رغم أن المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ستتوجه بعد غد الإثنين إلى إسرائيل على رأس وفد رسمى كبير يضم معظم وزراء حكومتها للمشاركة فى المشاورات الحكومية السنوية بين البلدين، فإن العلاقات بين البلدين بلغت منحنى صعبا وسط توتر غير مسبوق بين برلين وتل ابيب، ليس فقط بسبب إصرار حكومة نيتانياهو على سياسة الاستيطان الاسرائيلية، بل توجد مؤشرات على ان برلين سئمت العجرفة الاسرائيلية وتذكيرها الدائم بمسئوليتها الخاصة تجاه إسرائيل! لاتزال كلمات وخطابات وتصريحات المسئولين الألمان على جميع المستويات تلتزم بأمن إسرائيل إنطلاقا من العلاقة الخاصة بين البلدين بسبب مسئولية المانيا التاريخية عن جرائم الهولوكست إلخ غير انه لم يعد سرا ان اللقاءات بين المسئولين الألمان ونظرائهم الإسرائيليين خلف الأبواب المغلقة اصبحت صعبة للغاية بل وتتطور فى بعض الأحيان إلى مشادات حادة كما حدث فى المكالمة الشهيرة بين المستشارة ميركل ورئيس الوزراء نتانياهو قبل عامين عندما لامها الأخير على تأييد بلادها لقرار من مجلس الأمن يدين الإستيطان الإسرائيلى فى حين طالبته هى بتقديم تنازلات للفلسطينيين لتحريك عملية السلام. وقد فوجئ وزير الخارجية الالمانى شتاينماير خلال زيارته لإسرائيل الشهر الماضى للتمهيد لعقد هذه المشاورات رفيعة المستوى بنظيره ليبرمان يقرأ عليه قائمة بالشكاوى الإسرائيلية من السياسة الألمانية تجاه بلاده بل ويتهم برلين بأنها تختبئ خلف الإتحاد الأوروبى ولا تتخذ خطا واضحا داعما لإسرائيل معبرا عن إحباطه من ألمانيا كشريك وثيق لبلاده. وطالب ليبرمان من شتاينماير صراحة بأن تعارض برلين اى طلبات فلسطينية تقدم ضد مصلحة إسرائيل فى المنظمات الدولية، معبرا عن إستيائه ايضا من إمتناع المانيا عن التصويت عندما منحت الأممالمتحدةفلسطين «صفة مراقب» فى المنظمة الدولية، كما تؤكد مجلة دير شبيجل. وقد اعتبرت الحكومة الإسرائيلية هذا الموقف الألمانى صفعة غير مسبوقة من برلين وإنقلابا فى الموقف الالمانى الذى تعتبره تل ابيب صمام الأمان لها داخل الإتحاد الأوروبي. والآن تتوجه ميركل لإسرائيل على مضض وسط اجواء التوتر التى تحيط بهذه المشاورات فالمستشارة لا تزال تتهم حكومة نيتانياهو بانها غير راغبة فى إحراز اى تقدم فى مفاوضات السلام مع الفلسطينيين التى ترعاها واشنطن وترغب المستشارة فى انتهاج سياسة جديدة بما فى ذلك ممارسة الضغوط من خلال مشروعات التعاون والدعم العلمى والإقتصادى والعسكرى بين البلدين فى حين تصر حكومة نيتانياهو على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإبقاء العلاقات الألمانية الإسرائيلية على ما كانت عليه طيلة العقود الماضية وفقا لمفهوم "العلاقة الخاصة" اى دعم المانى غير محدود فى جميع المجالات وبدون اى مطالب او شروط! ويزيد من التوتر تلك المخاوف الإسرائيلية المتزايدة من حملة المقاطعة الفلسطينية الأوروبية والدولية للشركات والمؤسسات الإسرائيلية التى تتعامل مع الاستيطان وتدعمه فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة وإحتمال التعرض لعقوبات أوروبية إذا فشلت جهود السلام الجارية حاليا خاصة ان المانيا تتبنى هذا الموقف. وقد تطول العقوبات إتفاقية الشراكة مع إسرائيل التى تمنح الشركات الإسرائيلية امتيازات خاصة لدخول السوق الأوروبية وقد تؤدى لخسائر بالمليارات بما ان الأتحاد الأوربى هو اهم شريك تجارى لها. وجاء قرار مصرف "دويتشه بنك" بوضع بنك "هبوعليم" الإسرائيلى على القائمة السوداء ليؤكد هذه المخاوف. كذلك نشبت ازمة بين البلدين قبل بدء هذه المشاورات الحكومية، سببها إشتراط ألمانيا لتوقيع اتفاقية تعاون علمى مع إسرائيل وتقديم الدعم المالى لمؤسسات البحث العلمى ولشركات قطاع المعلومات عالية التقنية "هايتك"، ان يتم إدخال بند فى الاتفاقية يمنع الشركات الموجودة فى مستوطنات الضفة الغربيةوالقدس من الحصول على هبات أو أى دعم من الحكومة الألمانية.وقد إعتبرت الحكومة الإسرائيلية ذلك الموقف تصعيدا المانيا جديدا ضدها لاجبارها على التخلى عن سياسة الاستيطان، خاصة ان المانيا تحديدا تقدم دعما ماليا طائلا كل عام لمؤسسات البحث العلمى والشركات الاسرائيلية وقد يفتح ذلك الباب لدول أوروبية اخرى لاتخاذ خطوات مماثلة. ومن جانبه استبق نيتانياهو زيارة ميركل ووفدها الحكومى بتصريحات عدائية فى القدس امام ممثلى منظمات امريكية يهودية عندما وصف مؤيدى دعوات المقاطعة الأوروبية ضد الشركات والجامعات الإسرائيلية بأنهم معادون تقليديون للسامية فى ثياب جديدة! كما أسهم الموقف الذى تعرض له رئيس البرلمان الأوروبي- الألماني- مارتن شولتس فى الكنيست الإسرائيلى الأسبوع الماضى فى تعكير الاجواء اكثر، حيث وصفت بعض وسائل الإعلام الألمانية «العجرفة الاسرائيلية» بأنها بلغت حدا لا يطاق بحيث انها لم تعد تطيق سوى سماع كلمات التأييد والدعم والثناء دون اى انتقادات!" فى إشارة لإنسحاب وزير الإقتصاد الإسرائيلى واعضاء حزب البيت اليهودى اليمينى من الكنيست وهجومهم الحاد على شولتس واتهامه بالكذب بسبب جرأته على الحديث عن توزيع المياه غير العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومطالبته بإنهاء الحصار الإسرائيلى على غزة. غير ان الإستياء الألمانى من سياسة الإستيطان وعدم تقبل «الشريك» الإسرائيلى لأى انتقادات المانية ليست هى وحدها اسباب الخلاف. فهناك ايضا شعور إسرائيلى قوى بأن التغيير السلبى الملموس فى الرأى العام الألمانى تجاه إسرائيل ينعكس تدريجيا على سياسة الحكومة الألمانية التى تعيد - ولو ببطء - تقييم علاقتها مع إسرائيل. وقد اشارت إلى ذلك صحف إسرائيلية مثل معاريف التى كتبت أخيرا ان نتانياهو نجح فى تصديع علاقة بلاده بالمانيا آخر صديق لإسرائيل داخل الأتحاد الأوروبى والتى يبدو انها تريد وضح حد لورقة الضغط الإسرائيلية الدائمة عليها والمسماة "العلاقة الخاصة " لذا فإن علاقة برلين فى المستقبل بتل ابيب ستقوم على المصالح فقط مع الإحتفظ باللهجة الرسمية المعسولة فى التأكيد على مسئولية المانيا التاريخية تجاه إسرائيل. وبالنسبة لمراسل صحيفة يديعوت احرونوت فى برلين، إلداد بيك فإن هذا التحول بدأ منذ سنوات فقد لاحظ المراسل ان السنوات الماضية شهدت محاولات من مسئولين داخل مستشارية ميركل لتقويض العلاقة الخاصة بين البلدين بهدف تحرير المانيا من مسئوليتها التاريخية عن الهولوكوست. وقد جاء ذلك فى سياق انتقاده للزيارة التى قام بها الحاخام اليهودى إسرائيل دوفيد فايس المتحدث باسم طائفة ناطورى كار للمستشارية الألمانية ولقاؤه بمسئول المانى بارز فى 27 يناير الماضى اى فى الذكرى السنوية للهولوكوست. وقد اثارت هذه الزيارة ضجة فى الأوساط الإسرائيلية لأن هذه الطائفة ترفض الصهيونية وتعارض وجود دولة إسرائيل وتعتبر ان الهولوكست هو عقاب الهي! وقد صاحب الحاخام فى الزيارة الصحفى الالمانى المتخصص فى الشرق الأوسط كريستوف هورستل والذى ينتقد إلتزام المانيا التاريخى تجاه إسرائيل ويصف هذه المسئولية الألمانية عن امن وبقاء إسرائيل بأنها هراء سياسي! وقد طلبت السفارة الإسرائيلية فى برلين من المستشارية توضيحا عن أسباب هذه الزيارة!