لماذا تبدو الإدارات و الأجهزة الثقافية بعيدة هكذا عن الناس ؟ هى فى واد .. و الناس بمشاكلهاو همومها فى واد آخر؟ سؤال طالما طرحته على نفسى وأنا أحضر ندوة تكاد تكون قاعتها الفسيحة الأنيقة خاوية من الجمهور(!) لماذا لم تستطع هذه الأجهزة أن تقدم مشروعا ثقافيا ناجحا ، وصار كل همها أن تصدر مطبوعات و كتبا لا تصل إلى القارئ، أو تعقد ندوات لا يحضرها سوى متحدثيها وجمهور لا يتعدى أصابع اليدين ؟؟ لمن نوجه اللوم؟؟ .. الى وزارة الثقافة التى لم يكن لها يوما حضور بارز ومؤثر فى حياة المواطنين ، التى لم تستطع أجهزتها تفعيل خطة او برنامج ثقافى يشد الناس اليها؟؟ ام إلى المثقفين المشغولين بقضايا نخبوية ترفيهية لا تهم الناس من قريب او بعيد؟؟ ام الى الجمهور الغائب المنصرف عن كل هذه الأمور؟ و مع ذلك، هناك تجارب ناجحة و مثمرة لا تزال عالقة فى الأذهان، منها تجربة الثقافة الجماهيرية التى نجحت فى سنوات الستينيات فى ان تصل الى النجوع والقرى و المحافظات ، وتجعل الناس البسطاء يلتفون حولها، يشاهدون فيلما سينمائيا فى قلب الحقل ، او يحضرون حفلا غنائيا ، او يتابعون مسرحية فى احدى قاعات قصور الثقافة ... الوصول الى الناس إذن ممكن ، ولكن ربما ما نفتقده هنا هو الإرادة السياسية التى تعرف جيدا كيف تصل الى الناس، لكنها لا تريد (!) . ويثور التساؤل الذى طالما رددته الألسنة : لماذا تركز وزارة الثقافة نشاطها فى القاهرة فقط ؟ اذ تحصد العاصمة النصيب الأكبر من العروض المسرحية والفنية و الندوات و المعارض الخ.. وتهمل القرى و النجوع و المدن الصغيرة ، لتصير مجالا مفتوحا لثقافة متطرفة تدين الفن و الإبداع . فالثقافة مثلها مثل الرياضة، كى تزدهر، ينبغى أن تكون هناك بنية تحتية منتشرة فى أرجاء البلد كافة ، حيث المنبع الدائم للمواهب التى تجدد معها ثقافة الأمة. وكلنا يعلم جبدا ان المواهب لا تتفتح إلا فى ظل مناخ عام يقدر المواهب و يحتفى بها و ويفسح لها مجالا للازدهار ، اما حيث تسود أفكار (تحريم) الفن ،فإن صاحب الموهبة نفسه سوف يخجل من موهبتة ، لينتهى به الحال الى الذبول و الإنزواء ، وهذا للأسف الشديد ما يحدث الآن.. ولسنوات طويلة، تم ربط السياسة بالثقافة ، فكانت الأنشطة الثقافية تهدف نوعا ما Nلى (الدعاية) لنظام الحكم ،فانصرف الناس عنها ، وأولوها ظهورهم، و هذا امر طبيعى، فهذه النوعية من الثقافة لا يمكن ان تلقى قبولا من الجمهور والظروف التى تمر بها بلادنا ، تجعلنا نشعر بأهمية و خطورة دور الثقافة فى حياة الجماهير ، و فى بناء مصر المستقبل. ونشر الثقافة يحتاج فى الحقيقة إلى دعم كبير لا ينبغى أن تبخل الدولة فى منحه ، وأخيرا يجب أن يسود مناخ من الحرية اللازمة لازدهار كل صور الإبداع صفحة ( قضايا فكرية) تناقش هنا ملف الثقافة و الدولة .