لكي يجد المؤمنون حلاوة الإيمان تسعدهم بالفوز العظيم, والثواب الجزيل, بين رسول الله صلي الله عليه وسلم سبيل الظفر بها, وأمارات الحصول عليها. فقال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. أخرجه البخاري إن حلاوة الإيمان يتم الوصول إليها, ويتذوقها المؤمن, إذا تحققت ثلاثة أمور وضحها المصطفي صلي الله عليه وسلم, أولها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, فإيثار حب الله يقضي بطاعته, والسير علي توجيهه, وتفضيل ما يضمن رضاه علي ما فيه رضا غيره, والاستجابة لكل ما أمر به, والبعد عما نهي عنه, والاعتصام بنوره المبين وصراطه المستقيم, والعيش مع كتابه الكريم, ففيه ما يهدي إلي أقوم السبل, وينير معالم الطريق, ويرشد إلي ما يسعد في الدين والدنيا يقول سبحانه: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم, ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا, ويقول أيضا: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم, إن تغلب حب الله علي ما سواه يقوي الإيمان, ويزيد الهدي, ويغير النفوس تغييرا تاما, وينشئها خلقا آخر جديرا بحلاوة الإيمان.. ومشاركة رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا الأمر قوة تسند ظهر المؤمن, وتشد أزره, وتأخذ بيده, فهو الأسوة والهداية والخلق العظيم, الذي تفيض نعمه, ويسمو فضله, وهو الداعي إلي الله بإذنه والسراج المنير. يقول رب العزة: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا, ويقول رسول الله: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا, وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجماع الأمر أن إيثار حب الله ورسوله يعطي المؤمن أسمي طاقات التقي والصبر والرشاد, ويشده إلي قيم أرفع وأبقي من شهوات الدنيا, ويمنحه أكرم مصدر للسعادة الإنسانية الدائمة, أما الأمر الثاني: فهو أن يحب المرء لا يحبه إلا لله: وهو حب خالص كريم, يتدفق بالمودة والهناء, لا يقوي الإخاء إلا به, ولا تسعد الحياة إلا في ظله, يجعل المجتمع البشري متماسكا مترابطا, يؤازر الأخوة الصادقة, ويبغض التفكك, وضعف الروابط بين أبناء الأمة, ويطلب منهم أن يتعارفوا ولا يتناكروا, ويتحابوا ولا يتباغضوا, ويتعاملوا فيما بينهم بالعدل والرحمة, ويستمدوا من الله قوة لا تغلب, وحقا لا يخذل وخلودا لا ينقطع, إن الحب الذي يرعاه المولي عز وجل, ويحيطه بجلال نوره, ركن ركين في الأخلاق, وأساس متين لرقي المجتمع وأزدهاره, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ولا ريب في أن حب المرء للمرء لا يحبه إلا لله, يحتم الإخلاص, ويوجب التعاطف والتراحم والتعاون والاتحاد, ويفرض النأي عن الاختلاف والتفرق والنزاع والشقاق, فمن علامات حلاوة الإيمان أن يكون حب المؤمنين قائما علي البر والتقوي, داعيا إلي الخير, ثائرا علي الشر, أمرا بالمعروف, ناهيا عن المنكر, وأما الأمر الثالث: فهو أن يكره المرء أن يعود في الكفر, كما يكره أن يقذف في النار, وكراهية الكفر تدل علي أن المؤمن عرف الحق, وتمسك بالهدي, وأدرك أن الإيمان يمقت الفحش والموبقات, والمحرمات, التي تجر إلي العذاب الشديد, والقذف في النار.. إن حب الله ورسوله والمؤمنين المحسنين الطائعين نعمة, والشرك والجور والمعاصي والشرور نقمة, وما أقيح الكفر وناره! وما أحسن الإيمان وحلاوته! إن المحب الطاهر الصادق الأمين راسخ مطمئن, عمقت جذور إيمانه, وأصبح يملك الدنيا, ولكنها لا تملكه, وضحت خطته, واستقامت طريقته, فلا يحب إلا التقوي ونعيمها, ولا يكره إلا ما يبغضه الله ورسوله, يود دخول الجنة بإيثار الحب والطاعة والهدي, والعمل الصالح المخلص, وصدق رسول الله: والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا, ولن تؤمنوا حتي تحابوا! أيها المؤمن: التزم بالأمور الثلاثة: لتنال حلاوة الإيمان, وتفوز بالسعادة والرضوان, وجنات تجري من تحتها الأنهار.