في عام1924 قام الحوذية العربجية في القاهرة بمظاهرة بعد ان توقفت عربات الحنطور بسبب انتشار سيارات الأجرة, وتوجهوا إلي بيت الأمة يحملون الكرابيج ويلوحون بها في أثناء سيرهم. وطلبوا مقابلة سعد زغلول باشا. وعندما عرفوا أنه يتناول طعام الافطار صاحوا قائلين: كيف يتناول إفطاره ونحن نموت جوعا؟ وخرج إليهم سعد باشا ليستمع إليهم فقالوا: نريد قانونا يمنع سيارات الأجرة من السير في شوارع العاصمة.. السيارات تهددنا في أرزاقنا وأن الحنطور صناعة مصرية والسيارة صناعة أجنبية, والشعير الذي تأكله الخيل يزرعه الفلاح المصري, وبنزين السيارة يستورد من عند الانجليز.. فتحاور معهم سعد باشا في هدوء قال: انا مثلكم مهمتي أن اقود العربة وحكومة الشعب هي العربة الحنطور ومصر هي الزبون الوحيد الذي لم يركب العربة وواجبي توصيل الزبون الي الجهة التي يريدها وهي الاستقلال التام, والفرق بيني وبينكم أنكم تحملون الكرباج, وانا لا أحمله, والزبون يريد ان يصل الي جهته بسرعة تماما كما تريد مصر أن أحقق لها الاستقلال بسرعة, وكل ابطاء أو تأخير ليس في مصلحة الزبون, ونحن في عصر السرعة والسيارة هي علامة التقدم. وليس من المعقول أن أري الطيارة تحل محل السيارة في بلاد أخري وألزم بلدي أن تركب الحنطور.. هل تقبلون أن تتقدم الأمم الأخري ونتأخر نحن ؟ إن الذي لا يعمل من أجل المستقبل لا يستحق حاضره ولا ماضيه.. كنت أود أن تطلبوا من الحكومة إنشاء مدرسة لتعليم قيادة السيارات وان تلتحقوا بها في وقت فراغكم وان تتدربوا علي الآلات الحديثة ويتضاعف دخلكم. إن الانجليز يسعدهم ان نتخلف, نتأخر, ونركب الحنطور وأن يركبوا هم الطائرة, هل تقبلون أن يقول التاريخ إن حوذية مصر نادوا بأن تتأخر مصر عن بلاد العالم؟ فلا حرية مع التأخر ولا استقلال مع التخلف, أنا أحدثكم كواحد منكم يهمني مستقبلكم, فإن كنتم تريدون أن تتقدم مصر بسرعة السيارة أو الطيارة فسوف أفعل. وهنا علت صيحات المضربين وقالوا جميعا بسرعة الطيارة, ثم أخذوا يهتفون يعيش سعد باشا. وسعد باشا كان شعاره: إننا نحيا لخدمة الأمة وقد ألينا علي أنفسنا ألا نجعل لغير كلمتها فينا علوا. ومن أقوال الوزير بتاح حوتب لابنه: إذا كنت في منصب فاستمع بهدوء ولا تسئ معاملة المتظلم قبل ان يقول لك لماذا أتي.. ما أحوجنا في حياتنا إلي الحوار والتفاهم الحضاري بدلا من الصراع والقتال الضاري, إن المحاور الناجح يختار أحسن العبارات وأصدقها مع من يحاوره ولا يجعله يقول له كلماتك لطيفة لكنها لا تملأ معدتي الخاوية. إن القيادة مثل القلادة لا يتقلدها إلا من يحمل صفاتها. والقيادة الرشيدة تسجل وقت الأزمات بفخر في التاريخ وتنقش علي صفحاته بالذهب. محمد مدحت لطفي أرناءط موجه عام سابق بالتعليم بالشرقية