لا أحد منا يرضى عن الإعلام المصري، ومع ذلك نتابعه.. ونناقش تأثيره فى المجتمع .. ونتساءل عن مصادر تمويله وآليات تشغيله والهيمنة عليه، واستعماله فى تشويه وعى الناس والتلاعب بمشاعرهم. ومع كل هذا الاهتمام والنقاش لا أحد منا يتحرك لتغيير أوضاع الإعلام والإعلاميين، حتى يمكن القول إن كل الأطراف، من حكومة ومواطنين وإعلاميين ومجتمع مدنى وخبراء فى الإعلام، قد تراضوا على حالة الفوضى القائمة، وأصبحوا يشاركون فيها بدرجة أو بأخرى، ومن مواقع مختلفة!!، ولكن من دون الإقدام على فعل محدد لإنقاذ الإعلام وحماية حقوق الجمهور والرأى العام. اكتفت الحكومة بالشكوى من أداء الإعلام وعدم تقديره للصالح العام وتحمّل المسئولية الاجتماعية، وانتقد أساتذة وخبراء الإعلام تدهور مستويات الأداء المهنى وتغييب مواثيق الشرف، وهيمنة رجال الأعمال وسطوة الإعلانات، وطرحوا أفكاراً إصلاحية كثيرة، لكن لا أحد يستجيب!!، أيضا بعض الإعلاميين يرتكبون أخطاء بعمد أو دون عمد، لكنهم يتعايشون معها ويمارسونها لأنهم يحصلون على دخول مرتفعة وشهرة بين الناس، والغريب أن هؤلاء ينتقدون أداء الإعلام وكأنهم ليسوا طرفا فاعلاً ومشاركاً فى فوضى الإعلام، والأغرب أن أغلبية الجمهور تستهلك ما يقدمه الإعلام وتصدقه، وترضى بمسرحة الأحداث وادعاءات النقل الفورى ومعايشة الواقع. طبعا سيقال إن حالة الرضا هى جزء من ظاهرة استسلام الحشود للميديا فى عصر الصورة والسماوات المفتوحة والعولمة، لكن هذا التفسير ليس صحيحاً، لأن الجمهور المصرى منقسم، ويعيش حالة من الصراع والاستقطاب، جعلته يتابع الميديا التى تؤكد قناعاته وميوله وتعمق فى الوقت ذاته انقسامه، فأغلبية الجمهور تتابع فقط الإعلام المؤيد لثورة 30 يونيو وخارطة الطريق، وأقلية مؤثرة تقاطع تقريباً الإعلام الرسمى والخاص ولا تصدق سوى «الجزيرة» وأخواتها!!، وبين المعسكرين ثمة معسكر ثالث يعانى أزمة ثقة فى كل ما يقدمه الإعلام - المؤيد والمعارض- عن الأحداث السياسية وبرامج الرأي، ويهرب من فائض المعلومات والآراء وتناقضها وتضاربها إلى عالم التسلية وبرامج المسابقات والطهو والمسلسلات. انقسامات الجمهور وتفتته هى نتاج للفوضى الإعلامية، وربما كان الانقسام والاستقطاب فى المجتمع أحد أسباب فوضى الإعلام وتحوله إلى منصات للصراع السياسى والاجتماعى على حساب المهنية واحترام حق الجمهور فى معرفة الحقائق والفصل الواضح بين الخبر والرأي، ومهما تكن علاقة التأثير المتبادل بين الانقسام والاستقطاب فى المجتمع وفوضى الإعلام فمن الضرورى التسليم بأن هناك قنوات عربية - فى مقدمتها الجزيرة وأخواتها - وقنوات أجنبية ناطقة بالعربية صارت فاعلاً محليا يؤثر أو يعمق من انقسامات المصريين ويهدد المصلحة الوطنية. إذاً الفوضى الإعلامية ليست فقط فى تراجع مستويات المهنية وانتهاك مواثيق الشرف الإعلامي، وإنما فى زيادة أدوار الفاعلين الإعلاميين الأجانب فى الجمهور المصري، وتراجع تأثير إعلام الدولة لمصلحة إعلام رجال الأعمال وشركات الإعلانات، والأخطر حالة سكوت الحكومة والنخبة والجمهور على الفوضى نفسها، مما يعمق منها ويسمح بانتشارها فى المجتمع، حيث يتعود الجميع على قبولها والتعايش معها. ولاشك أن استمرار هذه الفوضى يهدد مصلحة الوطن وعملية التحول الديمقراطي، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ما يتطلب تغطية إعلامية متوازنة وفرص متساوية فى الإعلام لكل المرشحين، لكن الخوف أن ينحاز الإعلام لمرشح أو فصيل سياسى على حساب بقية المرشحين، ويصبح لدينا إعلام الصوت الواحد أو إعلام بعين واحدة، وأظن أن الفوضى الإعلامية الحالية ترجح هذا السيناريو، حيث سيندفع إعلام رجال الأعمال للتقرب بدرجة أكبر لمن بيده السلطة أو التحيز لأكبر المرشحين قدرة على الإنفاق وشراء الإعلانات. باختصار لا يمكن ضمان نزاهة وشفافية مناخ الانتخابات وحصول الناخبين على معلومات دقيقة عن المرشحين وبرامجهم فى ظل الفوضى الإعلامية الحالية، وبالتالى لابد من تحرك رئيس الجمهورية وحكومة محلب بسرعة وحسم لتنظيم أوضاع الإعلام من هنا أقترح على الرئيس المؤقت والحكومة إصدار ثلاثة قوانين فقط ضرورية لتنظيم الإعلام والعمل بها، وهى :- 1- قانون بإلغاء وزارة الإعلام وتحويل صلاحياتها للمجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام المرئى والمسموع، كل فيما يخصه، وفى ضوء المهام والوظائف التى نص عليها الدستور. 2- قانون بتشكيل المجلس الأعلى للإعلام وهيئة الصحافة وهيئة الإعلام المرئى والمسموع، على أن تكون صلاحيات الهيئات الثلاث وتمويلها مؤقتة لمدة عام واحد، يقوم بعدها البرلمان المنتخب بمراجعة قانون تشكيلها وأساليب عملها، بما يضمن استقلالها عن السلطة التنفيذية. 3- قانون يطلق حق الإعلاميين فى تشكيل نقابات مستقلة تدافع عن مصالحهم وتمكنهم من التنظيم الذاتى للمهنة ووضع مواثيق شرف إعلامي، علما بأن هذه الخطوة تأخرت لأكثر من سبعة شهور، حيث نصت خارطة الطريق فى 3 يوليو على «وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن». فى الوقت نفسه يمكن لنقابة الصحفيين أن تقوم بتطوير ميثاق الشرف الحالى كى يتواءم مع التغيرات فى ملكية وإدارة الصحافة الورقية والالكترونية. إن دعوتى لسرعة التحرك لإيجاد هياكل تنظيمية وإشرافية على الإعلام قد تسمح بوقوع أخطاء لكن لا بديل عن هذه المحاولة من أجل الحفاظ على الأمن القومى وإنقاذ الإعلام من الفوضى وتحويله إلى إعلام مسئول ومشارك بنزاهة وشفافية فى الانتخابات القادمة. لمزيد من مقالات محمد شومان