سيدتي.. أكتب لك من البلاد التي افتتحت كتابة التاريخ البشري! من الارض التي توقف فيها الزمن للحظات, ليشحن نهاره بطاقة نورها! من البلاد التي لا يتوقف الافق عن الكتابة إليها, كل يوم يبعث لها برسائل, من أين له هذه القدرة! من مصر, التي مر التاريخ بأرضها, وفي أرضها رقد! من أمة تسير, وتحيا, بين الكلمات, ولم تعرف جلالا يفوق جلال الكلمة! اذن, لا يجوز لها ان تدهش من تصريح, يغذيه سوء النية, ويفتقد الحس السياسي, وشجاعة الروح, ونزاهة العقل, وسلامة القصد, حول الإذلال المنهجي للنساء المصريات, الذي يشوه صورة الثورة, وهو وصمة عار علي جبين الدولة, وجنودها كلام عالق بالفراغ! لا يتحدث إلا عبثا يجر أذيال اللغة! وهو تطور مستحدث في صناعة يعتمد وجودها علي وصفة مستخلصة من أعشاب الفلسفة الكذابة! سيدتي.. يبدو أن وضعية عقارب الساعة في يدك قد توقفت أمام الرقم الخطأ! مع أن النهر قد غير اتجاه جريانه, ذلك حين خرج شعب مصر العبقري, وفي طليعته شباب يتكلمون بصوت مشرب بالعزم, وملامح فيها شئ متألق كالمجد! ليسقط نظاما متلافا, انعقدت إرادة الأمة, علي هدم أركانه, بعد أن أعطاكم بصمة الوطن! أقولها بصوت مجروح بمشاعر الأسي.إن أعظم ما تحظي به أي أمة, أن يكون لها مثل هذا الشباب صوتا ملهما! ما دعا الرئيس باراك أوباما أن يقول: يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر!. سيدتي.. إن صفحة طويت من التاريخ المصري, وإن صفحة أخري بدأت, ومعها زمان مختلف, زمن مصر اليوم, ليس كزمن فات! هكذا لا تريد مصر أن تبقي حيث هي, ولا تريد أن تعود إلي حيث كانت!. نحن أمة يقظي, في أوان انتباهها, ولا نقبل بالتدخل في شئوننا الداخلية, إذ كيف لمن لا يري ذاته, أن يري الآخر؟ كيف لمن يعمل علي تفكيك بنية الحياة, أن يكون له دور في البناء؟ أين الدماء, والدمار, والأشلاء, والخراب, في هيروشيما, وناجازاكي, وفيتنام, والعراق, وأفغانستان؟ أين الذين لا يعرف أين هم؟ كأنهم حصي, أو هشيم!. سيدتي.. أنت مدعوة اليوم تاريخيا, وإنسانيا, وحضاريا, للتعرف علي صورة البشر الذين أبيدوا. والمجازر,التي لا تزال دماؤها تصبغ وجه بلادكم علي نحو مذل!. أنت مدعوة للتعرف علي أرض, قام فيها التراب علي قدميه, يتهجي الخراب!. أنت مدعو, للتعرف علي نظرة العدم إليكم! إن ما تقومون به شئ يتجاوز الطغيان. سيدتي.. في كل الثورات يحدث تجاوزات, لكن سوء النية كان واضحا, ومبيتا في الخلط بين سلوك فرد أخطأ, وسلوك أمة صححت, الخطأ في نفس اللحظة, وذات المكان! لكن الاصرار علي النظر بمنظار طامس, لا يفرق بين عملة من الذهب, وكسرة من الخزف, عمدا وقصدا سياسة أمريكية! نعرفها, ويعرفها كثيرون غيرنا. الاصل أن فكرة العري صناعة أمريكية, وخبزا يوميا أليس تعري المجندة الامريكية, أمام السجناء في أبو غريب, وممارسة الفاحشة أمامهم علي الهواء مباشرة, انحلالا, وانحطاطا, وعارا!. سيدتي.. دعيني أطلعك علي بعض عناوين العار, التي طالعتنا بها بعض الصحف الموثوق بها, ديلي تليغراف, ونيو يورك تايمز, حول مواجهتكم لإعصار كاترينا: ولايات الخزي والعار المتحدة!, كما جاء علي لسان مورين دوود قولها: إن إمريكا وجدت نفسها مرة أخري, غارقة في جهنم النهب, والاغتصاب, والموت, وغلبت الشرطة علي أمرها!. سيدتي.. يمر بخاطري الآن, هذه السبيكة المفكرة, لاحد عظماء الصحافة, الذي علقت نظرات الاجيال باسمه, لا تتحول عنه أبدا, استحضرها تقديرا لجهود الاستاذ محمد حسنين هيكل في الحياة, والذاكرة: ذاكرة التاريخ, لاتبلي, والمعلومة المسجلة عنده, لاتمحو ها الايام, ولا تتعرض للزوال, هي شاهد إثبات لا ترد شهادته, وهو دائما منحاز لنفسه, لا يعترف الا بما يسجله! في ضوء هذه العبارة المشعة, دعيني أذكرك, أن الارتقاء بالزمن, تأخر الضوء, فإن أكثر الفصول إضاءة في تاريخ الوقت, هو الفصل الذي يكتبه الليل! وحتي يأخذ العدل مجراه, وتتربع العدالة فوق عرشها, تحية لك, ولنا عودة!.