ما أقسي مرارة الحرمان.. ضاعت مني معظم سنوات العمر في انتظار الولد.. ابتلعتني خلالها الغربة والوحشة وكان عشقي لانجاب الولد هو قدري المعلق بانفاس يفزعني اليأس من احلامي الهادئة ويثقب انتمائي للآدمية. وعشت في اكفان المرارة والضياع أنتظر وأحلم حتي شقت الحقيقة المرة صدري وقصمت ظهري انني مثل قطعة أرض بور لم تنبت ولم تكن ثمارها مشتهاة ودفعني الشوق إلي إنجاب الولد إلي ارتكاب جريمتي وتسللت إلي المستشفي وسرقت الرضيع. »المال والبنون زينة الحياة الدنيا«، ودون البنون تصبح كل الدروب مغلقة وتكسوها العتمة ولا تعرف الحناجر سوي المرارة كلمات بطعم الأسي ورائحة الشوق والتمني خرجت من حنجرة ربة منزل التي دفعها الحنين للولد إلي حمل لقب «مجرمة» بدلا من أم. تزوجت من ابن عمها منذ 12 عاما وافترش الزوجان سنوات العمر بالطموح وتربع الحنين لانجاب الولد علي عرش أحلامهما، ومرت الأعوام ولم يدب الجنين بين أحشاء الزوجة.. بدأت نظرات الاتهام المحفوفة بالصمت تتبادل بين الزوجين وبراكين من الخوف تسكن قلبيهما خشية أن يكون أحدهما السبب في حرمان الآخر من الانجاب. شقت والدة الزوج سكون الصمت بين الزوجين بعد عشر سنوات من الانتظار وأصرت أن يعرض أبنها نفسه علي الأطباء وامتثل الابن لأوامر أمه وتهللت اساريره عندما تيقن انه عقيم قادر علي انجاب طابور من الأبناء وعندها انطفأ بريق الأمل في عين الزوجة وتيقنت أنها مثل أرض جرداء . أرتمت الزوجة في أحضان أمها بعد أن باتت الحياة أمامها مثل ثقب ابرة وانطفأ شعاع الشمس ونور القمر أمام عينها، وباتت لا تري إلا السواد، وقررت ان تطرق أبواب الأطباء وكانت المصيبة التي افزعتها عندما أكد جميع الاطباء انها عقيمة ويستحيل انجابها للولد. لم ترضخ الزوجة البائسة لتقرير الاطباء وسلكت طريق الدجالين والعرافين وزيارة اولياء الله الصالحين وباعت كل مجوهراتها علي أعمال الشعوذة دون جدوي ونصحها ابوها بالاستسلام لقضاء الله وقدره. تعكرت حياة الزوجين وخمدت كل الأصوات من البيت المتواضع إلا من صوت بكاء الزوجة وتلاشت عن البيت الحياة وفاحت من كل جدرانه وأركانه رائحة الحزن وسكنت العتمة وأدركت الزوجة أن مصيرا مشئوما ينتظرها. تلفح الزوج بالصبر والاحتمال وربت علي كتف ابنة العم والحبيبة وأقسم انها أغلي عليه من نفسه وانه لا يقوي علي العيش بدونها وانها الزوجة والابن والابنة وتوسل اليها ان تخلع عباءة الأحزان وتعيد للبيت الحياة، إلا أن الحنين للولد كان يشق صدرها واعلنت أذناها العصيان علي كل الكلمات إلا كلمة »ماما«، وان صوت طفل يناديها في أحلامها ويوقظها وصورته تتراءي لها داخل شقتها ونسائمه تهب عليها كلما مر أمام عينيها في أحلامها اليقظة حتي كادت تفقد عقلها. تحامل الزوج علي نفسه عامين إلا أن الرغبة في سماع كلمة »بابا« سيطرت عليه، وكلما شاهد ابناء اشقائه وأصدقائه ارتسمت الحسرة علي ملامحه، حتي أيقظته امه من غفوته وطالبته بأن ينفذ ما شرعه الله وأن يتزوج بأخري تنجب له الولد ويحتفظ بابنة عمه في عصمته وكي لا تثقله بالهموم وافقت ان تقيم الزوجة الثانية معها حتي لا ينكسر قلب الزوجة الأولي.هرولت إلي أمها وراحت الاثنتان تصولان وتجولان بخاطرهما وهداهما تفكيرهما المريض إلي سرقة طفل وتقديمه للزوج بزعم تبنيه من أحد الملاجئ، واصطحبت الزوجة امها وتوجهتا إلي مستشفي بولاق الدكرور وصعدتا إلي قسم النساء والتوليد بعد أن ارتديتا النقاب بزعم البحث عن إحدي قريباتهن وطرقت الاثنتان جميع الغرف. وكانتا تتبادلان الأحاديث مع الامهات اللاتي ولدن داخل المستشفي حتي توصلتا إلي سيدة كانت عائدة من غرفة العمليات وبجوارها رضيعها الذي لم تمر علي ولادته ساعات. هرولت الزوجة إلي حمام المستشفي وارتدت البالطو الأبيض الذي كانت تخفيه داخل حقيبتها وتوجهت إلي الأم مدعية انها ممرضة، وأخذت من جانبها رضيعها بزعم وضعه في الحضانة لأن وزنه ناقص ووافقت الأم وهي تحملق في صغيرها ولاذت الزوجة وأمها بالفرار ومعهما الرضيع دون ان يشعر بهما أحد من المستشفي. انتظرت الأم عودة طفلها إليها دون جدوي وعندما جاء زوجها توجه إلي الممرضات لتمكينه من رؤية ابنه الوحيد وكانت الطامة عندما أكدن انهن لم يأخذن الطفل من أمه وتيقن الأب ان فلذة كبده تم اختطافه من أحضان أمه.