عندما يخرج إبداع الفنان من الوطن للانتشار وعندما تسعي فئات المثقفين في الحصول علي إبداع هذا الفنان خارج الحدود, وعندما يصبح اسمه متداولا بين دول العالم المتحضر الساعية بتحصيل المزيد من الثقافة والفن والحضارة. عندما يحدث كل ذلك فلا شك أننا أمام شخصية لها بريق خاص.. خاصة أن أعماله استطاعت أن تستقطب الكثير من الشعوب المختلفة التاريخ والثقافة... فأصبح واجبا علينا أن نتوقف لنبحث ونعرف ونتعلم ونتأمل هذا الاسم اللامع كنجوم السماء ليلا.. والذي أصبحت أعماله تمثل قيمة أدبية فنية راقية.. قيمة لا تتجاوز حدود الزمان فحسب بل تجاوزت حدود المكان أيضا.. ولد جبران في عام1883 في قرية صغيرة تدعي بشري في لبنان. والده كان راعيا للأغنام والماعز.. وتم حجزه أكثر من مرة بتهمة الاختلاس.. أما والدته فكانت تسعي دائما للهروب من والده لعدم رضاها عن كامل تصرفاته.. وبالفعل نجحت في الهجرة إلي أمريكا.. ومعها أولادها الأربعة.. كانت كاملة قوية الشخصية لها طموحات تعدت حدود بلادها وما أن وصلت إلي مدينة بوسطن حتي وجدت لها عملا ثم نجحت في إيجاد عمل آخر لابنها بطرس الذي كان ابنها البكر.. أما جبران فقد أدخلته إحدي المدارس المتواضعة لتعليم اللغة الإنجليزية.. وكانت موهبة الرسم بدأت تظهر علي ريشة جبران فإنهمك في التعبير بريشته عن آماله وطموحاته وأخذ يرسم الكثير من اللوحات الجميلة.. فأعجب به أحد الأثرياء وأوكل إليه رسوم بعض أغلفة الكتب التي كانت تصدر من دار النشر الذي كان يملكها هذا الثري.. الذي يدعي' فريد هولانداي' إلي أن جبران ظل يملأه الشوق والحنين لتعلم اللغة العربية في موطنه لبنان وبالفعل رجع جبران إلي لبنان في عام1898.. فقرأ وهو في هذه السن كليلة ودمنة وديوان المتنبي ثم التوارة والإنجيل.. ثم علم بعد ذلك بمرض اخيه بطرس بمرض السل.. ثم مرضت أمه بنفس المرض.. ثم قضي المرض علي أخيه بطرس وبعد أيام قضي نفس المرض علي أمه.. فأصيب جبران بحالة يأس واضطراب بسبب وفاة أمه.. ثم كتب يرثيها ما بكيت عليها لأنها أمي فحسب.. بل لأنها كانت أمي وصديقتي.. ثم بدأ بعد ذلك يتفرغ للكتابة والرسم بعد عودته إلي بوسطن.. فنجح في إقامة معرضا للوحاته ثم كتب كتابه الأول بعنوان' الموسيقي' ثم بدأ يكتب مقالات أسبوعية في جريدة' المهاجر' وكان ذلك في عام1905 أي عندما كان في الثانية والعشرين. فحازت كتاباته وأفكاره علي إعجاب القراء ثم حدث أن تعرف علي صديقة فرنسية تدعي اميلي ميشيل فعاش معها قصة حب رومانسية.. ثم دعته للسفر معها لفرنسا للاطلاع علي مجتمع الثقافة والفنون في باريس... ثم كتب جبران' الأرواح المتمردة' وكتب في الإهداء إلي الروح التي عانقت روحي.. إلي القلب الذي سكب أسراره في قلبي.. إلي اليد التي أوقدت شعلة عواطفي أرفع هذا الكتاب وبعد تعرفه علي فنون المجتمع الفرنسي أصدر روايته' الأجنحة المنكسرة' ثم أصدر كتاب' رمل وزبد' في1926 ثم' يسوع ابن الإنسان' و'إلهة الأرض' وفي عام1931 اشتدت عليه وطأة المرض فنقلته سكرتيرته إلي المستشفي حيث ودع الحياة وتم نقل جثمانه إلي بلدته بشري حيث رقد من حياة حافلة بالثقافة والفنون الجميلة تستمتع بها الشعوب الباحثة عن جمال العطاء المعنوي الذي يتجلي في أفكاره وأشعاره ورسوماته.