منذ استقر "عباس خضر" (1973- ) الكاتب الألمانى الجنسية العراقى الأصل فى العام 2000 بألمانيا، وهو متفرغ لكتابة نصوص متميزة استطاعت أن توفر له منحاً عدة، وجوائز أدبية أحدثها جائزة "هيلدا دومين" لأدب المنفى لعام 2013 عن روايته "رسالة إلى جمهورية الباذنجان"، فضلاً عن جائزة "نيللى أزاكس" عن مجمل أعماله الأدبية، وهى الجائزة نفسها التى نالها من قبل كل من الألمانى "إلياس كانيتي" والجنوب أفريقية "نادين جورديمر" الحائزين على نوبل، والتشيكى "ميلان كونديرا". التقى "الأهرام" خضر فى أثناء وجوده بالقاهرة للإشراف على ورشة عمل بمعهد جوتة لتدريب مجموعة من الأدباء المصريين الشبان، بتمويل من بنك التعمير الألمانى ومؤسسة "ليفت رون لدعم الثقافة والأدب والترجمة": كيف ترى تأثير الأدباء العرب فى المهجر على الغرب؟ ليس كبيراً، إلا أن كثرا من الأدباء العرب الذين يكتبون بلغات أخرى كالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية لعبوا دورًا كبيرًا فى المجتمعات التى عاشوا فيها، وتحولوا إلى "سفراء" للثقافة العربية عبر نصوصهم الأدبية التى قدمت للحياة العربية أكثر مما قامت به السفارات العربية فى تلك البلاد. وبعدما كانت الصورة النمطية عن العالم العربى أنه مجرد مجتمعات متخلفة، يتنقل أهلها على ظهور "الجِمال"، يلمع المثقف العربى ويقدم أدباً وفكراً وحياةً، فينال إعجاب واهتمام واحترام القارئ الغربي. غادرت العراق عام 1996 بعد سنوات فى سجون "صدام حسين"، هل كان اعتقالك لأسباب سياسية؟ يمكننى القول إنه كان لأسباب ثقافية أكثر منها سياسية، إذ كنت فى الفصل الدراسى الأول بالجامعة -ولم أستكمله لاعتقالي-، ورأيت القتل المجانى وإهانة الإنسان، و"عسكرة" الدولة، وتخوين المخالفين لها، وهو ما كان بمثابة "نقمة" لشاب عاش ثورة 1991 ضد صدام، إذ قامت انتفاضة هائلة، سقطت فيها أغلب مدن العراق، ولم يكن العالم –آنذاك- مستعدًا لثورات فساعدوا صدام لإنهاء تلك الثورة، ولم أستوعب أن الثورة فشلت ولم تكتمل، وعبرت عن ذلك فاعتقلت. إلى أى مدى أثرت تجربة الاعتقال على كتاباتك؟ تأثرت كتاباتى إلى حد كبير بالتجربة، وكتبت رواية "برتقالات الرئيس" المنشورة فى 2011، التى تندرج تحت عنوان "أدب السجون"، إذ يدور النص فى السجن وينتهى مع ثورة 1991. وبعد مرور كل هذه السنوات أشعر بسعادة لأنى استطعت التعامل أدبياً مع المعاناة التى لقيتها فى المعتقل (1993 – 1995)، وهى التجربة التى واجهتها بالصمت لنسيان الصعقات الكهربائية، والصفعات بالعصي. وساعدتنى اللغة الألمانية -لأنها ليست لغتى الأم- على تجاوز الآلام لحظة الكتابة، لأقوم بتحطيم جدران سجنى لغويًا، محاولاً إعادة صياغة الحياة وما فيها من بشاعة بالجمال. وصف أحد النقاد الألمان كتاباتك بأنها مزيج من التراجيديا والكوميديا، فلماذا لجأت إلى ذلك الشكل؟ لم يكن لدى إلا خياران، أولهما: الكتابة بغضب عن المعتقلات والتعذيب لاعناً الزمن بوصفه وحشاً كاسراً، أو الكتابة بسخرية من الزمن أو التاريخ نفسه، وتحويله إلى "أراجوز"، وهو ما اخترته. أما التراجيديا فإنها تبزغ من كتابتى عن المهمشين، الذين أعرفهم لأننى منهم، وهو ما أراه واجبى التاريخى كروائى عليه التوثيق لزمنه وشخوصه، وأن يكتب فى الوقت نفسه عملاً روائياً جميلاً؛ لأن الأديب -فى رأيي- مدون تاريخ بطريقة جديدة، والأدب "فضيحة" ليست اجتماعية، بل فضيحة "تاريخية" إنسانية بالدرجة الأولى. ما المحاور الأساسية التى تبنى عليها أعمالك الروائية؟ أكتب عن السجون لأننى دخلتها 11 مرة، وعن رحلات الهروب غير القانونية التى استغرقت 4 أعوام من حياتى –ما بين ليبيا وتونس وتركيا-، وعن المنفى الذى أعيشه منذ 20 عاماً، وتواجهنى فيه إشكاليات الحب والعلاقات الإنسانية المعقدة بين ثقافتين. إننى أعيش يومى متأثراً برموز الأدب الألمانى أمثال: "توماس مان" و"نيتشه" و"كافكا" و"بروتلد بريشت" وغيرهم، ومتشبعاً بتراث عربى عظيم قدم المبدعين ما بين "الجاحظ" و"نجيب محفوظ"، ولذا جاءت كتابتى مزيجاً بينهما قدمته فى روايتى الأولى "الهندى المزيف" الذى جاء نصاً مشبعاً بالمقامات العربية، مختلطاً بروح أدب رحلات العصر الروماني، فى شكل رواية حديثة عن المهاجرين بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فى ثمانية فصول تسرد قصة واحدة بطرق مختلفة، تبدأ ببغداد وتنتهى بألمانيا. قال الناقد الألمانى "يانس جيسين": "لو اتبع الكُتاب الألمان نهج "خضر" فى البناء الموسيقى للغة الألمانية؛ لأصبح الأدب الألمانى أكثر ثراءً"، كيف تحقق ذلك مع لغتك الثانية؟ ربما لأن كتابتى للرواية تتدثر بالشعر فى التكثيف والصور الجمالية، وإن كنت أرى أن ثقافة لغتى العربية تتحرك بداخلى مثل كرات الدم البيضاء والحمراء فى أوردة اللغة الألمانية، ليخرج النص فى صورة مختلفة، حيث أعمل على لغتين وبلاغتين، فيأتى النص مختلفًا عن السائد فى الألمانية، لهذا أشكر اللغة العربية لأنى لولاها ما استطعت الكتابة بهذه الطريقة. وماذا عن جديد إبداعك وترجمة أعمالك للعربية؟ بدأت التخطيط لمشروعات العودة إلى العالم العربى مع الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، وقد التقيت أخيراً أحد الناشرين المصريين لترجمة "برتقالات الرئيس"، التى تتناول السجن والثورات. وأعد الآن لعمل روائي، ربما يكون القادم أو الذى بعده، عن الحركة الطلابية فى مصر فى فترة السبعينيات، وارتباطها بالحاضر، وبالحركة النسوية والثورية فى مصر، وتأثير ذلك على العالم العربي.