عظيم أن تعود القارة الآسيوية بكل مقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والمالية إلي بؤرة اهتمام واكتراث الدبلوماسية المصرية, وبالتأكيد فإن مصر في ظل ظروفها الحالية بما فيها من عدم استقرار سياسي واقتصادي تسعي بكامل طاقتها للحصول علي استثمارات ومشاريع ومساعدات وقروض من آسيا وغيرها, حتي تجتاز هذه المرحلة الدقيقة الحرجة من تاريخها, ولكن هل يقتصر احتياجنا لآسيا علي هذه الجوانب فقط أم لديها ما ينفعنا أكثر؟ ودون تقليل أو استخفاف بأهمية وحيوية النواحي الاقتصادية والمالية في علاقاتنا المستقبلية مع آسيا, فإن القارة الصفراء قادرة علي تزويدنا بما هو أهم وأفيد من أجل تشييد دولة عصرية حديثة لا تقل عن مثيلاتها في الغرب. فمن حق المواطن المصري أن يحس بأنه حقا يعيش في دولة الرفاهية الاجتماعية بما تتضمنه من رعاية صحية محترمة, وأن تقله وسيلة مواصلات تحفظ كرامته وآدميته, وأن يستنشق هواء نقيا يخلو من التلوث, وأن يحصل الطلاب علي تعليم يتصف بالجودة من الحضانة حتي الجامعة, وأن نجيد استثمار البشر الذين هم أغلي وأثمن مورد وعدم تركهم نهبا للإحباط والاكتئاب والتفكير في مغادرة الوطن. فآسيا غنية وزاخرة بفنون ودروس القفز فوق الأزمات, وذلك ما يلزمنا بشدة حاليا, فاليابان مثلا صاحبة تجربة مشهودة خاصة بالتأمين الصحي الذي يستظل به تقريبا99 % من مواطنيها دون تمييز, فلماذا لا نفكر في الاستفادة من هذا النظام وتطبيق ما يناسب أحوالنا في مصر؟. كما ابتكر اليابانيون تكنولوجيا متقدمة لإعادة تدوير القمامة, واستغلالها في تصنيع العديد من المنتجات المفيدة والمستخدمة في حياتنا اليومية. أما كوريا الجنوبية فإنها تعاني من الاختناقات المرورية, وابتدعت أساليب للتغلب عليها بتحسين وسائل النقل العام, وتخصيص حارة تسير فيها بعيدا عن الزحام, بهدف الحد من الخسائر الناتجة عن الساعات الضائعة في شوارع المدن دون إنتاج. كذلك فإن الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية يمتلك نظاما تعليميا فريدا جوهره وأساسه هو إعداد المعلم الذي يتولي التدريس لأجيال المستقبل وتكون من بين مهامه الأساسية المحافظة علي اللغة ووضع مناهج تفتح الآفاق الواسعة أمام الطالب وتنشيط ملكاته وقدراته الذهنية والإبداعية وليس الارتكان للحفظ, ثم الذهاب للامتحان وبعدها تنقطع صلته بما تعلمه طوال سنوات الدراسة. يزيد علي ذلك أن الكوريين الجنوبيين لديهم تجربة راقية في تحويل القبح إلي جمال, ونحن أدري بحالنا الذي يشجع علي القبح, من خلال قلب مناطق مهجورة مهملة كانت تستغل لإلقاء القمامة لحدائق عامة يتمتع بها العامة, وتقلل من التلوث وما يسببه من أمراض كثيرة مزمنة, فضلا عن أن سول تستطيع مساعدتنا في الارتقاء ببرنامجنا النووي الوليد ورعايته حتي يكبر ويشتد عوده, بغية استخدامه في أغراض سلمية. وبالنسبة للهند فإنها استطاعت بناء برنامج للفضاء بتكاليف زهيدة علي عكس الأمريكيين والأوروبيين, ففي الشهر الماضي أطلقت مركبة فضائية لاستكشاف المريخ, لتنضم إلي نادي الكبار للفضاء, ونجحت وبجدارة في استثمار مواردها البشرية للحد الأقصي, ولننظر إلي عدد الهنود العاملين في التقنيات المرتبطة بالكمبيوتر, بل أنها صنعت في الشهور الأخيرة حاملة طائرات بجهودها الذاتية. الصين بدورها تملك تجاربها الناجحة في تهيئة البيئة الصالحة والجذابة للاستثمار ودعم المشروعات الصغيرة, فكل ما نحصل عليه من التنين الصيني ليس مصدره الشركات الكبيرة, فالصغار لهم نصيبهم من النشاط الاقتصادي. بخلاف أن الصين متميزة في التخطيط العمراني, وبصراحة فإن هذا الجانب يعد مشكلة كبري لنا, فالعشوائية سائدة وشائعة في كل مكان ولا نستطيع القول إن لدينا نسختنا اللائقة من التخطيط العمراني التي يعتد بها, وأضيف لما سبق أنها ثالث دولة تصل للقمر, فهي منجم ينتظر من يستفيد منه في علوم الفضاء. تلك مجرد نماذج مما يمكننا الاستفادة منه من علاقتنا مع آسيا في ثوبها الجديد, لكن الفيصل هو ما إذا كنا اعددنا خطتنا بهذا الخصوص بمعني هل حددنا ما نريده فعليا من آسيا أم أننا نسير في نفس الدائرة القديمة بالحديث عن تجارب التقدم الآسيوية دون أن نستفيد منها عمليا؟