مؤشرات خطيرة كشف عنها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في أحدث تقاريره عن الدروس الخصوصية, من أبرزها أن28% من الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم يحصل أحدهم علي درس خصوصي هذا العام مقابل06% في عام6002, كما ارتفعت نسبة الطلاب الذين يتلقون دروسا خصوصية في المدارس الحكومية من55% الي97% ومن44% الي56% بالمدارس الخاصة ومن35% الي96% بالتجريبية, وأن15% من الأسر تري أن عدم كفاية شرح المدرس من أهم اسباب الاضطرار للدروس الخصوصية, وسجلت دروس اللغات الأجنبية نسبة38% من الطلاب والرياضيات67% واللغة العربية37%. وأشار التقرير الي أن الدروس الخصوصية في المرحلة الابتدائية ارتفعت من74% الي76% والاعدادية من95 الي85% والثانوية من56 الي78% والمفاجأة امتداد الدروس الخصوصية الي التعليم الفني وارتفاع نسبته من72 الي74% والغريب ان التعليم الازهري ذا الطبيعة الدينية شملته الظاهرة وارتفعت نسبته من44% الي57% والملاحظ كذلك كما يذكر التقرير ان النسبة كانت16% لمحدودي الدخل و77% للأغنياء والأكثر غرابة ان ضعف مستوي الطالب لم يكن هو السبب الوحيد وإنما يضاف له ضمان مزيد من الشرح وبالتالي المجموع الأفضل. تحقيقات الأهرام استطلعت آراء عدد من المواطنين والخبراء بداية يصرخ أولياء الأمور والطلاب من سطوة هذه الدروس رغم الاعلان عن زيادة مرتبات المعلمين فتقول هويدا ابراهيم أم لولدين ان ابنها الأصغر طالب باحدي المدارس التجريبية الثانوية والتي كان لها في الماضي شأن كبير لكنها الآن بلا محتوي تعليمي يذكر وان ابنها يذهب للمدرسة في أيام الامتحانات الشهرية مع بعض الأيام القليلة الأخري لمتابعة شرح مدرس أو اثنين لاغير والباقون تعد حصصهم تحصيل حاصل ومضيعة للوقت وهو مادفع ابني وزملاءه للتحايل علي الحضور لأنه أصبح عائقا وروتينا لا مبرر لهم ومن لا يصدق ذلك فليذهب الي أي مدرسة بشكل مفاجيء وليس باخطار مسبق وسيري ذلك وأكثر. وتري سالي عبد الحميد أم لثلاث بنات في المراحل التعليمية الثلاث ان الكل مسئول عن هذه الظاهرة: أولياء الأمور بتكالبهم ورغبتهم في إظهار الاهتمام باحضار مدرس لأبنائهم في البيت أو في أي مكان خارج المدرسة ساعد علي ذلك طول المناهج المبالغ فيه خاصة مادة الدراسات في الشهادة الاعدادية اضافة الي انخفاض المستوي العلمي لكثير من المعلمين مع ابتزازهم للطلاب عن طريق اعمال السنة والامتحانات الشهرية وتمييزهم للبعض منهم لهذا السبب مطالبة برفع مستوي المعلمين وتخفيض حجم المناهج المبالغ فيه الي حد غريب. حول أعبائها المالية يقول مواطن رفض ذكر اسمه إنه خرج للمعاش المبكر من إحدي الشركات ولديه أربعة أبناء ثلاثة منهم في مراحل التعليم المختلفة وأنه بالكاد يستطيع توفير مستلزمات الحياة الضرورية ويضطر للدخول في جمعيات وأحيانا الاقتراض لتوفير مصاريف الدروس الخصوصية صارخا أين مجانية التعليم التي نسمع عنها طوال الوقت ولمصلحة من هذا الإذلال لمحدودي الدخل وأنه بات عاجزا عن توفير نقودها التي ترتفع كل عام مع ارتفاع الاسعار وثبات المعاش هذا عن المواطن.. تري ماذا يقول الخبراء التعليميون ؟ يقول الدكتور محمد فتح الله الباحث بالمركز القومي للامتحانات وعضو مجلس نقابة المعلمين: إن اهداف التعليم اربعة( استيعاب المفاهيم الاحتفاظ بما استوعبه المتعلم توظيف مااحتفظ به والابتكار والابداع) وتفسير ذلك ان الاستيعاب هو الفهم الكامل لشيء ما وليكن جهاز محمول والذي يعد أول مستويات التعليم والثاني الاحتفاظ بما تعلم وعدم فقده ونسيانه عقب الخروج من الامتحان وثالثها توظيف مااحتفظ به وهو في مثالنا إصلاح أعطال المحمول وأخيرا الابتكار والابداع أي تطوير هذا الجهاز بأجيال أحدث وأفضل لذلك فإن الدروس الخصوصية أهم مشكلاتها في التركيز علي الاستيعاب والتلقين فقط وأهملت الجوانب الباقية بسبب أنظمة الامتحان التي تقيس في معظمها التلقين والحفظ في الأساس مع بعض الفهم والتي رغم أهميتها فهي ليست إلا أقل من نصف التعليم فنتج لنا أنصاف متعلمين جامدين. والخطأ الكبير الآخر كما يقول د. فتح الله تركيز التعليم علي الجمود الفكري أي المعلومة فقط رغم أنها قابلة بل سريعة التغير وكثيرا ماتغيرت المعلومة التي يدرسها الطالب وتجاوزها العلم بينما تصر مناهجنا عليها كما لو كانت نصا مقدسا, كما أن المشكلة الأخري هي عدم تأهل بعض المعلمين لذلك وأن نقابة المعلمين قدمت بعض الدورات لرفع كفاءة المعلمين. وقبل أن ينهي كلامه نبه الي أن إكساب الطالب مهارات التفكير العليا( الاستنتاج والاستدلال والاستنباط والتقويم) لا علاقة له بصعوبة الامتحان ولكن يجب توصيلها بشكل صحيح ويدعم ذلك الامتحان. واعترف د. فتح الله بأن رئيسا سابقا لدولة عربية أراد نقل مناهج ماليزيا التعليمية, وكنت عضوا بلجنة النقل هذه وقلتها صريحة له إن منهجهم ربع حجم منهجنا من حيث المعلومات لكنه أعظم تأثيرا لأنه يساعد علي تنمية مهارات التفكير ويعلم مؤهل لذلك وإمتحان يقيم الاستيعاب والاستنتاج والاستدلال والاستنباط ومنهيا كلامه قائلا: رغم ذلك فإنني مضطر كأب لإعطاء دروس خصوصية لأبنائي لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة لرفع قدرة أبنائي علي الاستيعاب والتلقين, وبالتالي الإجابة عن النمط الحالي من الأسئلة والامتحانات التي هي الوسيلة الوحيدة لدينا لقياس نبوغ وتقدم الطالب. الآثار التربوية أما الدكتور جاد الله أبو المكارم أستاذ القياس والتقويم بالمركز القومي للامتحانات فيري أن الدروس الخصوصية أدت إلي غياب دور المدرسة في حياة الطالب, وفي تشكيل شخصيته, إضافة إلي سوء العلاقة بين إدارة المدرسة والمدرسين لتنافسهم علي الدروس الخصوصية مع شعور المعلم بالإرهاق والحط من كرامته, وبالتالي إهماله لعمله وانشغاله عن نفسه وأسرته, وعن تحمل مسئولية الطالب بالمشاركة مع ولي الأمر. وبالنسبة للطالب فإنه يجد أن مدرسه يميز زملاءه الحاصلين علي درس خصوصي ويساعدهم بشتي الطرق لتحقيق أعلي الدرجات في مادته مما يثير حقد وعداوة الطلاب الآخرين, بل قد يلجأ بعض المدرسين لإعطاء درجات لطلاب لا يستحقونها في أعمال السنة والاختبارات الشفهية والعملية ومساعدتهم في الغش بالامتحانات, وقد يتم تسريب أسئلة الامتحان لهم مع عدم الاهتمام بالنظام والمواظبة اعتمادا علي الدروس الخصوصية. الآثار التعليمية ويشير الدكتور جاد الله إلي قول الأستاذ حامد عمار إن العملية التعليمية في ظل الدروس الخصوصية أصبحت تعتمد علي( التلقين) والتلخيص للمعلومات وتخزينها لحين استرجاعها عند الامتحان, وتلغي دور التعليم في تكوين شخصية الطالب معرفيا وفكريا وإجتماعيا وخلقيا وسلوكيا, وهكذا تم اختزال العملية التعليمية بلا التفات لأهمية النظام والتعامل وتنمية المواهب والتعاون والولاء للمدرسة, بل ضاعت هيبة المعلم وبات سلعة يشتريها الطلاب وقتما أرادوا. ويشير الدكتور جاد الله إلي نقطة مهمة, وهي أن الدروس الخصوصية ليست شرا مطلقا, وأنها قد تكون ضرورية لدي البعض من التلاميذ بسبب الفروق الفردية في القدرة علي الاستيعاب أو بسبب ظروف مرضية لأوقات طويلة, وعند نقل تلميذ من مدرسة لأخري, وقد يكون السبب التأخر الدراسي بوجود خلل ما في استعداد الطالب أو المدرس أو استيعاب المادة, كما أنها تساعد التلاميذ الذين اختاروا نوعا من الدراسة لا يناسب قدراتهم وميولهم نزولا علي رغبة الأسرة التي يحدوها الأمل في التحاق ابنها بإحدي كليات القمة, ولكن يبقي كل ذلك استثناء من القاعدة العامة التي يسير عليها غالبية الدراسين والمدرسين موضحا أن الدروس الخصوصية لكل ذلك هددت مجانية التعليم التي كانت أحد أهداف ثورة يوليو, وبندا أساسيا في الدستور, وفوق ذلك أهدرت مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب بالتركيز علي بعض الطلاب, وتمييزهم في الدرجات والشرح والمعاملة, بل إعطاؤهم تقديرات لا يستحقونها لأنها حق غيرهم أي أنها تنسف العدالة التعليمية وترسخ الطبقية, وعن الأسباب يقول د. جاد الله: تتمثل في كثرة التغيير واتباع سياسة القص واللصق لذا يجب إعادة بناء المناهج طبقا للمعايير العالمية التي تراعي ميول التلاميذ وارتباطهم بالبيئة ومراعاة التتابع والتكامل بين موضوعات المنهج والفروق بين الطلاب, خاصة ذوي الاحتياجات والمقصود بهم المتفوقون وذوو صعوبات التعلم. لماذا الدروس الخصوصية؟! وحول أسبابها تقول الأستاذة الدكتورة سعاد الفجال رئيسة قسم تطوير الامتحانات بالمركز القومي للامتحانات إنها في الأساس مرجعها لتقصير المعلم في أداء دوره لافتقاده( الدافعية) لبذل الجهد لاستنفاد طاقته في العمل خارج المدرسة, يضاف إلي ذلك أننا كأولياء أمور نساعد علي ذلك بالإسراع بإعطاء أبنائنا درسا خاصا دون انتظار الاحتياج إليه لإعطاء الفرصة للطالب لبذل الجهد, ويدعم ذلك احتياج المعلم المادي, وبالتالي يسعي بطرق مختلفة لزيادته, ولو علي حساب رسالته السامية. مسئولية المناهج وتؤكد الدكتورة سعاد الفجال مسئولية المناهج لأنها في حاجة ماسة للتبسيط وتقسيم المحتوي لفقرات محددة يستطيع من خلالها المعلم توصيل المعلومة للطالب, وحث الطلاب والزامهم بقراءة المحتوي, وبذل الجهد لفهمه, وبالمناسبة فإن الأمر الفارق هنا هو تعليم أولادنا كيفية المذاكرة بمفردهم والاعتماد علي أنفسهم. روشتة للمذاكرة ونأتي للنقطة الأهم وهي: كيفية إكساب الأبناء الاعتماد علي النفس, وذلك يتم عن طريق ترتيب فقرات المحتوي وتلخيصها ثم كتابة عناوين تشير لكل جزء, إضافة لفهم المحتوي في ضوء المستويات المعرفية المختلفة من تذكر وفهم وتطبيق وتحليل وتقويم, وهنا تجدر أهمية تعليم الطالب كيفية تقييم مستوي مذاكرته للمادة ووضع أسئلة لنفسه, لأن هذا ما جعل الجيل السابق مختلفا عن الحالي, ففي الماضي لم يكن الكتاب المدرسي يحتوي علي أسئلة وتمارين, ولم نكن نعرف الكتب الخارجية, ورغم ذلك أدرك الطلاب درجة وعي وفهم للمنهج تفوق بكثير الحالية بمساعدة معلم واع لدوره.