دينية الشيوخ تطالب بقاعدة بيانات لأصول الأوقاف    قفز 30 جنيها.. سعر الذهب اليوم الاثنين في مصر يعود للارتفاع بمنتصف التعاملات    معلومات الوزراء يبرز تصريحات القصير حول إنتاجية مصر من القمح الربيعي (فيديو)    الصادرات الهندسية ترتفع 32.3% لتسجل 1.6مليار دولار لأول مرة بالتاريخ    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها ومركز التدريب الإقليمي للموارد المائية    عمرو عرفة يعلق على مذبحة رفح الفلسطينية    حزب الاتحاد: مجزرة رفح تؤكد هدف الاحتلال "إما الإبادة أو التهجير"    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوافقون على نظام عقوبات جديد على روسيا    إدارة الكوارث في بابوا غينيا الجديدة تخشى وفاة ألفي شخص عقب انهيار أرضي    رياضة القليوبية تطلق مبادرة "تكنولوجي هات" للعام الثاني على التوالي    الدوري الأوروبي، أزمة إدارية تهدد مشاركة مانشستر يونايتد بالموسم الجديد    ميار شريف تقترب من التأهل لأولمبياد باريس    الثانوية الأزهرية 2024.. محظورات لجان الامتحانات    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 42 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    المخرج هنرى بركات، شيخ المخرجين و«أمير الانتقام» كان بداية شهرته    كيف علقت شيماء سيف على مجزرة رفح الفلسطينية؟    أمين البحوث الإسلامية: الجنازات ليست مجاملة اجتماعية لكن شعيرة دينية    حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    "المستشفيات التعليمية" توقيع ملحق تعاون مع قطاع التدريب والبحوث بوزارة الصحة    السيطرة على حريق هائل في هايبر شهير بنجع حمادي    تصدير 23 ألف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    القبض على عامل شرع في قتل زميله بمنطقة العياط    مركز الفلك الدولى يكشف ظروف رؤية هلال ذى الحجة وموعد عيد الأضحى بدول العالم    تأسيس أول شركة ناشئة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة باستخدام التكنولوجيا المالية    مصرع شخصين وإجلاء ما يقرب من 800 ألف جراء إعصار "ريمال" في بنجلاديش    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بالقاهرة    «الصف الأخير» يشارك في المسابقة الرسمية بمهرجان روتردام للفيلم العربي    قانون التصالح في مخالفات البناء: إجراءات ومدة التقديم    انطلاق جلسة الشيوخ لمناقشة قضايا حفظ أموال الوقف ونقص عدد الأئمة    هام من شركة المياه بشأن شحن العدادات مسبقة الدفع| أرقام وعناوين تهمك    عقب صدور القرار الجمهوري| بالأسماء.. تشكيل المجلس القومى للطفولة والأمومة    أيرلندا تستنكر استهداف مخيم للنازحين برفح.. وتؤكد اتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ حل الدولتين    إسرائيل تأمر إسبانيا بوقف الخدمات القنصلية لفلسطينيي الضفة الغربية اعتبارًا من 1 يونيو    قرار من التضامن بشأن استخراج بطاقات الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    القومى للمرأة يهنئ الدكتورة جيهان زكي لتعيينها رئيسا تنفيذيا للمتحف الكبير    "أناشد المسؤولين".. ساويرس: سأتكفل بعلاج المصابين الفلسطينيين    السيطرة على حريق داخل هايبر ماركت في قنا    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    الري وجامعة بنها توقعان مذكرة تفاهم للتعاون في التدريب    برتوكول تعاون بين هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية وقطاع التدريب بوزارة الصحة    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    شوبير منتقدا جهاد جريشة: «عنده مشكلة في فهم القانون ومحتاج يذاكر»    محظورات مفسدة للحج أو تلزمك الكفارة.. مركز الأزهر العالمي يوضح    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    تعليم مطروح: إحالة واضعي امتحان العلوم المترجم للتحقيق وإعادة توزيع الدرجات لصالح الطلاب    مصر تدين بأشد العبارات قصف إسرائيل المتعمد لخيام النازحين فى رفح الفلسطينية    سيدة الشاشة العربية.. سر الغضب علي هذا اللقب    «التضامن الاجتماعي» تقرر قيد جمعيتين بمحافظتي القاهرة والشرقية    وكيل وزارة صحة الاسماعيلية تفاجئ وحدة أبو جريش الصحية وتحيل المقصرين للتحقيق    ميناء دمياط توقع مذكرة تفاهم مع "علوم الملاحة" ببني سويف لتعزيز التعاون    تشكيل الأهلي المتوقع ضد الفيحاء في الدوري السعودي للمحترفين    راهول كوهلي يكشف عن خضوعه لتجارب أداء فيلم The Fantastic Four    معلق مباراة الأهلي ضد الفيحاء اليوم الإثنين في دوري روشن السعودي    هبوط فروزينوني.. وإنتر ينهي موسمه بالتعادل مع فيرونا في الدوري الإيطالي    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    بالتفاصيل.. تعرف على خطوات أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تراجع جيل طه حسين؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2014

ذهب لويس عوض إلى أن حكومة الوفد بقيادة النحاس باشا تراجعت عن بعض ثوريتها القديمة، عندما قامت بالتوقيع على معاهدة 1936 مع بريطانيا العظمى فى ذلك الوقت،
كى تنال استقلالا شكليا، حاولت التغطية على قصوره بإطلاق اسم معاهدة الشرف والاستقلال على المعاهدة التى منحت مصر حق التمثيل الكامل فى المنظمات والمحافل الدولية. مع بقاء قوات الاحتلال البريطانى على التراب الوطنى الذى لم ترحل عنه إلا عام 1954، بعد قيام ثورة يوليو 1952، وما فرضته من واقع جديد، أدى إلى مفاوضات جلاء جذرية، انتهت برحيل المحتل البريطانى فى التاسع عشر من يونيو 1954.
ولقد عمم لويس عوض النتيجة التى انتهى إليها على أعلام الفكر والثقافة، من أبناء جيل 1919 الذى ينتسب إليه طه حسين ومحمد حسين هيكل والعقاد، ذاهبا إلى أن التراجع الثورى للوفد نقل إليهم عدواه، فتوقفوا عن أطروحاتهم الجذرية التى صاغوها فى العشرينيات (ممثلة فى «الإسلام وأصول الحكم» 1925 و«فى الشعر الجاهلى» 1926)، واستبدلوا بها إنجازات أكثر مهادنة، وأكثر إرضاء للفكر التقليدى السائد، خصوصا فى تياراته ومؤسساته الدينية. هكذا، كتب طه حسين «على هامش السيرة»، ابتداء من 1933 إلى أن أصدر الجزء الثالث سنة 1938، وانتقل منه إلى الفتنة الكبرى، ابتداء من «عثمان» فى الأربعينيات، فى موازاة «الوعد الحق» سنة 1949، وأخيرا «مرآة الإسلام» آخر ما كتب عن الإسلام سنة 1959. أما العقاد، فهناك سلسلة العبقريات التى تبدأ بعبقرية محمد، وتشمل عمر وعلى وعثمان والصديق وخالد بن الوليد إلى أن تصل إلى عبقرية الإمام، وتختتم بكتاب «التفكير فريضة إسلامية». والحق أن ما ذهب إليه لويس عوض مردود عليه من أوجه كثيرة. أولها أنه ربط آليا بين السياسى والثقافى. وقد يكون من الحق أن معاهدة 1936 شابتها شوائب عديدة، تضاءلت بمعانى الاستقلال الوطنى بالقياس إلى المطامح المشروعة للنضال الوطنى المصرى. ولكن التقصير فى التفاوض مع قوة الاحتلال، لا يعنى بالضرورة التراجع فى المجال الفكرى الذى ظلت جذريته مستمرة فى كتابات طه حسين وهيكل والعقاد الذين ظلوا على ثوريتهم الليبرالية سياسيا، وجذريتهم الثقافية أدبيا. ولذلك كان من الطبيعى ألا يتغير موقف طه حسين من الشعر الجاهلى سنة 1926، وأن يواجه تحقيق النائب العمومى معه، وأن ينتهى الأمر بإغلاق التحقيق، فقد فعل ما فعل على سبيل الاجتهاد العلمى، فيما كتب محمد نور رئيس نيابة مصر (النائب العام بلغة زمننا). ولم يكن هناك فارق كبير بين كتاب «فى الشعر الجاهلى» سنة 1926، وكتاب «فى الأدب الجاهلى» سنة 1927، سوى حذف عدة جمل وإضافة فصل كامل، يضم أخطر ما كتب عن المنهج وحرية البحث العلمى فى مواجهة العقول الإظلامية. وظنى أن لويس عوض خلط بين منهج الدرس وموضوعه خلطا ما كان يليق أن يقع فيه، فجذرية المنهج أو راديكاليته تظل قائمة، سواء تحدث الباحث عن الشعر الجاهلى أو نصوص التراث الدينى. ولم تختلف جذرية المنهج عند طه حسين ما بين عمله فى تراثه الأدبى أو تعرضه للتراث الدينى الإسلامى، فجذرية المنهج تظل واحدة فى كل الأحوال، محكومة بالمبادئ العقلانية نفسها.
والحق أن طه حسين قد لاحظ خطورة المد الدينى المعادى للعقل الذى تصاعد مع صعود جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى الإسماعيلية، بدعم من سفارة الاحتلال البريطانى سنة 1928، وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة لتعمل تحت حماية الملك فؤاد المعروف باستبداده وعدائه التاريخى للوفد، ولم يكن من المصادفة أن يصطدم طه حسين بوزير المعارف فى حكومة صدقى، الأمر الذى انتهى به إلى الطرد من الجامعة فى مارس 1933، وسط دعاية شارك فيها أصدقاء الإخوان من نواب برلمان صدقى باشا، تحدثوا فيها عن كفره وعدائه للإسلام، وكان على طه حسين أن يقاوم ذلك كله، فاستبدل قاعات الجامعة الأمريكية بقاعات جامعة القاهرة، وعاود نضاله ضد الاستبداد فى الحكم بالهجوم السياسى فى جرائد الوفد التى احتضنته، وعاود نضاله الأكاديمى بتوسيع مجال المنهج العقلانى فى دوائر أكثر اتساعا من الأدب العربى على امتداد عصوره، وظل خارج جامعته إلى أن عاد إليها، بعد تولى محمد توفيق نسيم باشا الوزارة للمرة الثالثة، فأعيد طه حسين إلى جامعة القاهرة، محمولا على أكتاف طلابه فى ديسمبر 1934.
وظنى أن طه حسين فكر فى تضليل المسلمين البسطاء والانحراف بأفكارهم عن الدين، خلال محنة الطرد من الجامعة، واستغلال الإسلام السمح فى قمع محاولات الاجتهاد والتجديد. ومن المؤكد أنه لم ينس المحنة التى مر بها صديقه على عبد الرازق الذى كفروه وطردوه من منصبه القضائى؛ لأنه جرؤ على القول بأن الإسلام لم يحدد للمسلمين نظاما سياسيا يتبعونه، وأن الخلافة ليست ركنا من أركان الإسلام ولا أحد أصوله أو حتى فروعه. وظنى كذلك أن طه حسين أدرك أن واجبه بوصفه مسلما عقلانيا أن يقوم بتنقية الإسلام من أباطيل وأحابيل المتاجرين به سياسيا، وأن يسهم مع أقرانه فى استنقاذ إسلامه السمح من الذين أخذوا يدعون احتكار النطق باسمه، أو ادعاء الذود عنه بما يسىء إلى سماحته. وكانت النتيجة أن يبدأ طه حسين الكتابة عن الإسلام الصحيح الذى يعرفه، تمييزا له عن إسلام التعصب الذى كان يتبعه كارهو الاستنارة وأنصار الحكم الاستبدادى فى آن، وكانت البداية سنة 1933 بإصدار الجزء الأول من كتابه »على هامش السيرة« الذى صدر الجزء الثالث منه والأخير سنة 1938. وفى هذا الكتاب الجميل الذى أرجو أن يقرأه كل مسلم، ترى صورة نبى إنسان، سمح ومتسامح، صادق وصدوق، أفعاله لها منطقها، ورجاحة عقله تؤكد إنسانيته، بالقدر الذى تؤكد به سيرته احترامها للعقل الذى هو حجة الله على مخلوقاته. وتتجلى العقلانية عندما يمسك طه حسين بالخيوط التى حركت «الفتنة الكبرى»، كاشفا عن تشابك المصالح الدنيوية التى أدت إلى الكوارث التى بدأت بقتل عثمان بن عفان، ولم تنته بقتل على بن أبى طالب وبنيه. وتمتد عقلانية طه حسين وتتحول، فتغدو خيالا إنسانيا فى روايته «الوعد الحق» التى يصور فيها نفوس الشهداء الأول من آل ياسر فى سبيل الدعوة الإسلامية. ولم يترك طه حسين تأمله العقلانى فى دينه إلا بعد أن ختم كتابه «مرآة الإسلام»، مؤمنا أنه أدى دوره بوصفه مفكرا عقلانيا، وأديبا إنسانيا، ومؤمنا مؤديا لحق دينه عليه، سواء فى تعريف الناس بفضائل نبيه، أو الكشف عن الذين كانوا أول من ضحى فى سبيل دينه، أو كيف يمكن أن تعمى العيون والنفوس عن مقاصد الشرع بغواية مطامع الدنيا ومصالحها. ولذلك ظل طه حسين فى المنطقة السوداء عند جماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا الذى كان يعرف أن عقلانية طه حسين هى أعدى أعداء دعوته السلفية القائمة على الإيمان، ولم يكن من المستغرب أن يكون حسن البنا رأس حربة جماعة الإخوان المسلمين فى الهجوم على كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» سنة 1938، وهو كتاب يؤكد استمرار التجديد الجذرى الذى ظل طه حسين محافظا عليه فى هذا الكتاب الذى لا يزال بعض ما فيه أبعد عن إمكان التطبيق سنة 2014.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.