المسئولية صعبة.. لكن الأصعب دائما اختيار من يتحملها, فبعد أن مرت بمصر سنوات قاتمة أصبحنا نأمل في مستقبل مشرق.. لا يحتمل الخطأ أو التجربة في الاختيار. سألنا الخبراء وأساتذة العلوم السياسية لمعرفة المعايير المطلوبة في اختيار المسئول. الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي جامعة عين شمس يؤكد أن اختصاصا الوظيفة تسبق تسمية صاحبها, بمعني ان الاختيار يبدأ أولا بتوصيف المسئولية وما تحتاجه من قدرات, وبناء علي ذلك تتم المفاضلة بين المتقدمين, وينطبق ذلك علي اختيار رئيس الجمهورية, كما ينطبق علي اختيار أبسط الموظفين في الدولة. ويوضح أن ذلك يأتي طبعا بعد توافر الأركان الأساسية في الأسماء المطروحة لتولي المسئولية أو الوظيفة المطلوبة كالأمانة والشفافية والقدرة علي اتخاذ القرار والموضوعية وحسن معاملة الاخرين. ويري الدكتور عبد المنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة أن معايير اختيار المسئول تتمثل في القدرات والخبرات والمهنية التي يتمتع بها المرشح للمسئولية, كذلك مدي احتكاكه بالخبراء الدوليين في نفس التخصص, وقدرته علي الاستعانة بهم في مجال تخصصه, وأن يكون مؤمنا بأن الوظيفة العامة تكليف ومساءلة وواجب, وليست امتيازا أو فرصة للمحاباة. كما لابد ألا يزيد عمره مهما كانت الظروف علي60 عاما, وذلك بهدف تجديد شباب الدولة والإدارة المصرية, وأن يكون ملتزما بإعداد كوادر مهنية مدربة في مجال عمله, بمعني ألا يحتكر المعلومة, ويستطيع تدريب جيل جديد علي تحمل المسئولية, وأيضا يكون مؤمنا بتداول تلك المسئولية بين الأجيال. ويشير الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة الي أن المواصفات المطلوبة في اختيار أي مسئول تتفاوت حسب المنصب الذي سيتولاه, وبالتالي فلا يمكن أن تكون هناك مواصفات واحدة لكل المناصب, وإنما تختلف هذه المواصفات حسب درجة المسئولية وطبيعة الاختصاص. ولكن يمكن القول إنه فيما يتعلق بالمناصب القيادية فهناك شروط مهمة لابد من توافرها حتي يكون الاختيار موفقا, وأول هذه الشروط هو بطبيعة الحال أن يكون هذا المسئول منتميا إلي القطاع الذي يعمل فيه, بمعني أن تكون له خلفية مناسبة من العمل فيه, فلا يأتي شخص ربما تميز في مجال معين, ولكن يتم تعيينه في مكان اخر لا علاقة له به تصورا أنه نظرا لنجاحه في المجال الأول فلابد أن ينجح أيضا في المجال الاخر, وهذا ليس صحيحا في أغلب الأحوال. كما لابد أن تتوافر لهذا الشخص الخبرة الكافية في مجال عمله, فلا يكفي أنه ينتمي للمجال الذي يرشح لتولي منصب قيادي فيه, وإنما ينبغي أن يتمتع بالخبرة التي يشهد له بها عمله وزملاؤه أيضا, ويتأكد هذا الشرط بأن يكون لهذا الشخص انجاز مهم في هذا المجال أي أن يكون قد نجح في إدارة بعض المشروعات والتغلب علي عقبات كبري في عمله, أو أن يكون قد استطاع أن يجند عددا مهما من أصحاب الخبرات للعمل معه ونجح في قيادتهم. ويري د.مصطفي أيضا ضرورة أن يتمتع هذا الشخص بمهارات قيادية, فالمسئول الذي يتم اختياره لمنصب مهم في الدولة سوف يرأس أعدادا كبيرة من العاملين وبالتالي فيجب أن تكون لديه القدرة علي المبادرة وتوجيه مرؤوسيه للعمل وفق الرؤية التي يطرحها, كذلك قدرته في التغلب علي الخلافات التي قد تنشأ بينهم. كما يجب أن يتمتع بروح الفريق, أي أنه يمكن أن يعمل بانسجام وتوافق مع أنداد له في المجالات الاخري. كذلك من المهم لمن يتولي منصبا مهما ألا يعتمد فقط علي خبرته ومعرفته, لأنه لابد وأن يواجه مواقف لا تسعفه فيها خبرته ومعرفته, ولذلك يجب أن يكون مستعدا للتشاور مع اخرين لتعويض نقص معرفته, وفي كل الأحوال لابد أن يكون مستعدا للحوار مع من يعملون معه قبل أن يتخذ أي قرار بحيث يعكس ذلك القرار خبرات ووجهات نظر متنوعة ومن ثم يكون أكثر كمالا. وينتقل أستاذ العلوم السياسية الي عنصر غاية في الأهمية وهو أن يكون هذا المسئول قادرا علي اكتشاف أي خطأ قد يعترض تنفيذ قراراته, وبالتالي يصبح مستعدا لتصويب هذه الاخطاء بشرط ألا يتسم بالمكابرة والغرور اللذين يحولان بينه وبين تصحيح الخطأ عندما يظهر. فضلا عن ضرورة تميزه بالمعاملة الحسنة لمرؤوسيه حتي يتمكن من أن يقودهم بسلاسة في العمل, وأيضا تحليه بالموضوعية فلا تكون قراراته استجابة لمصالح خاصة أو محاباة لأقارب أو نفاقا لرؤسائه. ومن بين التفاصيل المهمة والمعايير الواجب توافرها في المسئول كما يضيف د.مصطفي ضرورة تمتعه بالقدرات الاتصالية, أي أن يكون قادرا علي شرح أفكاره وسياساته وإقناع الاخرين بها وخصوصا من الذين قد يختلفون معه في الرأي أو جمهرة المواطنين إذا كان عمله يتصل بمصالح الناس. وفي نظام مثل النظام السياسي المصري الذي توجد فيه أحزاب متعددة بعضها معارضة وبه رأي عام يقظ ومتنبه, فإن هذه القدرات الاتصالية لا غني عنها لأي مسئول ناجح. وقبل ذلك كله والذي يعد الأساس الذي يبني عليه كل ما سبق أن يتسم هذا المسئول بطهارة اليد والنزاهة وعفة اللسان. وفي سياق آخر يقول عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن عملية اختيار أي مسئول تبدأ من استعراض سيرته الذاتية, بمعني ما هي مؤهلاته والمسئوليات التي قام بها قبل ذلك, والخبرة المتوافرة لديه. بالإضافة إلي ذلك يتم التعرف علي سمعته في مجال عمله بين زملائه والمتعاملين معه, وعلي ضوء هذه البيانات يتم ترتيب مقابلة شخصية له مع القيادات التي سيعمل معها والتي من خلالها سيتم التعرف علي رؤيته حول كيفية إدارته لهذه المسئولية التي سيتولاها وما هي الأولويات التي سيلتزم بها؟ وهذا هو الأساس حيث إن التجربة في اختيار المسئولين قبل ذلك أثبتت أن ذلك يتم دون التعرف علي شخصية المرشح لهذه المسئوليات ونفاجأ بعد فترة قصيرة من توليه للمنصب أنه غير قادر علي القيام بمسئولياته. د.ايهاب فكري كاتب وباحث في علوم الادارة يوضح أن عملية الاختيار لها مقاييس علمية بغض النظر عن طبيعة من يقوم بها, فهناك من يقوم بعملية الاختيار والتعيين بشكل مباشر وذلك علي سبيل المثال عندما يقوم رئيس مؤسسة ما باختيار شخص للقيام علي مسئولية معينة, بينما هو أيضا من يقوم بعملية التعيين, ومن ناحية أخري هناك اختيار وتعيين بشكل غير مباشر, وهذا في حال إذا كان رأيك استشاريا فأنت تقوم باختيار شخص للقيام بمسئولية ما بينما غيرك هو الذي يتخذ قرار التعيين. وهنا تأتي خطورة الانتخابات في العملية الديمقراطية, فالشخص العادي له حق التصويت والاختيار, وكأنه صاحب القرار في التعيين, إلا أنه يشترك مع الجميع في عملية اتخاذ القرار والتي تتم بنسبة أغلبية التصويت لصالح مرشح معين والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه دائما كما يضيف د.إيهاب كيف يستطيع الانسان العادي أن يختار المسئول بشكل سليم, حيث إن من الممكن تأثر أغلب الناس بمؤثرات غير موضوعية تؤثر علي سلامة اتخاذهم للقرار. ومن هنا يطرح دكتور ايهاب عشر صفات يتم علي اساسها اختيار المسئول: الحضور الشخصي المصداقية ووضوح الفكرة دقة الفهم وحكمة التواصل قوة المهارات الفنية القدرة علي التحفيز والمتابعة الحزم وحسن المعاملة الرؤية القدرة علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. الشجاعة والقدرة علي المواجهة عدم التردد