لست أصادر علي رأي أحد من الذين يتحدثون مبكرا وقبل الأوان عن الرغبة في إلغاء أو تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت عام1979. بعد محادثات شاقة في منتجع كامب ديفيد الأمريكي بين الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحم بيجين تحت رعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وتصديق كل من مجلس الشعب المصري والكنيست الإسرائيلي علي المعاهدة فمن حق أي دولة أن تعيد النظر في الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة ولكن كيف ومتي هذا هو السؤال! والحقيقة أن البعض يغيب عنهم أنه رغم صحة كافة الملاحظات والتحفظات علي عدد من بنود هذه المعاهدة فإن مصر قبلت بها من أرضية اليقين بأنها صنعت نصرا غاليا وعزيزا في أكتوبر عام1973 وبالتالي فإن ما اتخذته ربما يكون مفتاحا لبداية الوصول إلي سلام شامل وعادل ودائم. بوضوح شديد أقول: إن مصر انطلقت نحو خيار السلام, وارتضت بشرعية الجلوس علي مائدة المفاوضات بعد أن حققت لنفسها ولأمتها العربية نصرا عسكريا مجيدا في حرب أكتوبر1973 غسلت به عار الهزائم والنكسات السابقة. ورغم أن كثيرين داخل المنطقة وخارجها هييء لهم أن استرداد مصر لكامل ترابها الوطني بعد معركة المفاوضات الدبلوماسية والتحكيم الدولي حول طابا هو أمر كفيل بإخراج مصر نهائيا من معادلة النزاع العربي الإسرائيلي.. إلا أن مصر استطاعت أن تثبت أن هذه تقديرات خاطئة لأن مصر لا تستطيع أن تخلع عباءتها الجغرافية أو أن تمسح ذاكرتها التاريخية أو أن تلغي روابطها القومية والروحية مع جيران وأشقاء ارتبطوا بها, وارتبطت بهم وجمعتهم جميعا علي مدي التاريخ أجندة خطر ومصالح مشتركة! ومعني ذلك أن أي خطوة باتجاه إعادة النظر في معاهدة السلام بالإلغاء أو التعديل يجب أن تخضع لحساب دقيق بعيدا عن العواطف وسياسات دغدغة المشاعر وفي إطار خطاب سياسي وإعلامي مستنير ينبه المجتمع الدولي إلي صعوبة استمرار المعاهدة في شكل تشويه لتسكين الأوضاع علي طريق الحقن والحبوب المهدئة فقط! وظني أن الحديث عن المعاهدة في هذا التوقيت سلاح ذو حدين خصوصا في ظل أوضاع إقليمية ودولية ليست علي ما يرام في الوقت الراهن ولا داعي للتفاصيل! خير الكلام: ليس أشد غباء من متفائل يري ضوءا وكل ما حوله ظلام سوي متشائم يري ظلاما رغم ما يحيطه من ضياء! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله