الفطنة والكياسة تستدعيان من المرء التعلم من أخطائه وتلافيها بقدر المستطاع، هذا على المستوى الفردى، فما بالك إذا تعلق الأمر بمصائر الأمم والشعوب فى لحظاتها العصيبة المتعثرة؟ فالمصريون لا حديث لهم فى أيامنا تلك سوى عن بورصة انتخابات الرئاسة، مَن الذى سوف يترشح، ومَن الذى يفكر، ومَن الذى امتنع، ومَن الأجدر بخوضها، ومَن المحظور عليه الاقتراب منها؟. وعند التدقيق فيما ينشر ويقال عن الانتخابات الرئاسية تستوقفك جزئية التصنيفات، فكثير من القوى والتكتلات المحسوبة على تيار الإسلام السياسى تعلن أنها لن تطرح مرشحا، أو ستمتنع عن إعلان موقفها من تأييد هذا المرشح أو ذاك، بينما يحلو للبعض الآخر إظهار نفسه على أنه الوجه المعتدل الممكن ترشحه، حتى لا تخلو الساحة من شخص يمثل الإسلاميين، وكأننا أمام حرب دينية وليست سياسية. فأيا كان ما ستحمله قائمة المرشحين من أسماء، فإن المعيار الحاكم عند اختيارها سيكون برنامجها السياسى، وليس مدى التزامها الدينى، فالعلاقة بين العبد وربه قضية شديدة الخصوصية والسرية، ولا يغيب عنا أن الإخوان سوقوا مرشحهم محمد مرسى على قاعدة أنه متدين ويؤدى الفروض فى وقتها، وسيراعى الضعفاء والمظلومين، وأن أنهار الخير سوف تتدفق عند وصوله إلى القصر الرئاسى، إلى أن استيقظنا على الحقيقة المرة المؤلمة، فالرجل وجماعته خططوا لإشعال نيران حرب أهلية. إذن سيكون من العبث والشطط تكرار الخطأ ذاته، فنحن نريد مرشحا مصريا خالصا، ولكى لا يترجم ذلك على أنه استبعاد للجانب الدينى فإن المقصود هو أن ينظر للمرشحين من عدسة الوطنية، وأن همومنا الراهنة لا تحتمل مسألة الاستغراق فى التصنيفات، وإصدار الفتاوى بجواز التصويت لفلان أو علان. فالمتنافسون على المقعد الرئاسى مصريون يرتبطون بهذا الوطن ويعنيهم النهوض به من كبوته الحالية، والانطلاق به إلى منطقة الأمن والاستقرار. يلحق بهذا أن تحد جماعات الإسلام السياسى من اندفاع سيارة الفتوى المنطلقة دون ضوابط، خصوصا فى الشأن السياسى الذى يعد أمرا دنيويا محضا، فالمفاضلة هنا بين وطنيين والأفضلية ستكون من نصيب القادر على علاج مشكلاتنا وأزماتنا الحياتية. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي