هل أخطأت الجامعة العربية فى ليبيا وهل هى التى استدعت حلف الناتو للتدخل العسكرى إبان ثورة الشعب الليبى فى السابع عشر من فبراير 2011 ؟ لم يتوقف الجدل بشأن مسئولية الجامعة العربية عن التدخل الغربى المتمثل فى حلف الناتو بالرغم من مرور ثلاث سنوات إفريقيا فثمة دوائر عربية لاتزال تتهم الجامعة بأنها كانت السبب المباشر للتدخل الأجنبى فى هذه الدولة وتعتبر أنها بذلك سنت سابقة فى التاريخ العربى المعاصر يمكن أن تستغل كبوابة للدور الخارجى فى إسقاط النظم العربية . وقبل أيام طرح هذا السؤال على الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية على الرغم من أنه لم يكن يتولى هذا المنصب فى وقت اندلاع الثورة وإنما كان يتولى حقيبة الخارجية. فجاءت إجابته مفندة لهذا الاتهام مستندا فى ذلك الى كونه واحدا من كبار المتخصصيين العرب فى القانون الدولي،موضحا أن الجامعة لم تقم باستدعاء حلف الناتو للتدخل فى ليبيا ولكنها رأت أن نظام القذافى آنذاك أخذ فى الرد على الثوار بعنف مفرط مستخدما فى ذلك الطائرات وأوشك أن يجهض الثورة خاصة فى مهدها ببنى غازى بعد أن اقتربت كتائبه المتوحشة من المدينة وكادت أن تقوم بمذبحة ضد ثوارها وشعبها فبادرت الجامعة العربية الى التقدم الى مجلس الأمن بضرورة الإٍسراع الى فرض منطقة حظر جوى على ليبيا ولكن المجلس طور الأمر الى التدخل العسكرى وهو تحقق بالفعل. ويكشف العربي أن التصويت داخل مجلس الجامعة العربية الذى عقد اجتماعا طارئا فى هذه الفترة لمناقشة الوضع فى ليبيا لم يكن سهلا بل كان شديد الصعوبة وهو شخصيا وافق كوزير لخارجية مصر على هذا الأمر بعد أن أبدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك تخوفا من هذا التطور وفى الحقيقة الكلام للعربى - كانت الموافقة حول فرض حظر جوى فقط. ووفقا لدراسة أكاديمية فإن موقف الجامعة العربية من الأزمة الليبية غير مسبوق لخروجها المفاجئ عن نهجها المألوف، حيث شكل هذا الموقف استثناء فى مثل هذه الحالات، خاصة أنه أعقب موقفها الحيادى السلبى من أحداث ثورتى تونس ومصر فقد جاء موقفها نقطة تحول مهمة، حيث تعاطت الجامعة بإيجابية واضحة مع الأزمة الليبية منذ بدايتها. ويمكن تفسير موقف الجامعة من الثورة فى ليبيا استنادا الى عدة اعتبارات، أهمها: حرص الجامعة على اتخاذ موقف إيجابى بالانحياز المبكر إلى جانب الثوار، تداركا منها لموقفها السلبى إزاء ما حدث فى تونس ومصر، بالإضافة إلى إدراكها أن المعطيات الدولية تشير إلى وجود توافق دولى بخصوص التدخل الخارجى لفض النزاع، وأن قرارا دوليا سيصدر عن قريب معلنا فرض التدخل الأجنبى لإسقاط النظام القائم، وإن كان تحت ذريعة حماية الشعب الليبي، فلم تجد الجامعة بدّا من اتخاذ هذا الموقف. ومما سهل موقف الجامعة بهذا الخصوص، علاقات ليبيا الرسمية السيئة مع عدد من الدول العربية لاسيما دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك فقد شهد الاجتماع الطارئ انقساما حادا حول تحديد القرار، حيث تزعمت دول مجلس التعاون الخليجى تيار الموافقة، فيما رفضت الجزائر وسوريا والسودان واليمن، وخرج هذا الجمع فى آخر المطاف بالموافقة على فرض الحظر على ليبيا. كما قرر وزراء الخارجية العرب تقديم المساعدات العاجلة للشعب الليبى عونا لهم على الصمود فى وجه الإعتداءات التى يتعرضون لها، وفتح قنوات اتصال مع المجلس الوطنى الانتقالى الليبي. و لاشك أن الموقف الذى اتخذته الجامعة بشأن الحظر الجوى اتسم بالتوافق إلى حد كبير مع المطلب العربى الشعبي، حيث تظاهر مئات المواطنين العرب امام مقر جامعة الدول العربية قبيل وخلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، لمطالبة المجتمع الدولى بفرض حظر جوى على ليبيا، كما أن المتظاهرين والثوار فى ليبيا لم يكن موقفهم مخالفا لباقى جمهور العرب فى مختلف الدول، بل كانوا يرددون هتافات تطالب بالتدخل الأجنبى الفورى لتحريرهم من رصاص نظام القذافى.