون الموت لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا (الجسد) فلنا فى السماء بناء غير مصنوع بيد. أبدى هذا الرجاء يجعلنا نؤمن أن الموت ليس النهاية. فمنذ وجد الانسان ومخاوفه كانت ولا تزال هل هناك حياة بعد الموت؟ ولكن قيامة المسيح هى الدليل الأهم أن لنا رجاء فى حياة أفضل. وترتبط بهذه الحقيقة حقيقة أخرى أن للشر نهاية وأنه مغلوب فى نهاية الأمر، فالظلام إلى حين، ولابد من اشراقة الصبح. قد يبدو للبعض أن الشر رابح والغش ناجح والخداع صالح أو فاضح، ويسمون كل هذا «تفتيح العيون». وعلى الجانب الآخر يهزأون بالأمناء وينعتون بالخيبة والغباء، لقد ظن اليهود والرومان أنهم استراحوا من ذلك الذى هددهم بتعاليمه. وكان الخاسرون هم قادة الشعب من الكهنة ورؤساء الكهنة وأرادوا الخلاص من المسيح بموته ولكنهم فوجئوا به حيا. القيامة تعطى رجاء فى تصحيح المسار . الله يغفر ذنوبنا. لقد اأخطأ أكبر تلاميذ المسيح خطأ جسيما، ففى ساعة الشدة تظهر الضعفات للضعفاء. قيامة المسيح تعلمنا ان الحياة الجديدة هى اختيارنا كثيرون سقطوا كسقطات بطرس أو يهوذا الذى باع سيده وسلمه. كثيرون وقعوا أسرى خطاياهم ونزواتهم وغرور الحياة وشهوتها، وحدث القيامة يخاطب الخطاة ان هناك رجاء حيا وعودة مقبولة وتوبة صادقة مرحبا بها من الله. كلنا مثلهم ضللنا ولكن شكرا لله الذى يصفح ويغفر ويطرح خطايانا فى بحر النسيان. القيامة أمل فى غد أفضل فى ظروفنا الحالية وفى مخاوفنا المتكررة مع مطلع كل صباح، بل مع عقارب الساعة نسمع ما يزعج ويقلق ويخيف، ولكن القيامة تفتح الطريق، انه يوجد رجاء فى غد أفضل. فالقيامة ليست فقط أمل فى حياة أفضل بعد الموت، لكن أيضا فى حياة أفضل مع الله ومع كل من حولنا. لن تستمر الغيوم الملبدة كثيرا فالشمس خلفها حتى وان لم نرها. ان القيامة وعد بسلام فائق، «وسلام الله الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم فى المسيح يسوع والقيامة تضفى فرحا رغم الظروف المحيطة. أحبائي: القيامة هى أساس ايماننا وعليها تقام كل البركات والمواعيد التى وعد بها السيد المسيح. فبالقيامة لنا ولادة جديدة ورجاء حى وميراث ابدى وضمان وأمان، وفرح فى الآلام وإيمان لا يخزي، ومجيء ثانى مؤكد. لمزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى