بعد أن تركها بيرلسكونى غارقة فى المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية المستعصية حان الوقت كى تلجأ إيطاليا لرياح التغيير لعل وعسى تستطيع أن تصلح ما خلفته أحزاب اليمين من بطالة وركود اقتصادى كانا خلاصة فترة حكمهم التى امتدت لأكثر من عشرين عاما, حتى ضاق الإيطاليون ذرعا بأصحاب الخبرة ومن الأحزاب التى وثقوا بها طويلا دون جدوى و لجأوا تلك المرة لرئيس وزراء شاب لم يتجاوز ال 40 عاما، إنه الشاب اليسارى وأصغر رئيس وزراء فى أوروبا وفى تاريخ إيطاليا "ماتيو رينزي". ماتيو رينزى أشهر الوجوه الشابة حاليا على الساحة السياسية لم يكن مشهورا بالقدر الذى يتيح للمحللين والسياسيين التنبوء بأنه يوما ما سيكون رئيسا للوزراء، ولكن طموحه الملحوظ وتعطشه ليس فقط للسلطة بل لأعلى مراكزها دفعه لتكريس كل إمكانياته للوصول للحلم المرجو حيث لفت الأنظار إليه بأسلوبه وخطبه الرنانة التى جعلت بعض الإيطاليين يشبهونه بأوباما وتونى بلير، والبعض الأخر يرونه بيرلسكونى فى بداية حياته حينما كان يعمل من أجل إيطاليا قبل أن ينشغل بجمع الأموال والبحث عن الجميلات. وقد أرتفع نجم ماتيو رينزى مؤخرا حتى وصل لقمة سطوعه حينما طلب منه الرئيس الايطالى جيورجيو نابوليتانو أن يخلف أنريكو ليتا ويشكل الحكومة ليصبح بذلك اصغر رئيس وزراء فى تاريخ ايطاليا. وبالرغم من عدم امتلاك رينزى الخبرة الكافية لإدارة واحدة من آهم الدول الأوروبية وصاحبة ثالث أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو نظرا لأنه لم يشغل مناصب قيادية سوى عمدة مدينة فلورنس، لكنه اكتسب شعبية كبيرة من خلال ما عرف عنه من محاولات لتنقية اليسار من الوجوه الفاسدة داخله، إضافة إلى ضخ دماء جديدة فى السياسة بجانب رغبته فى الوصول بحزب اليسار لسدة الحكم. وبعد أن كلفه الرئيس الإيطالى برئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة استطاع رينزى الحصول على ثقة مجلس النواب الإيطالى بالحصول على 378 صوتا مؤيدا مقابل 220 صوتا رافضا وامتناع صوت واحد فى التصويت الذى تم مؤخرا حول برنامج الحكومة الجديد. وقد عرض رينزى برنامج حكومته الجديدة أمام مجلسى الشيوخ والنواب الإيطاليين باعتبار أن هذه الفرصة تعد الأخيرة من أجل خروج إيطاليا من مستنقع الفساد والأزمات والنهوض بها مرة أخرى، ولذلك وضع فى مقدمة برنامجه الحكومى إصلاح الاقتصاد ودعم الشركات والمصانع الصغيرة والمتوسطة، كما تضمنت خططه تخفيض الضرائب وإصلاح النظام الانتخابى وتعديل قوانين العمل وتوفير حزمة من فرص العمل للشباب فى أقرب وقت. ولد رينزى فى مدينة فلورانس عام 1975 و كان ترتيبه الثانى فى عائلة مكونة من أربعة أطفال، كان هو اقربهم لوالده عضو حزب يسار الوسط فى مجلس المدينة الذى زرع بداخله حب السياسة منذ نعومة أظافره. وقد درس رينزى القانون وتخرج فى جامعة فلورانس وما لبث أن بدأ مشواره السياسى مبكرا حيث التحق بحزب الشعب الايطالى عام 1996 ثم تم ترشيحه لمنصب رئيس مقاطعة فلورانس فى 2004 وفاز بنسبة 59% من أصوات الناخبين، وبعد خمس سنوات من رئاسة المقاطعة أعلن عن ترشحه ليكون عمدة المدينة، وفى 2009 أصبح عضوا فى الحزب الديمقراطى ثم فاز فى الانتخابات وأصبح عمدة فلورانس بنسبة 48% من أصوات الناخبين وفاز منافسه الأقوى جيوفانى جالى بنسبة 32% فقط من الأصوات . وبعد عام من فوزه بالانتخابات زادت شهرته بل وكانت نتائج الاستطلاعات تشير لزيادة شعبيته خاصة بعد تنظيمه لمؤتمر شعبى فى مدينة فلورانس بهدف مناقشة المشاكل والأزمات التى يواجهها الايطاليون ولكن من ناحية أخرى واجه رينزى انتقادات واسعة ولاذعة بعد أن أعلن من خلال المؤتمر انه سيطهر الحزب من الفاسدين والمفسدين, كما أعلن عن رغبته فى إقاله بعض أعضاء الحزب خاصة من هم من جيل سيلفيو بيرلسكونى وإحالتهم للتقاعد وذلك بهدف إحلال الدماء الشابة، مما جعل وسائل الإعلام تمنحه لقب «المدمر» وفى ديسمبر الماضى أعلن عن ترشحه للحصول على منصب أمين عام الحزب الديمقراطى وذلك من خلال انتخابات توقع المراقبون أن يقابلها الشارع بقدر من الفتور قبل أن تحدث المفاجأة و يتوافد ما يقرب من مليونى ونصف مليون ناخب إيطالى يساري، ليدلوا بأصواتهم لصالح رينزى فيفوز بنسبة 70% من الأصوات ليصبح زعيم الحزب الديمقراطى ومرشح يسار الوسط لرئاسة وزراء ايطاليا. وخلال الشهرين الماضيين أشارت عدة تقارير الى أن هناك مناوشات ومشادات بين رينزى ورئيس الوزراء السابق انريكو ليتا ومع تزايد الضغوط على ليتا خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادى وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لتتجاوز ال 40 % إضطر الأخير لتقديم استقالته بشكل إجبارى لينتهى دوره ويبدأ دور رينزى الذى يضع عليه الإيطاليون أمالا كبيرة فى التغيير الحقيقى ويرون فيه الفرصة الأخيرة للخروج بإيطاليا من أزمتها الطاحنة، الأمر الذى يجعل رينزى فى وضع لايحسد عليه لما سيتحمله من أعباء وتحديات ليست بالهينة خلال الفترة المقبلة.