الرئيس السيسي يُهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    بعد حصد المركز الأول|رئيس جامعة بنها: تلقينا 3149 شكوى.. وفحص 99.43% منها    محافظ الشرقية يتفقد شوارع الزقازيق لمتابعة أعمال النظافة    المالية: تخصيص 47.2 مليار جنيه لمساندة تعميق الإنتاج المحلي وتحفيز الصادرات    فيديو.. شعبة بيض المائدة: نترقب مزيدا من انخفاض الأسعار في شهر أكتوبر    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    الإسكان تنظم ورش عمل حول تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    روسيا تنضم لمساعي التهدئة بين إسرائيل وحزب الله    ماكرون يطالب بفتح مجال التفاوض مع روسيا للوصول لحل آمن لجميع الأطراف    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسموحة الليلة    منتخب السباحة يتربع على عرش أفريقيا ب47 ميدالية    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    بسبب كولر .. محمد الضاوى كريستو يطلب الرحيل عن الأهلى فى الصيف    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    شوبير يكشف مفاجأة حول أول الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    خوفا من الإغراءات الخارجية .. الأهلي يسعي لتمديد عقد مصطفى شوبير بعد نهائي دوري أبطال أفريقيا    مدير أمن كفر الشيخ: وضعنا خطة محكمة لتأمين احتفالات أعياد الربيع    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    حدائق القاهرة: زيادة منافذ بيع التذاكر لعدم تكدس المواطنيين أمام بوابات الحدائق وإلغاء إجازات العاملين    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    السيطرة على حريق التهم مخزن قطن داخل منزل في الشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    ضبط سيارة محملة ب8 أطنان دقيق مدعم مهربة للبيع بالسوق السوداء بالغربية    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    تامر حسني يدعم شابا ويرتدي تي شيرت من صنعه خلال حفله بالعين السخنة    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأول له أصل فرعونى
عود على جيتار على طار
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2014

في عام 2013 واثناء احداث الثورة وفي مقهي بحي «معروف» جلسنا، ولم أكن أتصور اننا سوف نقابل هناك وبسرعة كل روافد مصر الموسيقية عبر التاريخ : الفرعونية والعربية والتركية والاوروبية !
كان بعض جلوس القهوة يلقون اهازيجهم من شعارات الثورة المصرية ثم امسك احدهم بعود وزميله بجيتار بينما راح ثالثهم يطلق صوته «المطرب» فيما يشبه الموشح :
آمان ياليل .. الحبيبه تايهة في ليل .. آمان ياليل
وأطال هذا المطرب كالعادة في محاولته الفاشلة التأليف على طريقة الموشح واستعادة الموشح (ظنا منه أن استعادة الماضي ممكنة في الفن) ولكن .. لم يلبث ان شق هدوءه زعيق جماعة من المتظاهرين وهم سائرون بوسط الطريق ، حاملين على الاكتاف منشدا حارا وساخنا الي حد الغليان، يقود الغناء ممسكا بطار كبير والسائرون خلفه يرددون من بعده :
المنشد آه يالالي - يالالي - يالالي
السائرون مصر ح تفضل ف العالي
وقد أسكت لهيبهم مطرب «الموشح» وأصابه بحرج شديد وعازفيه الذين نكسوا آلاتهم مشمأزين من تدخل هؤلاء «الهواة حاملي الطار» ، ولكن حاملوا الطار استطابوا الوقوف امام القهوة متوجهين نحو جمهورها فتذمر أهل «الموشح» دون جدوي .. وفي النهاية سار أهل الطار على انشادهم وأصحاب الموشح على غنائهم .. معا في وقت واحد !
اغرق هذا الضجيج - الطار من ناحية والعود والجيتار من ناحية - الذهن في فكرة منابع هذا الخلط ... من اين جاء كل هذا ؟
تعالوا نجذب الينا واحدا فالثاني من عناصر هذا الضجيج :
العود الذي بيدهم جاء الي مصر من فارس مرورا بالجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. ورغم ان له نظيرا فرعونيا قديما «الطنبور» إلا ان صورة العود الحالي ومضمونه - أي النغمات التي يحملها – ذات أصل إيراني دامغ (كما تقول كتابات استاذنا د يوسف شوقي)
الكلمات «آمان ياليل .. أمان « لملء الفراغ الناتج عن النغمات الممتدة كثيرا في اللحن ، هي تقليد تركي شهير في الموسيقي الغنائية وهدفه إطالة اللحن فوق حدود الكلمات بإضافة ألفاظ ليس لها معني مثل : جانم ، عمرم ، ليل ، وحتي تصبح الكلمات الحقيقية قليلة ومكثفة واللحن ممتدا .
الطار المصري المستخدم لدي المتظاهرين والمعمول به الآن ينتسب تمام الانتساب للموسيقي الفرعونية، بل يبدو للناظر وكأن هذا الطار قد انتزع من مقابر الفراعنة لتوه ! ونستطيع رؤيته وبنفس حجمه وشكله هذا محفورا على جدران المعابد بجوار أهرامات الجيزة وداخل حوائط معبد فيلة بأسوان، وفي جداريات الفراعنة وهم يحملونه سائرين به : يد تحمله ويد تقرعه، تماما كما نفعل نحن الآن ودون ادني تغير في وضع القرع ! ذلك من الأمور المدهشة والدالة بوضوح على وحدة تاريخ مصر.
الجيتار والذي في يدي عازف القهوة - أوروبي الشكل والحجم والصناعة (لا يصنعه احد داخل مصر) وأوروبي النغم المتضمن وهذا هو الأمر الأخطر، بل وطريقة العزف وكيفية حمله وعدد أوتاره والدساتين (علامات وضع الأصابع على رقبة الجيتار) وكل شيء! ولا غرابة في ذلك فالآلة الموسيقية لا تهاجر إلا حاملة أنغام وطنها! والجيتار لم يأت الينا إلا محملا بكامل نغماته الأصلية أي بكامل مضمونه ! كيف لا يحملها الجيتار وهو قد شق وتشكلت ملامحه ومسافاته واحجام اجزائه خصيصا ليحمل نغمات وطن بعينه ؟ ثم كيف للجيتار بعد ذلك أن يحمل نغمات وطن آخر كمصر؟ اننا لو أخذنا في مصر بطريقة تاليف أوروبية كقالب «السيمفونية» أو «الكونشيرتو» أو استعرنا إيقاعا لاتينيا مثل «السامبا» فإننا نتخذ عنصرا واحدا من عناصر الموسيقي الأجنبية، آما استعارة آلاتهم (كالجيتار) فيعني استعارة كل عناصر الموسيقي لديهم ! ذلك لأن الآلات تحمل كل شيء (من ايقاع ولحن ومسافات ومقامات وثبت الأنغام المستخدمة) . لهذا تحيا آلات كل شعب – وهي تضم قواعده - حقب تاريخية طويلة دون تغير، وإذا تغيرت فإن كل قواعد اللغة الموسيقية الوطنية تتغير!
الإيقاع الصادر عن الطار كان منقسما إلى ظغوط قوية تدعي « دم « تضربها كف العازف في وسط الطار ، وأخري ضعيفة تدعي « تك « تضربها أصابعه دون الكف على الحافة. والايقاع بذلك أشار الي أصول عربية قديمة تعود الي زمن الفتح العربي. والواضح ان تاريخ مصر قبل العرب – وفقا لما تعرفه الوثائق - لم يعرف ضغوطا قوية وأخري ضعيفة ثابتة ! لم يكن الفراعنة قد ثبتوا الضغوط داخل ايقاعاتهم (الوثائق لم تظهر شيئا آخر)! أي أن الضغوط لم تأت عندهم في نفس المواضع دائما، وانما كانت تتحرك عفويا .. وقد عرف التاريخ «استقرار الضغوط» عند العرب، وبالتالي رسخت ايقاعات العرب وتشكلت منظومة «ضروب» عربية وصلت صورتها الينا!
أليست هذه من الغرائب ! أن تصل مقهي حي معروف البسيط وتتزاحم أكبر خمسة روافد من التاريخ:
طار الفراعنة
عود ايران
ألفاظ التقليد التركي - جانم / آمان/ ليل
نظام ايقاعي عربي الأصل (ذي ظغوط ثابتة لا تتبدل)
جيتار أوروبي بكامل نظم النغم الأوروبية!
اشتبكت عند المقهي تيارات التاريخ الكبري ! والمذهل اننا – رغم مشاكل الاختلاط - شاهدنا نغما مصريا حتي النخاع في لحن :
آه يالالي- يالالي- يالالي
مصر ح تفضل ف العالي
عجبا لهذا الشعب الكبير الذي يتوحد مع ان العالم بداخله يتصارع! عجبا له حين يأخذ من كل الحضارات ويمضي دائما بوجه واحد! لقد تركت كل سنوات الانسان على الارض علاماتها الغائرة على جبيننا العريض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.