من اغرب الحاجات اللى ممكن كان الواحد يلاقيها فى وسط المثقفين هى العجز عن المرح البريء غير المصطنع، المرح الطفولى العبيط واللى أهميته فى انه عبيط، كانوا لازم عشان يضحكوا يبقى ضحكهم جوه المشروع، جوه الصورة اللى بيقدموها عن نفسهم، ولذلك مرحهم كان مزيفا وعصبيا وغير مشبع لأى حد، ماهو مش معقول يبقوا مثقفين ويضحكوا زى بقية الناس، لازم يطعموا الضحك بألعاب لغة ورمى كلام وحتة مرارة تدى للمرح عمق0 بس الواحد بيكتشف ان العجز عن المرح جزء من تركيبة النخبة بصفة عامة، المرح كقدرة انك تضحك على أخطائك، انك ما تشوفش نفسك مهم قوي، انك تتفهم ان الحياة مش معمولة لاهلك، ولا انت تعنيها أصلا، وبالتالى تفهم ان اللى ييجى منها أحسن منها، المرح اللى يخلى بينك وبين الحياة نفسها مسافة شك دمها خفيف تحررك ، ويمكن تخليك تفكر بشكل أكثر جرأة وقت اللزوم0 قبل المرح طبعا فى حاجة اسمها الاحساس بالرضا، الاحساس ده أكثر عنادا وصلابة من أى مقاومة إذا كان محطوطا فى مكانه، مكان استعادة الثقة بالنفس مش من طريق الغرور إنما من طريق فهم الحدود الممكنة وتحريكها ولو خطوة قدام0 عشان كدة مهما حصل فى أحداث التلات سنين دول انا باحس ان أسوأ ما فيه اليأس المثقف (اللى فى حقيقته طفولي)، أسوأ ما فيه عدم الرضا٫ أسوأ ما فيه العجز عن السخرية من النفس بشكل غير سوداوي، أسوأ ما فيه العجز عن المرح اللى بيكسر تصديقنا المجانى للخسارة، وعلى فكرة دى مش مثاليات، اللى بيحصل خلال التلات سنين هو المثاليات وللأسف مثاليات مريضة بنفس أمراض النخبة تربية العهد اللى فات وابنه غير الشرعي0
مفهوم جداً تعاطف (الثوار) مع الإسلاميين خاصة بعد 30 يونيو، مش لان دول ودول ضد الاستبداد، إنما لان الاتنين من بطن فكرة واحدة: انك ممكن تشتق العالم من اللغة، من الكلمات (الميدان، الفلول، الثورة، القصاص، حكم العسكر، الدولة العميقة، الشرعية000) لغة ما بتوصفش إنما بتنحاز لخيالاتها وتعريفاتها الجاهزة، وبالتالى ماهياش وسيط بينك وبين العالم دى هى العالم نفسه0 من هنا يبدأ الجنون بالمعنى الحرفى للكلمة0
فى بلادى لا يمنع الناس من الحب، ولكنهم يحرمون من البصيرة.لهذا يشعر المحبون بالعار دائما، كمن تلطخ بالوحل. وهو ما يضاعف عزلتهم كلما أرادوا أن يكسروها. اللى بيحب الموسيقى فعلا مش هو اللى بيسمعها كويس، اللى بيحب الموسيقى فعلا هو اللى بيحط نفسه مكان الآلة، وينسى ولو للحظات قدرته على الكلام0
هل يعنى ذلك أن مشكلة المجتمع «ثقافية»؟ لا بالطبع، ولا يمكن تلخيصها بهذه السذاجة. بل يعنى أن العجز عن توصيف مشاكل المجتمع (وهو الخطوة الضرورية لأى حوار ، والسابقة على اكتشاف أى حل) هو بسبب غياب الأرض المشتركة، والمعرفة اللازمة لها، أو على الأقل هذا أحد أسبابه الجوهرية. أثبتت الأيام أن خبرة الدم، خبرة التضحية فى أشد صورها اكتمالا، لاتترك وراءها إلا الصمت المرّ والمزيد من الشعور بالعجز والشك فى كل شيء. لأن التضحية بالحياة بدلا من أن تضع المشكلة فى إطارها الموضوعي، تحرق الأرض التى يقع عليها الخلاف، تجعل من دمها برهانا وحيدا على الحقيقة، وهو برهان، رغم نبله، يورطنا أخلاقيا فى دعمه، أى فى دعم انتحاريته، بدلا من أن يدعونا للنقاش ليحيا ونحيا معه.»..
الفراغ خلق منى شاعرا، فقد كان لدى الوقت الكافى لأبحث فى القاموس عن كلمات متنافرة ألصق إحداها بالأخرى. مثلا أكتب: «سحابة النوم»، «عربة الروح المجنونة»، «الألم الترابى الكئيب». مجموعة أسطر على تلك الشاكلة أعطتنى حضورا مميزا لدى أشخاص مثلي، بعضهم سبقنى بمراحل، بنوا حياتهم على قاموس من الكلمات المتنافرة. لم يمانع أبى فى نشاطى الجديد، وربما وجد فيه فرصة لكى أنزل عن حجره، ويكف عن أرجحة قدمه، فقد بدا في آخر حياته منهكا، ولم يعد يقول «هوبااا، هوبااا» إلا بصوت واهن، بينما كان صوتى قد بدأ يرتفع، وسبابتى تحذر من أشياء وهمية. فالفراغ يخلق إحساسا حادا بالكرامة، أو بمعنى أصح بالإهانة، حتى لو تمثلت الإهانة فى الارتطام برجل مائدة أو كرسي. تصورى عن العدالة بدا حازما ونهائيا. لذلك لم أتقبل الألم أبدا. هكذا رحت أتخيله فى قصائد (هكذا كانوا يسمونها) وأطارده بلا رحمة.. فى جماعتنا تعنى الكلمات المتنافرة نوعا من التحدي، نوعا من إلصاق الإهانة بالوضع الإنسانى كله. رغم أننا لم نناقش أبدا هذا الوضع الإنساني، ولا نعرف منه إلا القليل جدا. أيام التدريس جالى مرة تصحيح ومراقبة خارج اسكندرية0 انا أصلا كنت باكره الاتنين عمى فما بالك والحكاية فيها سفر وبهدلة؟ سالت واحد زميلنا لو مش، عايز أروح اعمل ايه؟ قال لى تسافر طنطا مش عارف مكتب ايه وتقدم اعتذار وعلى فكرة ممكن ما يتقبلش0 قلت له طب لو ما رحتش خالص؟ قال لا دى فيها خمس سنين حرمان من أعمال الامتحانات وخصم نص شهر0 فكرت ، قلت خمس سنين حرمان من أعمال الامتحانات تبقى جت منهم خير وبركة، وخصم نص. شهر انا أصلا كنت ح ادفع قده مرتين سفر رايح جاي0 توكلت على الله وما رحتش ولا اعتذرت0 وقعدت مستنى اليوم اللى ح يجينى فيه التحقيق0 أسبوع اتنين تلاتة لحد ما نسيت0 بعد شهر من بداية السنة الجديدة لقيت واحد زميلى بيقول لي: مبروك00 جالك حوافز مميزة000 آه والله حوافز مميزة0 الخلاصة: مصر أم الدنيا شاعر