العدالة الاجتماعية.... واحد من أبرز شعارات ثورة 25 يناير.. والشعار يعكس معه فى الحقيقة التفاوت الطبقى غير المحتمل الذى وصلنا اليه، فنسبة كبيرة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر .. أجور شهرية هزيلة .. بطالة متفاقمة .. افتقاد للضروريات الأساسية للحياة .. الخ . وهناك اتفاق من الجميع، سواء من الفقراء او المستورين أو حتى الأغنياء، وبالتأكيد من جانب القوى السياسية، على أن العدالة الاجتماعية مطلب مشروع بل وملح ... حسناً.. كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟ اختلفت الآراء هنا.. فعلى سبيل المثال تردد وجوب اتخاذ مجموعة من الاجراءات تقوم بها الحكومة منها: وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور.. ضرائب تصاعدية.. و تقديم إعانات لذوى الدخول المحدودة، وغيرها.. ولكن هذه الإجراءات عندما يبدأ العمل على أن تتحول إلى واقع ملموس، فإنها تواجه الكثير من الصعوبات، ويصبح تحقيقها أمراً تحيط به الكثير من الشكوك. ولكى تتمتع فكرة العدالة الاجتماعية بنوع من الاستقرار .. وحتى لا تكون عرضة لأن يطاح بها عند أول أزمة اقتصادية مباغتة، هناك ميل لأن تتحول إلى مجموعة من الحقوق المعترف بها سياسيا، حيث تصير مصوغة فى الدساتير والقوانين المعمول بها.. ورغم أن دستورنا ينص على الحق فى التعليم والعلاج والسكن والعمل لكل مواطن، إلا أن قضية العدالة الاجتماعية مازالت تبدو وكأنها حلم بعيد المنال!. فلا يكفى الإقرار بهذه الحقوق كى نطمئن الى تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.. أليس كذلك؟. ونظراً لأن قضية العدالة الاجتماعية ليست مطلباً يخص مصر وحدها، بل هى موضوع مطروح على أجندة العمل السياسى فى أغلب دول العالم، المتقدم والنامي على السواء، أصبحت الشعوب تقيّم اداء الحكومات بحسب انجازاتها فى هذا المضمار. و لكن على صعيد آخر، ينبغى أن نشير إلى أن فكرة الحقوق الاجتماعية، تعد فكرة حديثة نسبياً ( ظهرت فى النصف الثانى من القرن العشرين ) فى حين أن الحقوق السياسية معروفة منذ أكثر من قرنين من الزمان، وهذه الحقوق السياسية فكرة تقوم على مبدأ وضع حدود لسلطة الدولة حتى لا تعتدى على حريات الأفراد، فهى تفترض إذن ضرورة عدم تدخل الدولة، فى حين أن فكرة الحقوق الاجتماعية تقوم على ضرورة تدخلها فى المجال الاجتماعى والاقتصادى كى تضمن للأفراد التمتع بحياة كريمة.. وحينما يتحرك الناس فى بلادنا يطالبون بحقهم فى حياة اجتماعية كريمة فإن الحجة الشائعة التى تُقال فى مواجهتهم: «اعملوا أولا.. وحينما يتحقق الازدهار الاقتصادى، سوف نتمكن من اعطائكم حقوقكم». ولكن هل هكذا تسير الأمور.. أم أن المواطن لا يعمل ليحقق ازدهارا اقتصاديا إلا إذا شعر أنه يعيش حياة كريمة؟. فالعدالة الاجتماعية لا تكون فى آخر المطاف نتيجة للازدهار الاقتصادى، بل هى فى الحقيقة شرط أساسى لحدوثه.. إنها فى واقع الأمر البداية وليست النهاية..