تصاعد الحراك الشعبي فى العالم فى السنوات الأخيرة عبر موجات ثورية متتابعة اختتمت بثورات الربيع العربي وأصبحت الشعوب أكثر قوة وقدرة على فرض إرادتها والضغط من أجل تلبية مطالبها ما بين مناهضة العولمة والاحتكار بحثاً عن العدالة الاجتماعية أو تطلعا ً للمزيد من الحريات والديمقراطية الغائبة ,خاصة فى ظل ثورة الاتصالات التى أسهمت بشكل كبير فى تطوير أساليب الاحتجاج وانتقال عدوى الثورة والتغيير ورفع الوعى لدى الجماهير ..ولكن هل يصلح الشعب للحكم أم يكتفى بالضغط على السلطة؟ وكيف يحكم؟ ولماذا تتعثر الثورات ؟ وماهو دور حركات الضغط السياسي؟..أسئلة يحاول هذا التحقيق الإجابة عليها من وجهة نظر النخبة والسياسيين وشباب الثورة. فى البداية يوضح د. محمد عفيفي، استاذ ورئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة أن الشعب عادة ما يتولى الحكم من خلال الانتخابات فضلا عن وجود أحزاب سياسية إلا أن المشكلة التى واجهتها مصر وغيرها من دول الربيع العربي هى عدم وجود مجتمع مدنى قوى ونقابات وأحزاب قوية تستطيع أن تكون بديلا للأنظمة الديكتاتورية التى سقطت كى يمكن للشعب الحكم من خلالها ، مؤكدا أن فكرة الزعيم والقائد انتهت سياسياً منذ زمن بعيد وأن الثورة عموما تستغرق وقتا فى فرز أحزابها وقياداتها وأن سبب تأخر ذلك فى حالة مصر هو أنها لم تأخذ وقتها فى مرحلة انتقالية كافية تؤسس لما هو قادم. وأشار إلى أن المنطقة العربية من أكثر المناطق التى تأخرت فى تحقيق الديمقراطية مقارنة بمناطق آخرى ,الأمر الذى أدى إلى أن يكون رد الفعل بالشارع فى ثورات الربيع العربي كبيرا وعنيفا خاصة فى ظل عدم وجود قيادات تقود الجماهير، لافتا إلى أن شعار ثورة 25 يناير لا يختلف كثيرا عن أى حراك شعبي، فكل الشعوب تريد أن تجد قوتها وتعيش بكرامة وحرية فى ظل مناخ ديمقراطى، مؤكدا أن المصريين نجحوا كمعارضين فى لفت انظار العالم إليهم إلا أنهم وقفوا محلك سر و مازالوا حتى الآن غير قادرين على ترجمة ثورتهم إلى خطوات إيجابية للأمام لكون نجاح الثورة يتطلب تغيرات ثقافية واجتماعية كبيرة . ويرى عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكى أن قدرة الشعوب على اختيار حكامها وفرض رغباتها تزداد باستمرار عبر إجراء انتخابات دورية تحقق من خلالها الشعوب تداول السلطة إذا توافرت النزاهة والحرية والتعددية لتلك الانتخابات ، رافضا ما يتردد حول تحول الحراك الشعبي العربي إلى فوضي سياسية ، مؤكدا أن التاريخ علمنا أن الثورات كالحروب لها خسائرها ، مدللا على ذلك بكون الثورة الفرنسية استغرقت أكثر من 70 عاماً حتى استقرت، مطالباً بعدم التسرع فى الحكم على ثورات الربيع العربي خاصة أنها قامت ضد نظم حكم استبدادية استمرت لوقت طويل ، مشيرا إلى أن النظم الجديدة لم تتبلور بعد وأنها قد تستغرق وقتاً فى بناء تعددية حزبية واجتماعية تثمر فى النهاية نظاما سياسيا واجتماعيا جديدا. واعتبر أحمد بهاء الدين شعبان، منسق الجمعية الوطنية للتغيير , أن الثورة المصرية افتتحت عصر ثورات الجماهير الغفيرة وأسست لنمط جديد من الثورات والحراك الشعبي الذى شارك فيه الملايين ونجحوا فى إسقاط نظامين فى أقل من 3 سنوات وأنها بذلك اختلفت عن نماذج أخرى من الثورات مثل الثورة البلشفية التى اعتمدت على الحزب الشيوعى أو الثورة الكوبية التى قادها مجموعة من الثوار عبر حرب عصابات مستمرة ، مرجعا ما شهدته الألفية الثالثة من طفرة فى الوعى السياسي للشعوب إلى ثورة الاتصالات التى أدخلت السياسة إلى كل بيت بفضل أجيال الشباب، مشيرا إلى أن عولمة استغلال الطبقات الفقيرة فى المجتمعات بسبب تطبيق سياسات النيوليبرالية جعل الشعوب تعيش نفس الظروف خاصة فى دول العالم الثالث التى تحكمها نظم مستبدة فأتت الثورات فيها متقاربة، مؤكدا أن ثورات الشعوب يسهل القفز عليها وسرقتها من قوى الثورة المضادة والمنتفعين فى ظل عدم وجود تنظيم لطاقات الجماهير فى برامج واضحة وأحزاب سياسية قوية تعبر عن المصالح الوطنية تقود الحراك بالشارع. ويرى خالد المصرى، مدير المكتب الإعلامى لحركة 6 إبريل, أن الثورات رد فعل تلقائى بعد حراك مستمر يقوم به عدد محدود فى البداية سرعان ما يتضاعف مع الوقت بزيادة الوعى بالشارع كما حدث مع الحراك الذى استمر فى مصر من أول 2004 حتى قيام ثورة يناير، مشيرا إلى أن الثورة المصرية جاءت من شباب ليس وراءهم تنظيمات كبيرة وتصدرتها النخبة إلا أنها تعثرت لأن القوتين الأكثر تنظيما وهما الإخوان المسلمون والمؤسسة العسكرية تلاعبا بالثورة للسيطرة على السلطة على حد قوله عبر استغلال الاختلافات الفكرية والايدولوجية لتفتيت التكتل الشعبى فى محاولة لإعادة السيطرة على البلاد ، مؤكدا أن الشعب هو مصدر السلطات وهو من يقرر من يمثله، معتبرا أن ما أضر الثورة هو طمع بعض الكيانات والمؤسسات فى السلطة وليس عدم وجود قائد أو زعيم ، معولاً على دور حركات الضغط السياسي فى مواجهة النظام سياسياً وجماهيرياً وكشف انتهاكات وممارسات أى سلطة والمطالبة بإصلاحات مستمرة أو إسقاط النظم وتقديم البدائل . يتفق معه الناشط مصطفى شوقى، عضو مؤسس فى جبهة طريق الثورة، مؤكدا أن الموجات الثورية المتتالية في العالم ومرورا بما حدث بالربيع العربي يؤكد أن الثورة التي لا يستطيع أبناؤها انتزاع السلطة لا تستطيع في النهاية أن تحقق أيا من أهدافها، لأن شبكات المصالح والدولة العميقة التي قامت الثورة ضدها تصارع من أجل العودة لنفس الوضع القديم، والحل الوحيد لانتصار هذه الثورات هو قيام أبنائها ببناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي جديد ينحاز لهم ويمكنهم من تحقيق أهدافهم ومطالبهم التي خرجوا من أجلها عبر بلورة الحراك الشعبي في تنظيم سياسي عريض يعبر عن مصلحة الجماهير الثائرة وأنه بدون هذا التنظيم تعجز الثورة عن حسم معاركها المصيرية، وكلما استطاع هذا التنظيم أن يكون أكثر ديمقراطية وتعبيرا عن جماهيره لن تستطيع قوى الثورة المضادة هزيمته، وأن أشكال التنظيمات الشعبية الشبكية التي طورتها الجماهير جعلت قدرة أي سلطة على هزيمتها في منتهى الصعوبة خاصة فى ظل تكنولوجيا الاتصالات التى توفر للجميع وسيلة للمشاركة الديمقراطية في صنع القرار، وأصبحت وسيلة لأن يسمع العالم كله صوتك في لحظة، و الأداة الأهم لفضح فشل أو استبداد أي سلطة أو حكومة، إلا أنه يؤكد أن هذه الوسائل وحدها غير كافية أو قادرة على خلق التنظيم الشعبي الشبكي المطلوب لكونه يحتاج بناء قاعدة شعبية حقيقية مؤمنة بالقضية وقادرة على التضحية من أجلها. على جانب آخر يرى مصطفى السويسى، المتحدث باسم حركة تمرد أن الأصل في الديمقراطية أن يحكم الشعب ,إلا أن الأمر فى دول الربيع العربي مختلف من وجهة نظره , لأن المناخ الديمقراطي غير متوافر بشكل كامل ، مشيرا إلى أن الفقر والأمية عوامل تؤثر سلبا في العملية الديمقراطية وتتحكم في أصوات غالبية المصريين، ومؤكدا ضرورة بناء نظام اجتماعي واقتصادي يوفر لكل مواطن حقه في العمل والغذاء والتعليم والصحة حتى يصبح المواطن حر القرار دون أي مؤثرات خارجية تعتمد على اللعب باحتياجاته، معتبرا ما وصفه بنمطية الحركات الاحتجاجية في دول الربيع العربي التي أسقطت أنظمتها سببا لكونها لم تحسم مسألة السلطة من البداية, ويرى أن من قاموا بالثورة كان هدفهم الرئيسى هو إسقاط النظام دون التطرق للقضايا المجتمعية وكيفية حلها أو تقديم بدائل للنظام الساقط، ذلك فضلا عن الصراعات الداخلية للحركات السياسية وتجاهل إرادة الشعوب، مضيفا «لابد أن نضع في اعتبارنا أن الثورات التى اندلعت بالدول العربية كانت مدعومة من الخارج الذي يريد الهيمنة والسيطرة على الوطن العربي, ورغم إدراكنا أن الثورات العربية كانت ضرورة إلا أن موجات الاحتجاج المستمرة فيها مدعومة خارجيا لزعزعة الاستقرار وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يريد تقسيم الوطن العربي لدويلات صغيرة. كما يرى السويسي أن حركات الضغط السياسي لابد أن يكون لها رؤى سياسية مستقبلية و أن تسعى للوصول للحكم حتى تستطيع تطبيق شعاراتها ، محذرا من انشغالها بالهدم حيث ستلفظها الشعوب كما لفظت الحكام المستبدين .