الأزمة الأوكرانية ..صدام بين عالمين أحدهما أحادى القطبية، والآخر متعدد الأقطاب. فما تشهده أوكرانيا من اضطرابات ليس وليد أزمة سياسية مفاجئة، كما أنه ليس بمعزل عن سياق دولى عام، فالعامل الجيواستراتيجى موجود فى خلفية المشهد. وقد حملت الأزمة الأوكرانية الكثير من الرسائل المهمة التى كان على دول الشرق الأوسط بوجه عام والدول العربية ودول عدم الانحياز أن تدركها وتستفيد منها استعدادا لمرحلة جديدة فى السياسات والعلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق عقدت "منظمة تضامن الشعوب الإفريقيه الآسيوية" ندوه حول ذلك الأمر تحت عنوان : "الأزمه الأوكرانية وتداعيتها". فقد حذر د.حلمى الحديدى رئيس المنظمة من أن الازدواجية التى تتسم بها السياسات الغربية بوجه عام، والأمريكية على وجه الخصوص، فى التعامل مع الأزمات، بداية مما وصف ب"الربيع العربى" فى الشرق الأوسط ووصولا إلى أوكرانيا، تنبع من الرغبة فى الحفاظ على مصالح الغرب فى المقام الأول. وأكد أن مصر تخوض حربا حاليا نيابة عن العرب وحفاظا على مصالح العرب جميعا. وقد أشار نورى عبد الرزاق سكرتير عام المنظمة إلى أن تطور الموقف الدولى حول الأزمه الأوكرانيه وتفاقم الخلافات بين روسيا من جانب والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى من جانب آخر، بعد قرار برلمان القرم ومن ثم إستفتاء شعب القرم على الانفصال عن أوكرانيا والالتحاق بروسيا، جعل تلك الأزمه المحتدمة فى أوكرانيا تختزل فى تفاصيلها مشكلة أعمق تتمثل فى رسم مستقبل العلاقات بين روسيا والغرب أى الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد الأوروبى. وقد جسدت الأزمة ورسخت ظهور وبروز القوة الروسية، وأكدت على التطور النوعى للسلاح الروسى حاليا مقارنة بحالته أثناء العقود الأخيرة من الإتحاد السوفيتى السابق فى القرن الماضى. تشريح الأزمة وأشار عبد الرزاق إلى نشوب الأزمة نتيجة "تحرش" غربى أمريكى بدائرة حيوية من دوائر الأمن القومى الروسى المتمثلة فى أوكرانيا بوجه عام وشبه جزيرة القرم على وجه الخصوص، حيث القواعد العسكرية الروسية. فعلى الرغم من اتفاق أطراف الأزمة محليا ودوليا فى 21فبراير الماضى على تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الأوكرانية محاولة لإرضاء القوى المعارضة للرئيس الأوكرانى المدعوم روسيا فى ذلك الوقت، فيكتور يانوكوفيتش، فإن اليوم التالى شهد ما يوصف بالانقلاب ضد يانوكوفيتش من قبل عناصر مدعومة غربيا. وكان لابد أن يكون هناك رد روسى انطلاقا مما يمثله تدخل الغرب بوجه عام، وحلف "ناتو" على وجه التحديد، فى الأزمة من تهديد مباشر للأمن القومى الروسى. وأشار السفير الدكتور أمين شلبى عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية إلى وجود أبعاد استراتيجية للأزمة. فزحف منظومة الدفاع الصاروخى الاستراتيجية الغربية (خاصة بحلف ناتو) فى كل من بولندا والمجر والتشيك بأوروبا الشرقية، بالإضافة لموقف الغرب وحلف ناتو من الأزمة الروسية الجورجية عام 2008 دفعت موسكو إلى المناداة بنظام دولى متعدد الأقطاب. ولم يكن الموقف الروسى بالأمر الجديد، حيث جاء متماشيا مع مناداة عدة قوى بتأسيس نظام دولى جديد متعدد الأقطاب. وتعد الصين والهند واليابان من أبرز القوى المطالبة بالنظام الدولى المتعدد الأقطاب. وعن المساحة المتاحة أمام الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة للمناورة أمام الموقف الصلب لروسيا أشار شلبى إلى أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الغرب وروسيا أصبحت غاية فى التداخل، خاصة فيما يتعلق بموارد الطاقة وفى مقدمتها الغاز الذى تقدمه روسيا للدول الغربية. ويدفع ذلك التداخل فى المصالح إلى إستبعاد المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين. وفيما يتعلق بالعقوبات الغربية ضد روسيا فإن مصالح العديد من المؤسسات الاقتصادية الأمريكية سيلحق بها الضرر كما ستتضرر الكثير من الشركات الألمانية الكبرى العاملة أو المتعاملة مع روسيا. وفيما يتعلق بالمستوى الاستراتيجى فإن قضايا وأزمات مثل الأزمة السورية، والمفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووى الإيرانى، وأفغانستان والحرب العالمية ضد الارهاب تؤكد حاجة الغرب الملحة للتعاون مع روسيا بشأنها. ويؤكد شلبى أننا نشهد مولد نظام دولى جديد تتعدد فيه القوى والمراكز. أما الكاتب الصحفى نبيل زكى فقد أكد أن الأزمة الأوكرانية حملت رسالة مهمة. فقد كشفت الأسلوب الجديد الذى تتبعه الولاياتالمتحدة فى التعامل على الساحة الدولية. فأسلوب الولاياتالمتحدة يلجأ إلى تجنيد عناصر من الشارع لإثارة الفوضى لقلب النظام الحاكم فى الدولة المستهدفة. وقد تكرر الأمر فى كل من فنزويلاوأوكرانيا. ونوه زكى إلى رسالة أخرى لها دلالاتها. فإسرائيل كانت على اتصال بحزبين معارضين لنظام الحكم فى أوكرانيا على الرغم من أنهما من ورثة الفكر النازى الهتلرى. وسبق ان أظهرا عداءا سافرا للسامية! ويدل هذا التحرك الإسرائيلى على وجود استراتيجية أمريكية تحاول إسرائيل خدمتها فى أوكرانيا. وهناك رسالة أخرى تتعلق بزحف حلف "ناتو" جغرافيا تجاه الشرق. فإذا أصبحت أوكرانيا عضوا بحلف "ناتو"، كما طالب من أطاحوا بيانوكوفيتش، فإن المسافة بين أراضى "ناتو" والعاصمة الروسية موسكو ستتقلص إلى 500كيلومتر فقط. مما يمثل تهديدا مباشرا لأمن روسيا القومى. المستقبل وعن المستقبل لفت زكى الانتباه إلى ما جاء بالأدبيات السياسية الأمريكية من أن سيطرة روسيا على أوكرانيا تعنى استعادة روسيا بشكل تلقائى لقدراتها على أن تكون دولة عظمى على المستوى الأورواسيوى، خاصة أن روسيا بدأت فى الاتجاه باستثماراتها فى مجال الطاقة إلى منطقة آسيا والباسيفيكى. وأكد اعتقاده بفشل سياسة الغرب فى الأزمة الأوكرانية مثلما فشل فى سوريا. وأكد السفير د. أمين شلبى صعوبة نشوب حرب باردة مماثلة فى الشكل والأسلوب للحرب الباردة السابقة فى القرن العشرين، وذلك لاختفاء العناصر التى إرتكزت عليها الحرب الباردة القديمة. وناشد مصر والدول العربية العمل على الإنضمام إلى الحركة الدولية الداعية إلى نظام متعدد الأقطاب. وأشار نورى عبد الرزاق إلى التطور الاستراتيجى الذى يقول بتركز القوة فى منطقة الباسيفيكى (المحيط الهادى) وتجمع شنغهاى مطالبا العالم العربى والنامى ودول عدم الإنحياز بأخذ هذا التطور فى الحسبان. وهكذا بدا من الواضح أن العالم يمر بمرحلة انتقالية استعدادا لنظام عالمى جديد يتشكل عبر عدة عمليات صعبة فى الشرقين الأوسط والأقصى وشرق أوروبا وأوكرانيا.