أثارت تحذيرات السفر التى أصدرتها وزارة الخارجية الألمانية لمواطنيها منذ أيام وشملت لأول مرة المنتجعات السياحية فى سيناء مثل شرم الشيخ ودهب ونويبع لتصبح شبه الجزيرة بالكامل منطقة خطرة على أرواح السائحين الألمان، حالة كبيرة من الاستياء المفهوم فى مصر خاصة انها جاءت بشكل مفاجئ قبل أيام من بدء أكبر بورصة عالمية للسياحة فى برلين، كما أن دولا اوروبية عديدة حذت حذو ألمانيا ونصحت مواطنيها بمغادرة سيناء. غير ان الاتهامات التى يوجهها البعض للحكومة الألمانية بأنها تقصد ضرب السياحة المصرية فى مقتل، ليست منطقية فى ضوء التحول الملحوظ فى الموقف الألمانى الرسمى من مصر خلال الاسابيع الأخيرة وتحديدا بعد تشكيل حكومة المستشارة انجيلا ميركل الائتلافية الجديدة. وهو تحول ينعكس ليس فقط فى تصريحات كبار المسئولين الألمان من حزبى الائتلاف سواء حزب ميركل المحافظ او حزب وزير الخارجية شتاينماير الاشتراكي، وانما فى عودة النشاط الدبلوماسى وزيارات المسئولين بين القاهرةوبرلين بشكل ملموس فى الفترة الأخيرة. الشىء المؤكد هنا أن تحذيرات الخارجية الالمانية جاءت أيضا مفاجئة للألمان انفسهم سواء كانوا مسئولين سياسيين او عاملين بقطاع السياحة الالمانية. فليس من المنطقى ان تختار الحكومة الالمانية توقيت زيارة وفد برلمانى للقاهرة برئاسة أحد أبرز المسئولين الألمان المقربين للمستشارة انجيلا ميركل وهو فولكر كاودر رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المسيحى الديمقراطي، لتعلن عن هذا التحذير الذى تعلم انه سيثير غضبا كبيرا فى جميع الأوساط المصرية! وحقيقة الأمر ان التحذير الالمانى فاجأ ايضا الوفد الألمانى الموجود فى مصر لإجراء مباحثات مهمة مع كبار المسئولين وفى مقدمتهم المشير عبد الفتاح السيسي. ولكن ما حدث وفقا لخبير المانى قريب من الحكومة فى برلين يرغب فى عدم ذكر اسمه فى هذا السياق تحديدا، هو ان الحكومة الألمانية والتى كانت موجودة فى إسرائيل فى بداية الأسبوع الماضى بشكل كامل تقريبا بما فى ذلك وزراء الدفاع والداخلية وتحت رئاسة المستشارة انجيلا ميركل، تلقت هناك معلومات عن الوضع الأمنى فى سيناء واحتمال وقوع عمل ارهابى ما، فسارعت بناء على ذلك لإصدار هذا التحذير فور عودتها إلى المانيا! ورغم عدم وجود أى تصريح رسمى المانى يؤكد هذه المعلومات وان مصدر التحذير هى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية فإن ذلك ليس مستبعدا فى ضوء التعاون الوثيق والمعروف بين الأجهزة الاستخباراتية الغربية وبين برلين وتل أبيب تحديدا. أيا كانت الأسباب التى دفعت المانيا لهذا التحذير الذى تسبب فى إرباك القطاع السياحى المصرى والألمانى ايضا فإن عددا غير قليل من المعلقين والمحللين هنا لفتوا الانتباه إلى أن نصائح السفر الألمانية بالنسبة لمصر طالما اتسمت دوما بالاعتدال وعدم المبالغة رغم الاعتداءات الإرهابية التى طالت السائحين الأجانب فى الماضى وانه لابد من وجود ثمة تهديد حقيقى على ارواح السائحين فى سيناء وراء هذا التحذير! من ناحية اخرى اكدت تصريحات فولكر كاودر خلال زيارته للقاهرة بعد عودته لبرلين رغبة الحكومة الألمانية فى كسر السياسة الأوروبية المتحفظة فى التعامل مع مصر منذ عزل محمد مرسي. ولفتت لهجة كاودر المتفائلة بمستقبل مصر الأنظار هنا وركزت وسائل الإعلام على دعوته لألمانيا وأوروبا للاهتمام بالوضع فى مصر ودعمها من جديد بعد فترة توقف طويلة على حد تعبيره. وعادة ما يغلف المسئولون الألمان خلال زياراتهم لمصر تصريحاتهم بغلاف من المجاملة فى حين تتسم بالصراحة والمباشرة فى بلادهم.غير ان كاودر احتفظ بتفاؤله بعد عودته لبلاده ،حيث قال ان المانيا واوروبا شهدتا جدلا طويلا حول طبيعة عزل محمد مرسى فى الصيف الماضى ولكن هذا الجدل لن يقودنا إلى الأمام، فالمصريون الآن يريدون الأمن وتحسين وضعهم الاقتصادي. وقد اكد لى المشير السيسى ان مصر مهتمة للغاية بالتعاون مع المانيا وخاصة فى مجال التدريب وتأهيل الشباب المصرى الذى يحتاج إلى افق جديدة. واكد المسئول الألمانى للإعلام هنا بعد عودته من مصر ان لقاءه بالمشير السيسى الذى كان مقررا له 40 دقيقة امتد لساعتين وانه اى كاودر على قناعة بان الجيش المصرى يريد مصلحة مصر وأن السلطة ستعود للشعب المصرى بعد انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة. وأن المشير السيسى اكد له التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل وأن الجيش المصرى يحارب الإرهاب بكل حسم فى سيناء . وقال المسئول البارز انه تجنب التركيز على موضوع المصالحة فى مصر مؤكدا فقط انها لابد ان تبقى هدفا طويل المدى فى مصر ولكن الشرط الاساسى لها ان يتخلى الإخوان وانصارهم عن العنف وان تكون هناك رغبة من داخل المجتمع المصرى نفسه لهذه الخطوة. دعوة المسؤل الألمانى بدعم مصر ليس فقط سياسيا وانما ايضا اقتصاديا وفى مجال التدريب المهنى للشباب المصرى كما تحدث مع المشير السيسى تلقى بالفعل استجابة هنا من اصدقاء مصر فى المانيا. وفى مقدمة هؤلاء كلاوس براندنر الرئيس السابق للمجموعة البرلمانية الألمانية المصرية فى البوندساج الألمانى والذى تم انتخابه أخيرا رئيسا بالإجماع لاتحاد جديد تأسس منذ شهرين فى مدينة جوترزلوه هدفه فقط تأهيل تدريب الشباب المصرى ويحمل اسم «دعم التأهيل المهنى فى مصر». براندنر صرح بأن مفتاح نجاح مصر فى عملية التحول السياسى هى التوسع فى التأهيل المهنى للشباب وتوفير فرص العمل وإنعاش الاقتصاد .