استبشر آلاف المرضي خيرا, بعد إقرار الدستور الجديد,والذي قننت إحدي مواده تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية, والتي سبقتنا في تقنينه دول إسلامية عديدة وأقرت بمشروعيته فتاوي رسمية صدرت عن دار الإفتاء المصرية والمجامع الفقهية, وكان تأخر سن هذا القانون في مصر سببا في انتشار عصابات تجارة الأعضاء البشرية التي تطالعنا بها صفحات الحوادث. والتي استغلت لعقود طويلة آلام المرضي وحاجة الفقراء وأودت بحياة الآلاف منهم. علماء الدين يؤكدون أن ما جاء في الدستور الجديد حول التبرع بالأعضاء والأنسجة يتوافق مع الشريعة الإسلامية ولا حرمة فيه, وطالبوا بسن قوانين تمنع استغلال الأحياء والأموات, وتحول دون رواج تجارة الكسب الحرام. ونصت المادة(60) بالدستور الجديد علي أن لجسد الإنسان حرمة, وأن الاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الاتجار بأعضائه, ولا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق. كما نصت المادة(61) علي جواز التبرع بالأنسجة, والأعضاء هبة للحياة, وأن لكل إنسان الحق في التبرع بأعضاء جسده في أثناء حياته أو بعد مماته بموجب موافقة أو وصية موثقة, وأن تلتزم الدولة بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقا للقانون. وحول ما ورد بالدستور الجديد ومدي موافقته للشرع, يقول الدكتور سعيد عامر, أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر, إن هذه القوانين لا تتناقض مع الشريعة الإسلامية, كل من يخالف هذه القوانين, أشد من البائع والمشتري والسمسار والطبيب آثم شرعا وقانونا, ولكن إذا احتاج إنسان إلي كلية مثلا له, أو لأحد أقاربه لإنقاذ حياته, ولم يجد من يتبرع له بها, فحينئذ يجوز أن يشتريها للضرورة, ويكون الإثم علي البائع, والضرورات تبيح المحظورات, وليس هناك ضرورة من إنقاذ المريض من الموت, وهذا يكون في أضيق الحدود, وفي أشد الضرورات إعمالا لبعض القواعد الشرعية:( اختيار أهون الشرين, وبيان الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف). وأضاف: إن الله تعالي كرم الإنسان,( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا)( سورة الإسراء), ومسألة نقل الأعضاء عمل مستحدث في هذا العصر, نتيجة للتقدم العلمي, ومن هنا تباينت الآراء, فأفتي بعض العلماء المعاصرين بجواز نقل أي عضو من إنسان ميت إلي إنسان حي في حاجة إليه, ولكن بشروط: أولا: إذا كان المنقول منه ميتا, فإن كان قد أوصي أو أذن قبل وفاته بهذا النقل, فلا مانع من ذلك, وإن لم يوص أو لم يأذن قبل موته, فإن أذن أولياؤه جاز, وإن لم يأذنوا قيل بالمنع, وقيل بالجواز, تقديما للأهم علي المهم, والضرورات تبيح المحظورات, وكرامة أجزاء الميت لا تمنع من انتفاع الحي بها, ثانيا: إذا كان النقل من الحي إلي الحي, وذلك بأخذ عضو من جسم إنسان حي, وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه, لإنقاذ حياته, أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية, فهذا عمل جائز لا يتنافي مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه, كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه, وهو عمل مشروع وحميد إذا توافرت فيه الشروط التالية: أولا, أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به, ثانيا: أن يكون إعطاء العضو طوعا من المتبرع دون إكراه, ثالثا, أن يكون زرع العضو هو: الوسيلة الطبية الوحيدة, رابعا: أن يكون نجاح كل من عمليتي التبرع والزرع محققا للغاية, وحيث وجدت المصلحة فثم شرع الله. الرهن بانتفاع مادي وأضاف: إذا كان هذا العطاء مرهونا بانتفاع مادي, فلا يجوز ذلك, لأنه بيع لما لا يملك علي الحقيقة, ولما فيه من امتهان لآدمية الإنسان, وفتح الباب لتجار الرقيق بأن يجعلوا من أعضاء الإنسان سلعا تباع وتشتري, وقد يؤدي هذا بدوره إلي قتل الأبرياء من أجل الحصول علي تلك الأعضاء التي يتنافس الناس علي بيعها وشرائها, من أجل هذا شدد الإسلام علي استنكار بيع الأعضاء وشرائها, ونظرا لخطورة هذا العمل قامت كثير من الدول بتجريمه قانونا, وفرض حصار شديد علي انتشاره وسنت عقوبات رادعة لمن يقوم به. تبرع مفيد للطرفين من جانبه يقول الدكتور أحمد حسين, وكيل كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر, إن نقل الأعضاء من الموضوعات المستحدثة التي لم يكن لسلفنا الصالح رأي فيها, لأنها لم تكن متداولة أو معروفة في زمانهم, وإنما هي من مستحدثات العصر الحديث بثورته العلمية والطبية الهائلة, وكل عالم من العلماء يدلي فيها بدلو إنما هو رأي شخصي له من الأدلة والبراهين والاجتهادات ما يؤيده, ولا يستطيع أن يقطع بأن قوله هو الصواب المطلق, وإنما يؤخذ من كلامه ويرد عليه, وهذه المسألة خاضعة لحاجة الناس وضروراتهم التي جاء الإسلام برعايتها والمحافظة عليها, فمثلا هناك من الأعضاء ما يمكن أخذ جزء منه من إنسان سليم لإنسان آخر مريض, ولا يتأثر المنقول منه, بل ينتفع المنقول إليه, ك الكبد مثلا فهذا لا يستطيع أحد أن يمنعه, خاصة إذا كان من باب التبرع, وليس من باب البيع والمتاجرة, وكذلك هناك أعضاء مزدوجة في جسم الإنسان, لو تبرع بأحدها لمن يحتاج قد لا يتضرر المتبرع مع استفادة المريض الذي نقل إليه, وأيضا هذا يدخل في باب الإباحة, أيد أنه يجوز. أما بعد وفاة المتبرع إذا أوصي بذلك, أو حتي لم يوص ورأي ورثته الحاجة في أخذ بعض أعضائه للأحياء منهم, فهذا لا يخرج عن باب الإباحة, إلا إذا أوصي الميت بعدم أخذ أعضائه, وهذا كله إذا كان يدور حول التبرع دون البيع والمتاجرة, فإن البيع لا يجوز لأنه يفتح باب شر كبير, وقد رأينا من يحاول أن يأخذ أعضاء الأطفال, وانتشرت ظاهرة اختفاء الأطفال فترة من الوقت, ووجدوا مقتولين بغرض الحصول علي أعضائهم, أما إذا قدم الإنسان المتبرع إليه شيئا من المال لمن تبرع له دون تسمية أو تحديد بعد انتهاء العملية فهذا لا بأس به. تجارة الحرام من جانبه, يحذر الدكتور الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق, من انتشار ظاهرة المتاجرة بالأعضاء, ويؤكد أنها جريمة تتطلب أقصي العقاب, وطالب جميع الأجهزة المسئولة بمواجهة هؤلاء الذين يتاجرون بالبشر وأجزاء جسم الإنسان. وأضاف: ان مثل هذه التصرفات تعد إفسادا في الأرض, لأن الله عز وجل كرم الإنسان, كما جاء في قول الله تعالي: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا, فكيف يقوم هؤلاء بهذه الجريمة الخطيرة؟ يتاجرون في أجزاء جسم الإنسان, ومعني هذا أن هؤلاء يقومون بتقطيع جسم الإنسان, ومواجهة هذه القضية الخطيرة يتطلب تشديد العقوبات علي كل من يشارك في هذه الجريمة, سواء كان طبيبا أو غير ذلك من الذين يشاركون في إتمام هذه الجريمة, فالله عز وجل كرمنا أحياء وأمواتا, فكيف نهين أنفسنا, ويقوم البعض بالمتاجرة ببعض أجزاء جسم الإنسان, وما يترتب علي ذلك من مخاطر وجرائم كثيرة في المجتمع. .. ودار الإفتاء: التبرع بالأعضاء جائز بشروط عن حكم نقل الأعضاء, خاصة إذا كان من مريض ميئوس من حالته, وهل يحتاج لموافقة المريض أو أخذ وصيته, قالت لجنة الفتوي بدار الإفتاء المصرية: والقاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بالضرر, فلا يجوز ان نزيل الضرر عن صاحب العضو التالف بأن نتلف علي إنسان آخر عضوه ونفوته عليه, فليست مهجة الأول بأولي في الحفاظ عليها من مهجة الثاني وحياته. والثانية إن كان العضو المنقول عضوا غير فردي فيجوز نقله وبذله للغير مع مراعاة الضوابط الآتية: 1- قيام حالة الضرورة أو الحاجة الشرعية بالمنقول إليه التي يكون فيها الزرع هو الوسيلة المتعينة للعلاج, وتقدير التعين مرده إلي الأطباء. 2- موافقة المنقول منه مع كونه بالغا عاقلا مختارا. 3- أن يكون هذا النقل محققا لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه من الوجهة الطبية. 4- ألا يؤدي نقل العضو إلي ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كليا أو جزئيا, أو يؤثر عليه سلبا في الحال أو في المآل بطريق مؤكد من الناحية الطبية. 5- أن يكون النقل بعيدا عن البيع والشراء. 6- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط, وإعطائه لذوي الشأن من الطرفين قبل إجراء العملية الطبية. 7- ألا يكون العضو المنقول مؤديا إلي اختلاط الأنساب- بكونه من الأعضاء التناسلية- بأي حال من الأحوال. 8- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة, ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل, ويستوي في ذلك الغني والفقير.