فى إطار جهودها لنشر الدعوة وتصحيح المفاهيم ومواجهة الفكر المتشدد، وضعت وزارة الأوقاف خطة متكاملة للوصول بالخطاب الدعوى إلى الوسطية والاعتدال، وصياغة وثيقة لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة العشوائية فى الدعوة والانحراف الفكري، وتسير على عدة محاور بشكل متوازي، لتجفيف منابع التطرف فى الزوايا والمساجد التى سيطر عليها أصحاب الفكر المتشدد لفترات طويلة. وكانت البداية بمنع غير الأزهريين من صعود منابر المساجد، ومنع صلاة الجمعة فى الزوايا، ووضع ضوابط صارمة فى المساجد لمنع الخطباء من الحديث فى السياسة والدعاية لصالح التيارات السياسية الحزبية، وعدم تجديد تراخيص الخطابة لغير الأزهريين، ورغم أن الوزارة لديها عجز فى الأئمة والدعاة، والبالغ عددهم 58 ألف إمام وخطيب، وهذا العدد يساوى تقريبا نصف عدد المساجد التابعة للوزارة والتى تبلغ 120ألف مسجد، إلا أن الأوقاف عملت على ألا يكون ذلك عائقا أمام منع غير المتخصصين، بل وتمكنت من سد العجز فى المساجد الحكومية بتعيين خطباء أزهريين بنظام المكافأة مشهود لهم بالوسطية والاعتدال. وتدخل الأوقاف حاليا معركة شرسة مع الجمعيات الدعوية التى لديها مساجد ومعاهد لإعداد الدعاة، وحذرت الوزارة أكثر من مرة هذه الجمعيات من استخدام المنابر فى الهجوم على مؤسسات الدولة والتحريض على العنف من خلال الدعاة المنتمين لبعض التيارات الدينية، كما طالبت الأوقاف هذه الجمعيات بأن تشرف الوزارة على المساجد ومعاهد الدعاة التابعة للجمعيات، إلا أن عددا كبيرا من هذه الجمعيات لم يلتزم بتلك الضوابط، وفى ضربة قوية وغير متوقعة من جانب الوزارة لهذه الجمعيات، توالت القرارات بضم مساجد كانت تمثل معاقل للفكر المتشدد، وأرسلت الأوقاف علماء ودعاة تابعين لها لتولى أمور الخطبابة والدعوة فى هذه المساجد، وفى خطوة غير مسبوقة اعتلى أئمة وعلماء الأوقاف والأزهر منابر مساجد العزيز بالله بالزيتون والحمد بالتجمع الخامس والقائد إبراهيم بالإسكندرية والتوحيد برمسيس، وغيرها من المساجد التى كانت تسيطر عليها جماعات معينة لفترات طويلة جدا. وفى خطوة جديدة لمواجهة التطرف والانحراف الفكرى وتتويجا للخطوات السابقة، قامت وزارة الأوقاف بالتنسيق مع الأزهر الشريف فى إرسال القوافل الدعوية أسبوعيا للمحافظات، وتم التركيز بشكل أساسى على سيناء والمناطق النائية، وتضم هذه القوافل عددا من كبار علماء الأزهر ودعاة الأوقاف المشهود لهم بالوسطية والاعتدال، وركزت هذه القوافل فى الأساس على الوجود فى التجمعات الشبابية والعمالية، وحتى تكتمل المنظومة وتنجح الجهود فى المواجهة مع التيارات المتشددة، قامت الوزارة بتوحيد موضوع خطبة الجمعة. ولم تتوقف القرارات والإجراءات التى تقوم بها الأوقاف فى هذا المجال، لكنها أعلنت عن تبنى مبادرة لصياغة وثيقة تجديد الخطاب الديني، وذلك من خلال حوار مع عدد من العلماء والدعاة والمثقفين، وذلك للوصول إلى أفضل صيغة للخطاب الدعوى الوسطى وتحويله إلى واقع عملى تطبيقي، ووضع ميثاق شرف دعوي، يتطابق مع المنهج الأزهرى الوسطى المعتدل. علماء الدين من جانبهم أشادوا بموقف وزارة الأوقاف من ضم المساجد التى لا تلتزم بالسياسة الدعوية، وطالبوا الحكومة بضرورة دعم الوزارة حتى تستطيع السيطرة على جميع مساجد الجمهورية، لأن المساجد التابعة للوزارة 120 ألف مسجد، بالرغم من أن هناك عشرات الآلاف من المساجد الأهلية. وطالب الدكتور محمد أبو هاشم، عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالمنصورة، الحكومة بضرورة دعم وزارة الأوقاف بشكل يجعلها قادرة على فرض سيطرتها على جميع مساجد الجمهورية، وأن تكون هذه القضية مثل قضية دعم التعليم والصحة، لأن وزارة الأوقاف لديها حاليا 120 ألف مسجد، وهناك عشرات الآلاف من المساجد التى لا تتبع وزارة الأوقاف، وضم هذه المساجد يحتاج إلى ميزانية كبيرة لابد أن توفرها الدولة للوزارة، لأن إشراف الأوقاف على جميع مساجد الجمهورية يعنى أن تكون جميع جهات الدعوة تحت مظلة الأزهر الشريف، وبذلك نواجه الفكر المتشدد بالوسطية والاعتدال. من جانبه عرض الدكتور زكى عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية مجموعة من العناصر التى لابد أن توضع على مائدة الحوار عند مناقشة هذه وثيقة الخطاب الدينى الجديد، وذلك لتحقيق المصلحة العليا وأن يكون الخطاب الدينى داعما لقضايا الوطن، فتجديد الخطاب الدينى يتطلب أن يكون الداعية ملما بفقه الواقع، وأن يكون عارفا بفقه النوازل، وألا يتدخل فى الأمور السياسية، وألا يخلط ما بين الحقيقة والخيال، وأن يكون مدعوما دعما معنويا من وزارة الأوقاف، وأن توفر له الوزارة الكتب، وأن يكون الداعية متفرغا للقراءة، لأن تجديد الخطاب الدينى يحتاج فكرا ثاقبا وعقلية مستنيرة، وأن تكون له الحرية بمقدار ما يحافظ على أمن الوطن، وأن يكون الداعية مختلطا بالجماهير حتى يعرف كيف يخاطبهم وكيف يوجه الحديث إليهم، وألا تتخذ المساجد كمنابر سياسية، مشيرا إلى أن تطبيق ما سبق يضمن أن تسود الوسطية والاعتدال فى الدعوة والخطابة، كما يضمن أن يكون الخطاب الدينى متوافقا مع قضايا المجتمع .