صحيح أن ثمة ملفات داخلية متعددة مازال يشوبها الغموض من قبل جميع المرشحين الرئاسيين المحتملين. لكن الأفق مليء بإشارات ضخمة تورى بتوجهات سياسية عربية وإفريقية ودولية ،تتراكم منذ الثالث من يوليو،تشير بوضوح إلى أن المرشح /عبد الفتاح السيسى يمتلك رؤية سياسية إستراتيجية تقترب كثيراً من رؤية الزعيم الخالد جمال عبد الناصر فيما يخص علاقات مصر الإقليمية والدولية .فى الأفق بشائر بناء تجمع عربى من مصر وبعض الدول العربية فى الخليج يمكن تطويره بإتجاه تأسيس سياسة عروبية جديدة لمصر.وفيه تحركات دبلوماسية لإعادة التوازن فى علاقتنا الدولية،تبدت بقوة فى الزيارات المتبادلة مع مسئولى روسيا الاتحادية بالذات،إشارات التقط الرئيس المحنك بوتين دلالاتها فلم يتوانى عن إعلان تأييده الصريح لترشح السيسى. وهناك التطورات الإيجابية الأخيرة فى ملف العلاقات المصرية الإفريقية،تبشر بفتح أبواب مصر الإفريقية من جديد بعد أن أوصدها نظام السادات/مبارك لعقود طويلة. وفى تقديرنا أن هذه الإشارات الإستراتيجية ،وبصرف النظر عن أى ملفات أخرى لم تظهر الرؤية بشأنها بعد،تصلح تماماً لإضفاء «الشرعية السياسية والفكرية»على موقف الغالبية الناصرية المؤيدة لإنتخاب الرجل.فضلاً عن النبع الناصرى لهذا التأييد بحسبان «المشير» رجل المرحلة ورمزها فى نظر الغالبية الشعبية التى هى مناط المشروعية الحقيقية لكل من يطرح نفسه لمنصب عام خصوصاً منصب رئاسة الدولة . ومن حق المناضلين من الشيوخ والشباب الملتفين حول حمدين أن يشعروا بالألم أو يشرعوا فى عتاب رفاق الطريق،لكنه ليس من حق أى منهم أن يتجاوز حدود النقد والعتاب إلى حدود الهمز واللمز على النحو الذى بدأت بشائره على صفحات التواصل الاجتماعى، ومن ذلك:- 1- بوستات الشكر للمشير السيسى الذى نجح فى «توحيد الناصريين».وهو مايعنى اعترافاً ضمنياً بحقيقة أن غالبية الناصريين تؤيد السيسى على عكس مزاعم أصحابه بأن المؤيدين مجرد أفراد معدودين،كما ينطوى على معنى إيجابى يحسب لصالح السيسى والغالبية الناصرية المؤيدة له، لو أن صاحبه كان يرصد الآثار الإيجابية لترشح السيسى،ولايقصد إلى السخرية من الغالبية الناصرية المؤيدة للرجل قاصداً اتهامها بأنها توحدت فى تأييد السيسى ،رغم فشلها على مدى عقود فى إنهاء خلافاتها،أو بالأقل-تحجيمها وتحييدها.والحق أن التهجم على مؤيدى السيسى من الناصريين على هذا النحو ،يجافى الحقيقة ،ويتنكر لوقائع تاريخية ،وحدت الناصريين كثيراً طوال العقود الماضية،بداية بتأسيس الحزب الإشتراكى العربى الناصرى -تحت التأسيس- عام 1983.بل يمثل هذا الزعم إهداراً لتاريخ حمدين نفسه الذى حقق أكبر قدر من توحد الناصريين فى مناسبات عديدة من خلال دورات ترشحه فى مجلس الشعب التى جمعت حوله جميع القيادات والرموز الناصرية ،توافدوا جماعات ووحداناً من أنحاء البلاد على دائرته الانتخابية، معضدين ومؤيدين.ثم تكرر الموقف بما يشبه الإجماع فى انتخابات الرئاسة السابقة التى لم تشهد خروجاً علنياً من أى قيادة ناصرية عن الإجماع على تأييد حمدين إلا حالات محدودة. 2-أنه من غير المنكور أن فى الناصريين ككل القوى والفاعاليات-من يتخذون مواقفهم بدافع الهوى والأحقاد الشخصية، أو بدافع الانتهازية والبحث عن المنافع الضيقة،إلا أن الغالب فى الأمر والدافع إليه هو نمط التربية السياسية الناصرية الذى قام على أساس الأهداف الوطنية العامة من رفض السياسات الساداتية فى عمومها سواء من خلال الحركة الطلابية فى السبعينيات،ثم من خلال نقابة المحامين،وحزبى التجمع والعمل الإشتراكى قبل تأسيس الحزب الناصرى،وسائر المحافل المعارضة لهذه السياسات،فى طبعتها الأسوأ فى عهد مبارك،والذى أضيف إليها النضال ضد التوريث،وضد الفساد الدستورى والقانونى وصولاً إلى حراك الخامس والعشرين من يناير.طيلة هذه المسيرة النضالية لم يخرج الناصريون عن الأهداف العامة للحركة الوطنية المصرية،ولم يستهدفوا بنضالهم أى موقف خاص فكرى أو تنظيمى،حتى أن الناصريين كانوا أكثر من أحاط بتيار»استقلال القضاء»،وايدوا جميع انتفاضاته ومواقفه ضد سياسات السادات/مبارك. ولاشك أن تأييد الغالبية الناصرية للسيسى ينتمى لهذا النوع من الرؤية الوطنية العامة التى طالما صاحبت نضال الناصريين-وحمدين فى القلب منه-ووجهته وجهته الجماهرية الخالصة،وادرجته داخل النضال العام للحركة الوطنية المصرية-وآخر طبعاتها هو تحالف الثلاثين من يونيو- التى يلتف أغلبها حول السيسى ايضاً. والقول بأن هذا الموقف ينطلق من الهوى والمصالح الشخصية يهدر هذا التاريخ الناصع، بل ويتنكر لحقيقة أن حمدين نفسه ما زال يدرج نفسه ضمن هذا الخط العام،ويعتبر ترشحه منافسة فى هذا الإطار. 3-وفى المقابل فإن على الغالبية الناصرية المؤيدة للسيسى أن تقصر نشاطها على الدفع فى معركة إنتخابه،وان ترفض بقوة أى هجوم مسف على حمدين من بعض المغرضين بداخلها،وان تتحسب أنه إذا كان الواقع السياسى القائم قد فرض السيسى كحل بلا بديل لقيادة سفينة إنقاذ الوطن بأرضه وناسه وأثاثه،فإن ثمة فوائد لاتحصى لدخول حمدين فى هذه المعركة غير المتكافئة.فوائد تتعلق بمسيرة الثلاثين من يونيو، وأخرى تتعلق بالناصريين والتيار الشعبى بالذات ستتجلى تباعاً ولو بعد حين. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ