في محاولة لتطوير النظام القضائي المصري وتخليصه من مشكلاته اللوجستية والإجرائية, وضعت دراسة علمية, قام بها محمد عصام الترساوي, رئيس نيابة النقض, تصورا شاملا لحل هذه القضايا والمشكلات اللوجستية يعتمد علي استخدام تكنولوجيا المعلومات في تغيير منظومة التقاضي والانتقال بها للعمل الإلكتروني الذي يحقق تدفقا سهلا وسريعا وآنيا لبيانات والمعلومات بين القضاة والمحامين والمدعين والمدعي عليهم والنيابة والجهات المعاونة كالطب الشرعي ومصلحة الأحوال المدنية وغيرها, بما يحقق سرعة الفصل في القضايا ويخفف الأعباء عن جميع الأطراف المشاركين في عملية التقاضي. الدراسة جاءت في إطار الرسالة التي تقدم بها الباحث إلي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري للحصول علي درجة الماجستير في لوجستيات التقاضي وإنهاء المنازعات وأشرف عليها الدكتور عادل السن مستشار المنظمة العربية للتنمية الإدارية, وما يميز هذه الدراسة أنها حددت منذ البداية إطارا واسعا في التعامل مع القضية باعتبارها قضية تنمية معلوماتية شاملة للمرفق القضائي, بما يحتويه من بيئة عمل واسعة متنوعة الأطراف وليس فقط مجرد تحسين في بعض إجراءات التقاضي داخل المحاكم, فالدراسة تتبع وتشخص مراحل التقاضي في حالتها الورقية الراهنة, وترصد الخطوات الإجرائية واللوجستية المطلوبة في كل خطوة, وتشخص عيوب ومزايا الوضع الراهن من مختلفة جوانبه, وفي هذا الصدد تقول الدراسة أن نظام الدعاوي الورقية التقليدية القائم حاليا يتضمن عيوبا كثيرة, منها صعوبة الإطلاع علي الدعاوي من قبل الخصوم, وصعوبة تبادل المذكرات, وصعوبة إرسال الدعوي, وإمكانية التلاعب في المستند الورقي المقدم في الدعوي خاصة عند تنفيذ الإعلانات من قبل قلم المحضرين, وسهولة إتلاف المستند, والرتابة في العمل وطول الإجراءات, والتلاعب في المستند بالحبر السحري وغيره, وسهولة تعرض المستند للسرقة, وسهولة تلف المستند نتيجة لعوامل الزمن والاستهلاك, وصعوبة الحصول علي المستند الورقي من الجهات المعنية وطول إجراءات الحصول عليها, وتضخم وتعدد التشريعات التي تحكم المسألة الواحدة, وتردي الوضع المؤسسة والتنظيمي والمناخ الذي يعمل في ظله القضاة, وتردي المناخ الذي يعمل في ظله المحامون. وتري الدراسة أنه من المتعين التحول إلي أسلوب الدعوي الإلكترونية للتخلص من هذه المعوقات جميعا, وترسم الدراسة ملامح نظام الدعوي الإلكترونية في أنه يبدأ بقيام المدعي بعرض دعواه عن طريق الموقع الخاص بالمحامي علي الإنترنت, فيقوم المحامي بعد قبول الدعوي بإرسال رسالة بيانات للمدعي بقبوله الدعوي, فيقوم المدعي بتوكيل محاميه للدفاع عنه إلكترونيا وذلك عن طريق الربط من مصلحة الشهر العقاري ومصلحة الأحوال المدنية, فيقوم المحامي بالدخول علي موقع المحكمة المختصة ويدخل رقمه الكودي الذي يحصل عليه من نقابة المحامين في إطار تفعيل قانون التوقيع الإلكتروني ويتم التحقق من هويته الرقمية, ويرسل الصحيفة الإلكترونية مزيلة بتوقيعه الإلكتروني, فيتم مراجعتها والتأكد من جميع المستندات ويتم تسجيلها كمحرر إلكتروني بالمحكمة مع تسديد الرسوم إلكترونيا عبر طرق الدفع الإلكتروني المختلفة, ويتم توزيع الدعوي تلقائيا علي إحدي الدوائر بالمحكمة ويحدد ساعة وتاريخ الانعقاد, فتتولي المحكمة بواسطة المحضر الإلكتروني إعلان المدعي عليه بالصحيفة عبر البريد الإلكتروني بعد تفعيل التوقيع الإلكتروني; ليشمل المواطن العادي أيضا, ويحضر أعضاء المحكمة طبقا للموعد المحدد إلكترونيا في المرحلة السابقة, وعند فتح الحاسب بمنصة القضاء وعبر شبكة الاتصالات الداخلية للمحكمة يرسل ملف القضية للحاسب الخاص بالدائرة متضمنا جميع المحررات الرسمية الإلكترونية علي أن تكون قاعة المحكمة مزودة بشاشة داخلية لعرض ملف الدعوي من خلالها. وعند مثول طرفي التداعي ووكلائهم تبدأ المحكمة بسماع الطرف المدعي أولا انتهاء بالمدعي عليه ويتم إثبات الدفوع والطلبات, وحينما تري المحكمة أن الدعوة صالحة للفصل فيها تقرر حجزها للحكم, وتتم المداولة إلكترونيا بأن:يكون لدي القضاة نسخ من ملف الدعوة علي وسيط إلكتروني ويتداولون الحكم علي أساسها, ويتم التوقيع علي الحكم بعد الانتهاء من الرأي النهائي باستخدام التوقيع الإلكتروني علي ملف الدعوي, ثم إيداع الحكم وترسل نسخة منه لإدارة المحكمة وتودع نسخة بملف الدعوي يمكن للخصوم الإطلاع عليها في حينه لمنع التلاعب بالأحكام, ثم يقوم قلم كتاب المحكمة الإلكترونية بإعلان الحكم فور صدوره أو عقب إيداعه بملف الدعوي إلكترونيا بما يضمن الإعلان الشخصي للأحكام دون انتظار نسخ الحكم والتوقيع عليه لفترة طويلة, وبعد الحصول علي نسخة من الحكم إلكترونيا يصبح الحكم محلا للتنفيذ. ووفقا للدراسة فإن السيناريو السابق يحقق العديد من المزايا, منها سهولة الإطلاع علي ملف الدعوي عن بعد, وإمكانية تبادل المذكرات عن بعد وإبداء الطلبات في ذات الوقت دون التأجيل للدعوي لأكثر من أجل, والقضاء علي الأعمال الروتينية كالتحرك لأكثر من جهة لإيداع الصحيفة وقيدها وسداد الرسوم والإعلان, وسهولة الانتقال وتوفير الوقت, فلا حاجة إلي الانتقال لمقر المحكمة للإطلاع علي قرار المحكمة أو الحكم الصادر في الدعوي ولا حاجة للسفر لحضور الجلسات, وإمكانية إرسال ملف الدعوي فوريا من محاكم أول درجة إلي ثاني درجة, أو عند إرسالها إلي مكاتب الخبراء أو الطب الشرعي, كما تعمل المحررات الإلكترونية علي ضمان حق الخصوم بأن ما قرره الخصم أو الشاهد تم إثباته بمحاضر الجلسات والدفاتر فلا سبيل للتذرع عدم الرد علي دفاع معين أو عدم إثباته, وتحقيق الشفافية في التعامل مع الدعوي, وتوفير النفقات فلا حاجة للانتقال وسداد الرسوم عن كل حركة إجرائية, وسهولة حفظ القضايا, والسرية في تداول الملفات, وتوفير الوقت والجهد والنفقات في انتقال المحضر إلي موطن المدعي عليه, وتعرف المحكمة علي وضع المحامي وما إذا كان مقيدا بالنقابة أم لا تلقائيا عبر الربط الشبكي مع نقابة المحامين, ومعرفة الدرجة التي عليها, وتصنيف الدعاوي بما يسهل تداولها وحفظها, وتوفير جهد القاضي الذي يهدر الكثير منه في تهدئة الخصوم وتقليل الجهد في إفهامهم بطلبات المحكمة, وقطع الطريق علي افتعال الأعذار لكسب الوقت من الخصم المماطل نحو مطالعة المذكرات المرسلة وتبادلها في ذلك الوقت. ولوضع هذا السيناريو موضع التنفيذ تقترح الدراسة خريطة طريق لتطوير منظومة العمل القضائي ككل, وتتضمن هذه الخريطة أو الحل العديد من النقاط منها علي سبيل المثال لا الحصر: تطوير النظام المعلوماتي لقاعدة بيانات قطاعات مرفق العدالة طبقا لأحدث نظم البرمجة المعتمدة دوليا والقابلة للتطوير. - حوسبة الدورة المستندية لسير القضية منذ بدايتها وحتي اتخاذ إجراءات التنفيذ - اعتماد نظام الرقم القضائي الإلكتروني بإعطاء القضية رقم واحد في جميع مراحل التقاضي علي نحو يمكن من متابعتها من بداية الخصومة القضائية حتي إجراءات التنفيذ - التنفيذ المرحلي لنظام الموثق الإلكتروني بالتعاون مع القطاع الخاص علي نحو يتلاءم والسياسة الاقتصادية - إعداد مشروعات القوانين لتهيئة الاستقبال لنظام الموثق الإلكتروني. - اعتماد نظام المسح الضوئي للأرشفة الإلكترونية لجميع وثائق مرفق العدالة - تهيئة مرافق المحاكم والبنايات لحسن تطبيق النظام المعلوماتي المطور - تعميق مفاهيم إدارة المعلومات في المجتمع القضائي وتدريب القضاة وموظفي الجهاز المعاون علي تكنولوجيا المعلومات. - ربط الوزارات وقطاعات مرفق العدالة بشبكة معلومات واحدة. - ربط شبكة العدالة بباقي شبكات القطاعات الحكومية. - اعتماد نظام إلكتروني لاستخدام شبكة العدالة علي نحو يسمح بتدفق المعلومات بالكفاءة والسرية والدقة والأمان. - اعتماد معايير موحدة لنظام التراسل وتبادل الوثائق بين قطاعات مرفق العدالة والجهات الحكومية عبر الشبكة الإلكترونية. - تشكل لجنة مشتركة من وزارة العدل والمجلس الأعلي للقضاء ودائرة الشئون القانونية لمتابعة سير تنفيذ مشروعات التكنولوجيا لتلافي إجراءات بطء التقاضي. - توفير قواعد البيانات والإطلاع علي القوانين ذات الصلة بالقضية التي ينظرها والتي يحتاجها القضاة من قوانين مختلفة وأحكام محكمة النقض بدلا من الانتظار لسنوات; حتي يتم طبعها وتوزيعها.