تظل «الرقابة» كلمة سيئة السمعة يكرهها معظم المبدعين، فالبعض يرفض وجودها أصلا، ويرى أنها فكرة عفا عليها الزمن، خصوصا فى ظل التطور التكنولوجى الذى تشهده صناعة الفنون، وهناك من يطالب بتقنينها، وتغيير آليات عملها وشكلها، ووضع قانون جديد يتناسب مع التطورات التى تشهدها صناعة السينما، على أن يصنف القانون الأعمال الفنية حسب «الفئة العمرية». تزايدت هذه الأصوات فى ظل الأزمات المتكررة التى تواجه جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، والذى شهد فى الأيام الأخيرة أكثر من أزمة، وصدامات مع بعض المبدعين، رغم أن من يتولى مسئولية الرقابة مخرج سينمائى، وأيضا أستاذ الإخراج بالمعهد العالى للسينما، وهو الدكتور أحمد عواض، ولذا فإن عليه واجب الانتصار لحرية الإبداع، أو على الأقل الوقوف فى صف المبدع، أو حتى صنع مواءمات ينتصر فيها للفن.
حروب داخلية وقضايا شائكة
يبدو أن رئيس الرقابة الدكتور أحمد عواض، والمنتدب للعمل كرئيس للجهاز لفترة مؤقتة، إلى جانب عمله فى المعهد العالي للسينما، يخوض حروباً داخلية، تتمثل فى تسريب تقارير من داخل الرقابة، وخارجية تتعلق بوجود أفلام تتناول قضايا حساسة تكسر التابوهات، سواء فى الجنس أو الدين أو السياسة. وبدأت أزمات جهاز الرقابة مع فيلم «أسرار عائلية»، للمخرج هانى فوزى، وهو الفيلم الذى يتناول قضية «المثلية الجنسية»، والذى خاض صناعه حرباً شرسة، ضد تعنت الرقابة التى كانت تطالبهم بحذف 13 مشهداً كاملاً من الفيلم رغم أن الفيلم شديد الأخلاقية، ويحمل فى مضمونه أسلوباً تعليمياً نفسياً لتجاوز مثل هذه الأزمة، والتى رآى الفيلم أنها قد تحدث بسبب مشاكل نفسية ووصولاً إلى فيلم «الملحد»، الذى يتناول قضية الإلحاد، وانتشارها، وقد أثار الفيلم جدلاً واسعاً لتناوله فكرة الإلحاد فى ظل الظروف التى تمر بها المنطقة وحالة الانقسام التي تشهدها المجتمعات العربية وحالة الجدل المجتمعى حول هذه الأفكار. ويعد «الملحد» أول فيلم سينمائى عربى يتناول بشكل مباشر قضية الإلحاد التي تتسم بحساسية شديدة فى المجتمعات العربية والإسلامية، وقد أصرت الرقابة على حذف جملة جاءت على لسان أحد أبطال الفيلم قال فيها، «أنا ملحد، النظام الإلهى لا يوجد به أى نوع من أنواع المصداقية ولا العدل ولا الرحمة، ، وكان الحذف شرطا للتصريح «التصريح بعرض الفيلم تحت لافتة للكبار فقط، وتلك الواقعة أدت إلى تأجيل عرض الفيلم الذي كان مقرراً هذا الأسبوع. المدهش أن فيلم «للحب قصة أخيرة» للنجم يحيى الفخرانى، والمخرج المبدع، رأفت الميهى، الذي أنتج عام 1985، قد تعرض لأزمة مشابهة، حيث اعترضت الرقابة على مونولوج طويل للبطل كان يخاطب فيه «الله»، وهو ما اعتبره البعض تجديفا، كما رفعت أيضاً قضايا ضد الفيلم، كما تواجه الرقابة أيضاً أزمة تسريب تقارير رقابية عن فيلم «حلاوة روح» للفنانة هيفاء وهبى، حيث فوجئ رئيس الرقابة بنشر كل الاعتراضات الرقابية على فيلم هيفاء وهبى، سواء فى الجمل الحوارية أو المشاهد، وهو ما جعله يعلن أنه سيجرى تحقيقا داخليا موسعا داخل الرقابة ليعرف من المسئول عن تسريب تلك التقارير، حيث كانت الرقابة لاتزال تناقش وتتفاوض مع صناع العمل من أجل الوصول إلى حل وسط، بعد أن كانت تطالب بحذف عدد كبير من المشاهد، والجمل الحوارية التى تحمل «سباب وشتيمة»، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن هناك تقريرا آخر تم تسريبه من داخل الرقابة بغرض الضرب فى رئيسها، حيث تم تسريب تقرير يؤكد أن عواض أجاز أغنية للشاعر أمين حداد، تحمل هجوما على الجيش والشرطة بعنوان «الدببة والدباديب» رغم رفض الرقباء لها ورد عواض، إن الأغنية لا يوجد بها أي إساءة للجيش أو الشرطة كما تم تأويلها وفهمها لدى البعض، وتم رفضها من قبل الرقيب السابق ولكنه يراها في إطار «الإبداع والتعبير عن الرأي»، كما أكد أن الحرية مكفولة لكل مبدع فى التعبير عن رأيه، وهو ما جعل بعض العاملين فى الرقابة يتهمون رئيسها بأنه يكيل بمكيالين، ويصرح بأعمال طبقا لأهوائه ويتعنت ضد أعمال أخرى دون أسباب. حدود دور الرقيب
وحول أزمات الرقابة المتكررة، يعلق المخرج عمرو سلامة، الذى تعرض فيلمه «لا مؤاخذة» إلى تعنت رقابى أيضا، وتم رفض السيناريو أكثر من مرة لأنه يتناول قضية الفتنة الطائفية بشكل ساخر، يقول سلامة، إنه تعرض لأزمات رقابية فى الفترة التى كان يتولى فيها رئاسة الرقابة الدكتور سيد خطاب، الذي كان يطالبهم بتغيير السيناريو كاملا، ولكن بعد عرض الفيلم على لجنة التظلمات تمت إجازته ، ويؤكد عمرو أن فكرة الرقابة هى فكرة «بائسة»، ولا يقبلها عقل أو منطق في ظل التطورات التكنولوجية الرهيبة التى تشهدها صناعة السينما، ويري أنها ستنقرض وتتآكل ذاتيا ويرى أيضاً الكاتب وحيد حامد _ الذى سبق أن تعرض لأزمات كثيرة مع الرقابة أشهرها أزمة فيلمه البرئ- أن من يطالبون بإلغاء الرقابة مخطئون، فنحن لسنا ملائكة،فهى موجودة للترشيد وليس للمصادرة، وبالنسبة للأفلام السياسية فكانت الجهات السيادية العليا فى الدولة كما يطلقون عليها هى من تصادرها وليس الرقابة، وكان المحظور لدينا هو الكلام فى الدين دون الرجوع إلى الأزهر أو الكنيسة، وكذلك الكلام فى الجنس وهو القائم حتى هذه اللحظة. وأوضح الناقد السينمائي ورئيس الرقابة الأسبق على أبو شادى أن الرقابة عادة ما تعترض على الأعمال من الناحية القانونية وليس من الناحية الفنية، والعمل الفنى المتميز دائمًا يقهر ويؤرق أى رقيب، فالأعمال الفنية باقية والرقباء إلى زوال، فما من فيلم تتصدى له الرقابة إلا وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، فرقابة الجمهور الآن فى ظل هذا التقدم الهائل فى تكنولوجيا المعلومات أصبحت هى الأقوى. أزمة على الحجار
أما الفنان والمطرب المبدع على الحجار، فيعانى هو أيضا من أزمة متواصلة مع رئيس الرقابة، حيث يقول إنه «لا يفهم سر تعنت عواض » فى منحه ترخيصاً بطرح الألبوم، مع مماطلة وتسويف، على حد وصفه، وهو ما أدى إلى تأجيل طرح الألبوم أكثر من مرة، وقال ل«الأهرام»، إنه انتهى من تسجيل ألبومه الجديد من الآخر وكانت أمامه فرصة لتوزيعه فى الخليج ويضيف:» يبدو وللأسف ان هناك قوانين تعسفية واضحة هى السبب فى رفض طرح الألبوم، ومنها أن هناك ملحّنا من كردستان قدَّمَ لى أغنية، وطلبوا أن يحضر إلى مصر لعمل توكيل في الشهر العقارى للأغنية، على الرغم من أنه قام بعمل تنازل، وأرسله على الإيميل الخاص بي، وأنا وقعت ورقة موثقة من الشهر العقاري أُقر ّفيها أني مسئول أمام الرقابة عن المؤلفين والملحنين الذين تعاملت معهم مسئوليةً كاملةً، كونهم تنازلوا لى لتكون الأعمال باسمي، ولكن هذه الورقة رُفضت أيضا. أما السبب الثاني الذي يذكره الحجار فيتعلق بأن هناك أغنية موجودة ضمن الألبوم مؤلفها متوفي وزوجته سورية وليس لها الحق بالتنازل لأنها لا تحمل الجنسية المصرية، وبالتالى ذهبتُ إلى جمعية المؤلفين والملحنين ودفعت عشرة آلاف جنيه، وأخذت من هناك تنازلا عن الأغنية وعرضته على الرقابة، وكان ردهم «نحن لا نتعامل مع جمعية المؤلفين والملحنين، ولا بد من ورقة تثبت من الجمعية إيراد هذا المبلغ للورثة»! ويختم الحجار، «مشكلة أخرى أيضا أحدثتها الرقابة على أغنية لأم كلثوم بعنوان (حانت الأقدار)، حيث أنهم رفضوا ضمها للألبوم، رغم أن قمت بتسجيلها وكلّفنى ذلك ما يتجاوز ال 200 ألف جنيه مصرى». وفي النهاية يؤكد الحجار، أن «تعسف الرقابة» قد يجعله يقوم بطرح الألبوم على الإنترنت ويكتفى بتوزيعه فى الخليج.