تنفيذا لتوجيهات السيسي.. محافظ شمال سيناء: تقسيط إيجار الشقق على 30 سنة لأهالي رفح    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    تقديم الساعة 60 دقيقة غدًا.. تعرف على مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    محافظ شمال سيناء: لا توطين لأي فلسطيني.. وإعادة 3 آلاف إلى غزة قريبا    بطولة الجونة للاسكواش.. تعرف على نتائج مباريات ربع النهائي    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    «زي النهارده».. وفاة الفنان سمير وحيد 25 إبريل 1997    محافظ الإسكندرية يهنئ السفيرة لينا بلان لتوليها مهام قنصل عام فرنسا بالمحافظة    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    مواجهة بين أحد الصيادين ومؤسس حملة "خليها تعفن" تكشف أسباب ارتفاع أسعار الأسماك    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    مظاهرات لطلاب الجامعات بأمريكا لوقف الحرب على غزة والشرطة تعتقل العشرات (فيديو)    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    "سنحولها إلى الجهات الرقابية".. الزمالك يكشف مفاجأة في قضية بوطيب وتحركات لحل الأزمة    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    كاراجر: محمد صلاح ظهر ظلا لنفسه هذا الموسم    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    بعد خسارة الأهلي ضد أويلرز الأوغندي.. موقف مجموعة النيل ببطولة ال«BAL»    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    الأرصاد تُحذر من حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس: درجات الحرارة تصل ل43    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    شراكة مصرية إماراتية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والتقليدية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    في حفل تأبين أشرف عبدالغفور .. أشرف زكي: فقدنا فنانا رسم تاريخه بالذهب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. ومحتكر السلع خبيث    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ الطب النفسي د‏.‏ أحمد عكاشة‏:‏لن أنتب رئيسا عاقلا‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 01 - 2012

صاحب مدرسة في الطب النفسي‏,‏ بل هو أول من أدخل هذا الفرع إلي العالم العربي عام‏1965,‏ وأسهم في زيادة الوعي والمعرفة بهذا العلم, وبفضل سلاسته أصبح المرض النفسي مجدولا في الثقافة العامة لا يخجل منه صاحبه أو أهله.. د.أحمد عكاشة الطبيب المرموق الذي وصل لمشارف العالمية حين انتخب رئيسا للجمعية العالمية للطب النفسي, ثم أمم جمهورية علم النفس وجعله خبزا للجميع, لينتفع بعلمه الناس.. وإذا كان الطب هو علم الآلام.. فقد آثر د.عكاشة التخصص في ألم النفس, فهو طبيب القلب والروح في آن.. ربما كانت نشأته في منزل قام بالتأسيس الثقافي لمصر في الستينيات ثروت عكاشة سببا في
تفضيله هذا التخصص الذي يشبه الأوركسترا السيمفوني للإنسان, د.أحمد عكاشة هو قائده بالطبع ينتقل بسلوكيات المجتمع ويحللها ويفككها ويبدأ من اللحن البطيء أداجيو ويتدرج حتي يصل بمستمعيه إلي استنفار الهمم بما يثيره من مراجعات للذات وتشريح للسلوكيات والتنبيه والتحذير واقتراح الحلول فمبدؤه ولا تكتموا الشهادة..حديثه يحتوي علي قيمة روحية كامنة شأن أي نص أدبي رفيع.. هو أول من يتصدي للإدمان, لكنه أدمن التأمل المتسامي ليحرر البشر من تعاستهم, مؤكدا أن رغد العيش لا يحقق السلامة النفسية.. فتنة الوضوح في مؤلفاته العلمية التي بلغت آفاقا بعيدة جلية.. ولعله أول من اهتم بطب الفقراء للأمراض النفسية.. د.عكاشة يلفت الانتباه إلي أن الكلام عن ظاهرة معينة سلبية بصفة مستمرة يزيد من حدتها ويخلق نوعا من التحصين ضد ما كان يرفضه الإنسان في البداية.. صك تعبيرات نفسية ممهورة باسمه أشهرها جودة الحياة والصحة النفسية بالعمل والحب والإيمان, وتجاوز الذات وكان نموذجا وقدوة في كل ما يدعو إليه فاستحق دائما اسمي آيات التقدير والاحترام.
قيل قديما لكي يستطيع الإنسان تحليل شخصية يجب أن يعرف الكثير من سمات شخصيته.. فلتكشف لنا النقاب عن طفولتك وكيف امتلأ كيانك بهذا العلم ؟
يستهل د. عكاشة حديثه بابتسامة صافية تحمل الكثير من الرضا والاعتزاز بفترة التنشئة فيقول: والدي محمود باشا عكاشة كان مديرا عاما لسلاح الحدود وحاكما للصحراء الغربية الشرقية.. وتولي منصب مدير سلاح الحدود قبل اللواء محمد نجيب.. تعلمت منه تقسيم الوقت والتدريب علي إدارة حياتي بصورة ممتلئة بلا لهاث والتركيز فيما أفعله وإتقانه أما والدتي سنية طلعت فكانت سيدة مستنيرة.. تجادل السياسيين وتقارعهم بالحجة.. فعلي وأحمد ماهر ابنا خالتها وكنت أشاهدهما كثيرا في منزلنا خاصة علي ماهر الذي تولي ترتيب إجراءات تولي فاروق العرش وسلطاته الدستورية.. وكان منزلنا ملتقي الكتاب والساسة والأدباء.. وكان شقيقي الأكبر ثروت عكاشة يستقبل رجال ثورة يوليو وهو من فرسانها- في منزلنا فشاهدت جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وحسين الشافعي وكمال الدين حسين وصلاح سالم كانت حواراتهم ثرية تتطرق للسياسة والفن التشكيلي والأدب والموسيقي والتاريخ والفن تعلمت من ثروت التذوق والإحساس بالجمال في سن مبكرة جدا إضافة إلي أن شقيقتي الكبري كانت تصحبني معها في حفلات الأوبرا وعروض الباليه والمسرح والسينما حيث كان زوجها الصحفي الكبير أحمد أبو الفتح صاحب جريدة المصري يعود في أوقات متأخرة لأن الطباعة كانت بدائية بمقاييس هذا الزمان وقد ساهم أحمد أبو الفتح في ثراء وجداني في فترة الطفولة.. وطفت معه معظم دول أوروبا فهو معلمي ورائدي مثل شقيقي ثروت.. تعلمت منه معني الحرية وأن الكرامة لا تشتري بالمال ولم يصادفني في حياتي إنسانا له مثل مصداقيته وكان موقفه من عبد الناصر شائكا وحدث اختلاف في وجهات النظر.. ومن المواقف التاريخية التي لا أنساها لوالدتي أنها لم تعتب علي عبد الناصر يوما وقد حرمت بسبب هذا الخلاف من رؤية ابنتها الحبيبة.. وأثناء أزمة مارس عام1954 بين عبد الناصر ومحمد نجيب ذهبت لنجيب وحذرته من عبد الناصر وقالت له بوضوح: احترس عبد الناصر يخطط لاستبعادك وبكل طيبة وسذاجة أفصح محمد نجيب عن هذه أمام عبد الناصر في اجتماع مجلس قيادة الثورة وفيما بعد كتب نجيب في مذكراته بصيغة عتاب الذات أن والدة ثروت عكاشة كانت علي صواب.. لكن لك أن تتخيلي مدي الإحراج الذي سببته هذه الواقعة لثروت. حين أبدي له عبد الناصر الملام قائلا: لا يوجد داعي لتدخل طنط في السياسة.. وحين عاد ولام والدتي وعاتبها عتاب الابن قالت له: أنت حتعمل علي وزيرا.. أنا فعلت الصواب ثم إنني أعمل بالسياسة قبل مولدك.. فابتسم ثروت وانتهي الأمر وحين سافرت إلي انجلترا لاستكمال دراستي حرصت علي إعطائي بلوفر صنعته بيديها..
ولكن ما الذي فتح أفق الموهبة والإبداع في مجال الأمراض النفسية وكانت لا تزال علوما مستحدثة نسبيا ؟
كانت طبيعتي تميل للتأمل في أحوال البشر.. وازداد الأفق اتساعا بالقراءات المتنوعة وكنت أتوق بعد دراستي للطب بكل تخصصاته العامة التي تعالج الآلام والآهات إلي دراسة آلام النفس بصورة شاملة متكاملة مثل الأوركسترا السيمفوني وكان الطب النفسي هو التخصص الذي يتواكب مع ميولي واهتماماتي فالتحليل النفسي رياضة عقلية عميقة.. لم تتقبل الأسرة هذا التخصص بصدر رحب.. كنا في الخمسينيات وكان الأمر مرتبطا في الأذهان بالأمراض العقلية والسرايا الصفراء لكن أمام إصراري وحماسي الأكاديمي سافرت عام1959 إلي انجلترا في بعثة دراسة وكنت أول من أدخل قسم الأمراض النفسية في كليات الطب في مصر عام.1964
ما سر الارتباط بين المرض النفسي والإبداع, وهل توجد متلازمة علمية تتسق مع المقولة الشائعة الفنون جنون ؟
كل الأمراض النفسية ما هي إلا تغيرات كيميائية وفسيولوجية في المخ يقوم الطبيب بعلاجها وإعادة التوازن لهذه الكيمياء.. فالمرض النفسي يمثل اضطرابا في بعض الأعراض مثل القلق والوسواس والهيستريا وهي أعراض موجودة عند كل الناس بنسب متفاوتة ولكن إذا زادت عن الحد الأقصي يصبح الإنسان مريضا نفسيا.. أما المرض العقلي فهو أشد الأنواع وأقساها والتلازم بين المرض النفسي والموهبة ليس شرطا ولكن في بعض الأحيان تفرض الموهبة تكوينا نفسيا خاصا.. لأن( الموهبة) بحد ذاتها شئ شاذ لا يوجد لدي كل البشر.. فالفنان إنسان غير عادي تتطلب عملية إبداعه حالة انفعالية خاصة.. يصبح فيها الذهن والوجدان مشحونا بأقصي الطاقات التي يتوهج خلالها الفنان ويبدع ثم يكتئب وقد يضطرب نفسيا ومعظم عباقرة الموسيقي في العالم كانت لديهم اضطرابات نفسية مثل هاندل وبيتهوفن وشوبرت وشومان ومعظم هؤلاء الفنانين والموهوبين ينتجون أثناء معاناتهم النفسية بل إن البروفيسور ناش الحائز علي جائزة نوبل في الفيزياء عام1995 كان مصابا بالفصام لمدة ثلاثين عاما في شبابه ودعوته عام1996 حينما كنت رئيسا للجمعية العالمية للطب النفسي لكي نعطي الناس أملا في الشفاء.
الحديث عن الأدب سيأخذنا إلي مجال البصيرة التي تستنبط من الواقع رؤي المستقبل.. كما استنبطت أن الشباب هم من سيفجرون ثورة مصر القادمة.. فكيف يمكننا تحليل الواقع لاستخلاص تلك التوقعات الصائبة ؟
كلمة بصيرة.. كلمة طبية.. نستعملها في المرض النفسي أو العقلي إذا اقترف المريض جريمة ما تقول عنه أنه( عديم البصيرة) وتصبح محاكمته غير جائزة ويستلزم الأمر العلاج أولا.. لكنني أفضل تعبير رؤية مستقبلية ولا أؤمن بكلمة الفراسة لأن الرؤية المستقبلية تعتمد علي أساس ثقافي علمي وهنا قد تصح التوقعات والآراء في أشياء عديدة وكل الإحصاءات وأحوال مصر قبل ثورة يناير كانت تنبئ بوجود نار تحت الرماد فنسبة الأمية40% ونسبة الفقر مشابهة لها والبطالة بلغت أقصي معدلاتها والشباب يمثل50% من مجموع السكان ومنفتح علي العالم بوسائله التكنولوجية وأصحاب السلطة يكبرونه بثلاثة أجيال علي الأقل.. فالشعب المصري ليس خانعا كما كان يقول جمال حمدان ولكنه ينفرد بتنوع جيني فريد لا يعرفه غيره وأعني بها الموروثات الموجودة في خلايانا من البيئات السالفة والتي تتغير عبر السنين وتصبح وراثية.. هنا سيتجلي بوضوح أن المصري مر بحضارة فرعونية ورومانية وإغريقية وقبطية وإسلامية وتركية وفرنسية وانجليزية وشرق أوسطية وحضارة بحر متوسط وحضارة أفريقية( تنوع ستة آلاف عام) مصر هي التي فجرت الضمير الإنساني قبل الأديان كان الإنسان يتزوج والدته او أخته وهي أول دولة في العالم ولكن هذا الجين الوراثي المتميز يختفي عقودا أو قرونا مثل الأنهار التي تختفي تحت الصخور لكنه إذا ظهر تتجلي هذه الحضارة التي ظهرت في عدم وجود شرطة لمدة تسعة شهور ووجود لجان شعبية من جميع أطياف الشعب انصهرت في بوتقة وطنية ذابت فيها الفوارق فما حدث من تجاوزات السلب والنهب في أمريكا واليابان حين تعرضتا لظروف طارئة يفوق ما حدث في مصر من حوادث بأضعاف مضاعفة.
استنادا لتلك الرؤية المستقبلية فمن هو الرئيس الذي سيختاره د. عكاشة ؟
كل دول العالم التي نهضت من حولنا امتازت بقادتها الذين يملكون رؤية مستقبلية في كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتركيا.. سأنتخب من له رؤية مستقبلية.. لا صاحب شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ولكن من يمتلك مفاتيح تطبيق هذه الأهداف وأنا لا أفضل أصحاب الرؤي الكلاسيكية أو المحافظين الذين يرصدون كل الأمور بالورقة والقلم فأنا لا أريد رئيس جمهورية عاقلا!! سأنتخب من يقوم بعمل أشياء غير مألوفة.. مبتكر.. مبدع فأثناء المحن والثورات لا تصلح القيادة التقليدية فلابد أن ننفتح علي الماضي والحاضر والمستقبل بطريقة علمية.
ولكن اختيار هذا الرئيس يتطلب شيوع ثقافة علمية وموضوعية نفتقدها في مناخ الإضرابات والاعتصامات التي تعصف بكل أرجاء مصر ؟
أتمني من الله أن تنتهي هذه الفوضي لأن الاعتصامات لا تبني بلدا وأعتقد أن ما حدث في الآونة الأخيرة من قمع وقتل لن يتكرر ولدي تفاؤل شديد بهذا الشعب وأشرف بأنني عضو مجلس الأمناء في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والتي تسعي لجعل العلم نبراسا والثقافة العلمية أسلوب حياة يهيئ للمصري النجاح والإبداع اللذين يحققهما في الخارج والحمد لله ثقة الناس بالمشروع أسهمت في جمع(22 مليونا من الجنيهات) خلال شهر واحد والمدينة جمعت أكثر من مليار جنيها من التبرعات.. وشيوع الثقافة العلمية يعني المصداقية وتحمل المسئولية والانضباط والإتقان والتعاون فلا يمكن أن تكون هناك نهضة علمية أو ثقافية أو سياسية دون تعاون ومن يحصلون علي نوبل يحرصون في كلمتهم علي توجيه كلمة لكل معاونيهم وشركائهم وأهم شئ في الثقافة العلمية هو تجاوز الذات فالمرض النفسي في تعريفي هو التمركز حول الذات والصحة النفسية مفتاحها التمركز حول الآخر لابد أن نتجاوز قضية الفلول أو الإسلاميين وإلا تحولت الدولة للطائفية وغالبا ما يسبق التغير الإجتماعي.. التغيير الأخلاقي فظهرت أخلاق الميدان خلال الأيام الثمانية عشر ثم ظهرت جماعات تفكر في حساباتها الخاصة والثوار تشرذموا لكل منهم أجندته ولم يتجاوز الجمع ذاته وظهرت المشاكل وتفاقمت واستعصت.. ولكن إذا وضعنا مصر في المقدمة فلن نعاني وسنصل لدرجة من الثقافة العلمية.
كطبيب نفسي كيف تري العلاقة بين الشخصية العسكرية والمدنية وهل تلتمس العذر للمجلس العسكري ؟
المجلس العسكري أخذ بزمام الأمور بوطنية معهودة ولم يتردد لحظة واحدة في أخذ هذا الموقف الوطني وللإنصاف يكفي الرجوع للحالتين الليبية والسورية حين أنحاز الجيش للحاكم وتدفقت الدماء.. فمن الظلم البين أن يتهمه البعض بأنه لم يقف مع الثورة.. فيما يتعلق بالشخصية العسكرية فهي تختلف عن الشخصية المدنية من حيث الإتقان والانضباط والمسئولية والطاعة العمياء لمن هو أقدم رتبة ومكانة وحتي الرئيس المخلوع كان يتمتع بهذه الصفات وحتي أوائل عهده قبل أن يجرفه مشروع التوريث بعيدا عن ضفاف شعبه فالجيش ليس لديه خبرة في التعامل مع المدنيين فحدث الاحتكاك وتعرض للإهانة بالرغم من أن الشخصية العسكرية كرامتها واحترامها مكفولان في كل بلاد العالم وتعرضهم لهذه الإهانات من أناس قدموا لهم يد المساعدة شئ يحزن النفس فهم لا يقصدون إلا خيرا بالبلاد والعباد ربما حدثت أخطاء لكنها غير مقصودة ويقيني أنهم سيعودون إلي ثكناتهم ومن يعتقدون أنهم يريدون البقاء علي خطأ تام إضافة إلي أن الشخصية العسكرية لن تحكم في القرن الحادي والعشرين وحتي في القرن الماضي استعان كل العسكريين الذين وصلوا إلي الحكم بالمدنيين.
يقال ليس بعد النضج التام إلا العفونة ومعظم القيادات في مصر اتخذت من بقاء مبارك لمدة ثلاثين عاما أسلوبا ونهجا للبقاء في المنصب حتي ينفذ أمر الله وأصبح الأمر بمثابة مشكلة نفسية تواجه أي مسئول يبتعد عن منصبه فما هو تحليلك النفسي؟
السلطة شاخت في مصر وزاد الطين بله واتسعت الفجوة بين الرئيس المخلوع والشعب بسبب( بطانته) التي زينت له مشروع التوريث لابنه حتي تظل لها الحظوة فشعر الشعب بالاستهانة بكرامته كما لو كانت مصر( عزبة) تورث وكلنا رعايا من العبيد!! فجميع المراجع والكتب والمصادر التاريخية تؤكد أن القيادة تتمثل في حسن اختيار المساعدين ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين أصطفي من الصحابة ما يميز كل منهم ويحقق التكامل لخدمة العقيدة والإسلام فعمر بن الخطاب وأد بنته في الجاهلية لكنه أعز الإسلام بقوته وخالد بن الوليد بسيفه المسلول, المأساة الكبري في معظم الشخصيات القيادية في مصر تأتي عادة من المحيطين والمقربين لأننا لا نجيد فن القيادة ومعظم قياداتنا تأتي بالمصادفة وإجابة عن سؤالك وسبب انهيار من يترك مكانه يعود إلي هذه المعادلة النفسية فلكل منا ثلاث صور: صورة ذاتية لا يطلع عليها أحد ولا حتي الزوج أو الزوجة أو الأبناء ولا يعرفها إلا الطبيب النفسي والغالبية لا تتعرض له لذلك تظل هذه الصورة( مكبوتة) والصورة الاجتماعية التي نظهر بها أمام الناس وبها قدر من التمثيل واللياقة الاجتماعية ثم الصورة الثالثة التي يتوق إليها الفرد والتناغم بين الصور الثلاث من شأنه أن يحقق الصحة النفسية ولكن بعض الوزراء المسئولين يعيش الدور ويصدق نفسه حين تصنعه الصحافة والإعلام فينهار حين يقال لأنه فارغ من الداخل والأمر كذلك بالنسبة لبعض الفنانين الذين يصنعهم أيضا الإعلام والجمال والرشاوي من خلال عمل أو اثنين وحين يترك هذا الفنان لموهبته الحقيقية ومقدار إبداعها تظهر قدراته الحقيقية ويفقد توازنه وعموما حاجز الخوف انتهي فالمواطن المصري أصبح لا يخشي حاكمة أو قيادته والمسئول الآن هو الذي يخاف وتلك هي عبقرية ثورة يناير فالمسئول أصبح في موضع المساءلة أنها إيجابية الوعي الإنساني الذي يدفع مواطنين من بعض القري لقطع الطريق للمطالبة بإنشاء محطة في بلدتهم بالرغم من كل السلبيات وفوضوية الأسلوب إلا أنه بداية لايجابية شعر معها المواطن بكرامته ومن ثم المطالبة بحقوقه التي تغافل عنها يأسا!!.
في عام1999 سألتك الكاتبة المرموقة مها عبد الفتاح عن رأي الطب النفسي في السلفيين وأجبتها بأن السلفية ضد اتجاه حركة الكون لأن السير في درب الإسلاف ضد ديناميكية الحياة وسماحة الأديان التي أدت إلي تكيفها مع التطور والتقدم العلمي. فهل تغير هذا الرأي؟
التيار الإسلامي عموما نجح في الوصول لعامة الشعب فالنخبة انشغلت بالشعارات والتنظير في الفضائيات ووسائل الإعلام لم تستوعب الصورة كاملة وأن كانت بعض الأفلام القليلة قد فطنت لها فالتيار الإسلامي وصل للقري وقام ببناء المدارس والمستوصفات وساهم في زواج الشباب بعد أن أغلقت الجامعات أبواب العمل السياسي في وجوههم فكل الكوادر السياسية التي تكونت اقترنت بالتيار الإسلامي والعبارة التي ذكرتها ومعظم الآراء التي يخشاها الناس لأنها تمس الحرية الشخصية فستكون هي المحك الرئيسي لإعادة انتخابهم ففي الإسلام لا أكراه في الدين وهي عبارة فاصلة تنفي أي فوضي للرأي أو السلوك وعموما من يكون خارج إطار المسئولية أو الحكم يتحدث مثلما نفعل أنا وأنت الآن لكنني إذا أصبحت في موقع السلطة علي سبيل المجاز سيصبح أمامي أفق مختلف تماما وربما غيرت الكثير من هذه الآراء ودائما أقول الإنسان الذكي هو الذي يغير رأيه فالمرونة ذكاء والجمود غباء.
في بداية الثورة نادي شبابها بحكومة تكنوقراط رأسها عصام شرف ولم تنجح هذه الحكومة في تلبية مطالبهم لماذا فشل التكنوقراط؟
لا توجد حكومات تكنوقراطية الآن إلا في الدول الديكتاتورية التي جاءت بإنقلابات عسكرية فالطلاب يعملون في السياسة ولكن في مصر كل عمداء الكليات ورؤساء الجامعات والنقابات الذين تم انتخابهم كانوا من جماعة الإخوان لأنهم الوحيدون الذين يمارسون العمل السياسي وعموما أسوأ برلمان هو الذي ينتخب بعد الثورات لأنه يكون بمثابة بروفة( جنرال).
أتذكر مقولة جوبلز وزير دعاية هتلر حين قال: أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي فمعظم وسائل الإعلام تتخذ من النفاق أسلوبا ومنهجا في البداية تم نفاق ثورة يوليو1952 ثم ناصر ثم السادات ثم مبارك ثم شباب الثورة ثم المجلس العسكري والآن الأغلبية تنافق الإخوان المسلمين بعد نتيجة الانتخابات فالإعلام المقروء والمرئي يعاني من ضمورا وتواضعا في ضميره المهني وهو يساهم بذلك في إزالة الوعي اللازم للبناء ومعظم البرامج الحوارية متشابهة باستثناء بعض الإعلاميين الملتزمين بالمهنية والمصداقية.
ما الروشته التي يصفها د. عكاشة للفلول من أعضاء لجنة السياسات الذين يحتاجون لإعادة تأهيل لاستيعابهم اجتماعيا ودمجهم في الحياة العامة بصفتك عاصرت تجربة مشابهة في ثورة يوليو1952 ؟
هذا النظام أفسد أخلاق المصري وهذه إدانة كافية جدا للحكم عليه لكن ثورة يوليو جاءت بمحاكمات الثورة وهي الأفضل من وجهة نظري بصرف النظر عن صحة الأحكام أو خطئها لكن شباب الثورة فرحوا في البداية بالمحاكمة المدنية وهي شئ حضاري بالطبع فيما يتعلق بلجنة السياسات فالكثيرون من أصدقائي كانوا من أعضائها الذين لم يضنوا بالنصح والإعراب عن أرائهم وانتقاد السلبيات لكن( لا حياة لمن تنادي) ولكن في كل الثورات تسود ثقافة الجماعة أكثر من ثقافة النخبة وأعتقد أنه بعد أن تخمد حمم البركان الثوري ويهدأ البخار سنلتفت لكل هؤلاء( الأفاضل) لنستعين بخبراتهم بصورة حضارية مثلما أبقي أوباما علي وزير الدفاع الجمهوري روبرت جيتس لان مصلحة البلاد العليا تقتضي ذلك بشرط محاسبة الفاسدين علي فسادهم في محاكم مدنية لأن أهم شئ نفتقده في هذه المرحلة هو الشفافية.. فهي مبهمة وغائمة بالنسبة لكل الأطراف.
قال تشرشل أن الديمقراطية أسوء الشرور لكننا لا نعلم ما هو أفضل منها.. فالانتخابات لا تأتي دائما بالأكفأ.. هل هذا قدرنا في النهاية ؟
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن60% من مجموع أي شعب متوسطو الذكاء من90-110 درجات و20% يكونون عادة فوق المتوسط و20% أقل من المتوسط. وبداية من120 فيما فوق يعتبر من الأذكياء جدا وفوق ال140 يدخل في نطاق العبقرية وهم يمثلون1% من مجموع أي شعب إذن80% من الذين يقترعون في الانتخابات من متوسطي الذكاء أذكر أنني استفسرت من العالم الأمريكي كنجلر الفائز بجائزة نوبل عن الكيفية التي فاز بها رجلان متوسطا الذكاء مثل ريجان وبوش الابن في الانتخابات فضحك قائلا: إنك جاوبت علي التساؤل هل معقول أن يرشح إنسان ذكي نفسه ليصبح رئيسا للجمهورية.. ومن العجيب أن المجتمع الأمريكي انتخب الرئيس كارتر الذي كان يبلغ معدل ذكائه فوق ال140 درجة مرة واحدة وانتخب كلينتون مرتين بالرغم من قصته السخيفة مع مونيكا لأن الإنسان لا ينجح في الحياة بالذكاء الأكاديمي فقط فهو يوصله لموقعه فقط أما الاحتفاظ بالموقع والمكانة والصدارة فيتوقف علي مدي الذكاء العاطفي الذي كان يتمتع به هذا الرئيس ويتمتع به د. زويل في مصر وحين فطنت السلطة لذلك عطلت مشروع جامعته التكنولوجية وقد نصحته بالانصراف عن عالم السياسة لأن السياسة تواكبها المراوغة.. وهي فن الممكن بينما العلم تواكبه الفضيلة وهو يصبو دائما للحقيقة.
اشتركت مع صلاح نصر في كتابة الحرب النفسية فكيف تري شخصية صلاح نصر بكل ما أثارته ومازالت من جدل واستنكار والقليل جدا من الموضوعية ؟
علاقتي بصلاح نصر بدأت من خلال الضباط الأحرار حيث كان يزمع في إنشاء جهاز المخابرات طلب مني اختبارات نفسية لضباط المخابرات الذين يتم ترشيحهم للعمل لكي نتأكد من ثباتهم العاطفي واتزانهم النفسي وعدم تذبذبهم عند تعرضهم للقبض عليهم أو الاعتقال أو التعذيب فقلت له لا توجد اختبارات تعطي نتائج مائة بالمائة ولكن من الممكن الاستعانة باختبار تعطي مصداقية يعتد بها وشئ له قيمة إحصائية واستمر التعاون لمدة أربع سنوات كنت أقوم بهذه الاختبارات في عيادتي ثم طلب مني المساهمة في إعداد كتاب كبير عن الحرب النفسية لأنه كان معجبا بجوبلز ولديه اقتناع بأن الحرب النفسية في الحرب أقوي من الحرب القتالية وبالمناسبة ما يحدث في مصر الآن حربا نفسية من كل الجهات تستخدم فيها المعلومة للتأثير علي نفسية الناس وأعود لصلاح نصر فقد تعاونت معه أنا وغيري وقرأت كل المراجع التي وفرتها المخابرات وأثناء التحقيق معه تم سؤالي عن علاقتي به وعن علاقاته النسائية فأجبت بأنني لا أعلم عنها شيئا وإن وجدت.. فإنه لم يأخذني معه وسئلت عن واقعة السيدة التي ألقت بحذائها علي سيارة عبد الناصر المكشوفة وكان بصحبته هواري بومدين فتم إلقاء القبض عليها وأودعت في المخابرات وطلبوا مني الكشف علي قواها العقلية فوجدت أن لديها فصاما وعولجت في مستشفي خاص علي حساب المخابرات لأنها فقيرة وزوجها كان معتقلا وفي النهاية قال لي حسين الشافعي وكان مسئولا عن المحاكمة أنت هكذا يا أحمد لا تستطيع دائما أن نأخذ منك معلومة.. قلت له: لن أدعي علي صلاح نصر بأي شئ لأنه في موقف ضعف فضحك وقال: أنك رجل ولم يأخذ بشهادتي وعموما أنا لا أحتفظ بأي ملفات أو أدوات لمرضاي من المشاهير والكتاب والفنانين وأسرارهم ستموت معي ويكفيني شرفا أنني أخرجتهم من حالات الاكتئاب ليواصلوا حياتهم بعمق وحب.
السيرة الذاتية
من مواليد(1935) بكالوريوس الطب والجراحة عام1957.. مدرس ورئيس ومؤسس وحدة الطب النفسي طب عين شمس من1965 1970, أشرف علي أكثر من ثمانين رسالة دكتوراه.. نشر(276) بحثا علميا في مجالات الطب النفسي والعصبي والعلوم السلوكية في المجلات العلمية المحلية والعالمية. رصيده من المؤلفات العربية والانجليزية(56) كتابا, عضو لجان علمية عديدة أسهم في تأسيس معظم أقسام علم النفس في مصر.. له جائزة باسمه.. حصل علي الزمالة من ادنبره ولندن وفرنسا وتشيكوسلوفاكيا ودبلومات من دول عديدة.. عضو المجلس التنفيذي لليونسكو.. حصد جوائز عديدة آخرها جائزة مبارك للعلوم عام.2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.