وثيقة هذا الاسبوع تدور حول صرح سكندرى أنيق هو رمز للعدالة فى مصر الحديثة وشاهد على محاولات المصريين لإقرار الحق وإقامة العدل فى عصر الدولة الحديثة وفى ظل حكم الأسرة العلوية ، كما أنه شاهد على أناقة وجمال الهندسة والعمارة فى بدايات ومنتصف القرن التاسع عشر . وتشير الوثيقة الموجهة من مجلس النظار ( الوزراء ) الى وزارة الاشغال العمومية فى سبتمبر 1886 الى جزء من استعدادات مدينة الإسكندرية لافتتاح المحكمة أو «سراى الحقانية « وذلك بتجهيز الشوارع المحيطة وتبليطها ليصبح المكان لائقاً بسراى العدل فتقول» إن هذه صورة لما ورد من مجلس النظار الى نظارة الأشغال العمومية بخصوص الجلسة التى انعقدت يوم الخميس 23 سبتمبر 1886 والتى تليت فيها مذكرة بشأن تخصيص مبلغ 1200 جنيه لتبليط الأرض الواقعة حول أو ( دائر ) سراى الحقانية ، وقد أوضح سعادة ناظر المالية أن وزارته قد وافقت على إجراء هذه العملية واحتساب تكاليفها من أصل العشرة بالمائة المصرح بها علاوة على مصروفات بناء ( بنا ) سراى الحقانية . ومن هذه الوثيقة يتضح أن بناء سراى الحقانية كان قد انتهى قبل نهاية عام 1886 وأن نظارة الأشغال العامة كانت تقوم فى هذه الأيام بوضع اللمسات الأخيرة تمهيداً للافتتاح وهى تشمل تبليط وتجميل المحيط الذى تقع به السراى فى ميدان المنشية أو( القناصل ) بوسط المدينة والذى كان يضم البنوك وأفخم الفنادق والمحال والمطاعم ومساكن الأوروبيين حيث كان هذا الميدان جزءاً مهما من الحى الأوروبى ويضم أهم المنشآت والمتاجر بالمدينة . وقد احتفل الخديو توفيق بإفتتاح السراى عام 1886 وهو المبنى المقام على الطراز المعمارى الإيطالى و يعد واحد من أقدم المبانى التى أقيمت كمحاكم مصرية على الإطلاق وقد بدأ العمل كمحكمة مختلطة للفصل بين المصريين والأجانب للقضاء على المحاكم القنصلية التى كانت تنصر الأجانب على المصريين .... وقد قام الإيطالى « فيوريللو « أحد أهم المصورين فى ذلك الوقت بإلتقاط عدة صور للمبنى تعد من أندر الصور على مستوى العالم لتخليد المبنى الأنيق . ويقول الأثرى أحمد عبد الفتاح إن الخديو إسماعيل أقام حفلة ضخمة بمناسبة افتتاح المحاكم المختلطة فى سراى رأس التين بالإسكندرية يوم 28 يونيه سنة 1875 قال فيها « إنى واثق بأنه بعناية الله وحسن توفيقه سيكون مستقبل هذه المحاكم وطيد الأركان وبعدها ب 11 عاماً إفتتح إبنه الخديو توفيق مبنى سراى الحقانية فى الإسكندرية . ويضيف عبد الفتاح أنه بجانب كون المبنى ذا طراز معمارى متميز الا أنه يضم المئات من المقتنيات النادرة ومنها تمثال نصفى للخديو عباس حلمى الثانى ولوحة زيتية نادرة للفنان العالمى « تروجية « وأكثر من 1200 مخطوطة تحكى تاريخ القضاء المصرى والمختلط وفرمانات تعود إلى أسرة محمد على وسجلات بأحكام القضايا الشهيرة مثل حادث دنشواى وقضية ريا وسكينة ، وقضية سفاح الإسكندرية ، بالإضافة إلى نماذج لتوقيعات حكام المماليك تعود إلى عام 1597 من مجموعة الملك فؤاد وخاتم الملك فؤاد وساعات قديمة نادرة و50 لوحة لحكام مصر من الأسرة العلوية أبرزهم الملك فاروق وأعضاء ورؤساء المحاكم المختلطة ومنها صورة «جون جاكسون» أول رئيس لمحكمة الاستئناف والمحكمة المختلطة والرئيس التالى «موريس بيليه» سمن عام 1894 حتى عام 1902. ولأهمية المبنى فى التأريخ العمرانى لمدينة الإسكندرية فقد صدر قرار من وزارة الثقافة بضمه الى قائمة المبانى التراثية النادرة ولكنه يتعرض فى الوقت الحالى الى خطر الانهيار وذلك بعد سقوط بعض أحجاره ويحتاج الى حملة عاجلة لإنقاذه . أما الطريف من وثائق المحاكم فى هذا الزمان أنه كان يتم صرف مبلغ للشهود الذين يتم إستدعاؤهم نظير تعبهم ووقتهم الضائع باسم « إيصال أتعاب الشاهد « بمبلغ قد يصل الى عشرين غرش (قرش) صاغ يتسلمه الشاهد من المحضر المختص على ورقة رسمية مدون فيها اسم المحضر التابع لقلم محضرى محكمة مصر المختلطة والمبلغ نظير تأدية الشهادة فى المكان المحدد فى القضية رقم كذا وأسماء المتخاصمين والتاريخ .... والله على مصر زمان.