لا يوجد بلد محصن ضد تجارة البشر, ففي كل عام يجري التداول فيما بين600 و800 ألف رجل وامرأة وطفل عبر الحدود الدولية في تجارة آخذة في الاتساع تصل أرباحها9.5 مليار دولار استنادا إلي الأممالمتحدة. أما المتاجر بهم محليا, أي ضمن حدود الدولة فهم ضحايا للعمل كخدم للمنازل أو أعمال منافية للآداب.. أو زواج القاصرات.. أو التشجيع علي الهجرة غير الشرعية. ولأن الأرقام تؤكد أن تجارة البشر تأتي في المرتبة الثالثة بعد تجارة السلاح والمخدرات,, فقد نالت قدرا كبيرا من اهتمام دوائر صناعة واتخاذ القرار وعلي وجه التحديد البرلمان المصري الذي تصدي للظاهرة بالمناقشة في محاولة لايجاد حلول تشريعية لمعاقبة القائمين علي هذه التجارة.. ومع بدء المناقشات تحت قبة البرلمان المصري, خرجت في الوقت نفسه أصوات من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية تدافع عن الفئة المهمشة والمعدمة من خدم المنازل سواء من الأطفال أو النساء باعتبارها الشريحة الهشة من المساكين والغلابة الذين لاترتفع أصواتهم شبرا فوق رؤوسهم رغم ما يلاقوه من أذي واهانة ورق واستعباد علي أيدي أصحاب العمل. أما المفاجأة الحقيقية فقد فجرتها الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع من خلال نتائج دراسة أجرتها علي بنات الشوارع اللاتي جعلن من الحمل سفاحا مع سبق الاصرار والترصد وسيلة للاتجار بالبشر, بموجب صفقات مشبوهة لبيع الطفل بمجرد ولادته لتجار الأعضاء البشرية أو الاسر التي حرمت الذرية.. ولا تعليق! أما الوجه الآخر للمشكلة فهي خروج الجيل الثاني من اطفال الشوارع بلا هوية أو شهادة ميلاد أو إثبات شخصية وهو ما يعني حرمانا من التعليم والرعاية الصحية, لتظل قضيتهم راكدة نائمة تحت الكوبري تنالهم أعين الشفقة أحيانا وترمقهم سهام الاذدراء أحيانا أخري وتظل المسألة في كل الأحوال وصمة عار في جبين المجتمع المصري. قبل أن نغوص في الاسباب التي تقف وراء استعباد الخدم واسترقاق البشر ومشاكل الجيل الثاني من أطفال الشوارع, نتوقف قليلا أمام دادة أم سيد التي رفض زوجها الاعتراف بطفلتها الصغيرة مدعيا أنها لم تكن في عصمته آنذاك. تقول أم سيد(48 عاما) خادمة منزل.. أنا من أسرة فقيرة أعيش في أحد الأحياء العشوائية علي أطراف القليوبية, تزوجت منذ أكثر من ثلاثين عاما ولدي6 من الأولاد أصغرهن طفلة في سن الحضانة رفض زوجي الاعتراف ببنوتها لأنه طلقني في بداية حملي ثم عدت إلي عصمته..وعبثا حاولت إقناعه أنها ابنته وأنني أتقي الله في عرضي. ارتضيت المهانة وحياة الذل والعبودية والعمل في المنازل, فهو عاطل يتنقل نهارا من مقهي إلي آخر وفي المساء لا يكف عن ايذائي سواء بالضرب أو بالسب والقذف. حاولت أن أخفف معاناتي معه فلجأت للاقامة في منزل صاحبة العمل طوال الاسبوع, أما يوم راحتي فكان مع أسرتي.. غير أن هذا الحل سبب لي بدوره شقاء آخر إذ أستيقظ في السادسة صباحا وأنام في الثانية عشرة تقريبا بعد يوم حافل بالعناء والشقاء بدءا بتجهيز ألأطفال للمدارس مرورا بالأعباء المنزلية من كنس وكي وطبخ وانتهاء بتقديم العشاء للبيك والهانم لأدخل بعد ذلك غرفتي وأنا تقريبا جثة هامدة. لا أخفيك سرا أن أولادي يعملون أيضا بالخدمة بالمنازل. ويواجهون نفس مصيري من ايذاء نفسي وبدني. أما طفلتي الصغيرة فلا زالت في انتظار رحمة الاب لإثبات بنوتها. تقول د.سهير عبد المنعم: اتسع نطاق الاتجار بالبشر في العقود الأخيرة في العالم أجمع لتشكل ثالث أكبر تجارة غير مشروعة بعد تهريب السلاح وتجارة المخدرات, وهو ما دعا إلي تزايد الجهود الدولية للحماية من كافة أشكال الاستغلال الجنسي أو الاستغلال في العمل أو في ارتكاب الجرائم للحفاظ علي حق كل إنسان في الحرية وفي الكرامة الإنسانية وفقا للمادة الأولي من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن ثم يكون من الملائم البحث عن الفئات الضعيفة والمهمشة بوصفها فئات مستهدفة كضحية في جرائم الاتجار بالبشر لتبرز عاملات المنازل من النساء كفئة لها كل حقوق الإنسان في الحماية في مجال العمل بصفة عامة وكافة أنماط الاستغلال والسخرة بصفة خاصة, مع ملاحظة أن الاناث هن الفئة المستهدفة بالعمل في مجال الخدمة المنزلية في ضوء المعايير الاجتماعية المصرية خاصة في مجالات أعمال المطبخ والنظافة والخدمة الشخصية. الإناث ضحايا الفقر وتؤكد أنه رغم اهتمام الدراسات بتناول الفقر وتبعاته, فإنها لم تتعرض للفوارق والظروف المتباينة للفقر في ضوء مفهوم النوع الاجتماعي الا حديثا, نتيجة الحماية الدولية التي وجهت للمرأة, وفي هذا الشأن يرجع فقر النساء إلي ضآلة قدراتهن علي امتلاك الموارد مما يؤثر علي فرصهن الاقتصادية ويربطهن بدائرة الفقر والحرمان. تقول د. فوزية عبدالستار استاذ القانون الجنائي: بلا شك أن مسألة خدمة الاشخاص عموما في المنازل تقتضي وقفة قانونية خصوصا الأطفال تحت18 سنة إذا نظرنا إلي الأمر من منظور حماية حقوق الإنسان لأن هؤلاء الأطفال يعملون بعيدا عن أهلهم في فترة هم اشد احتياجا إلي حماية الأهل أو الأسرة في ظل ظروف تتسم بالقسوة, يعيشون ليلا ونهارا في أسرة معينة قد يتحكم فيهم أبناؤها تحكما شديدا ولا يملك هؤلاء الصغار لنفسهم شيئا لأن صوتهم غير مسموع اطلاقا. ولدينا من الدراسات الميدانية ما يؤكد الانتهاكات العديدة التي تقع علي هؤلاء الصغار وهي لا تقتصر علي الاهانة أو الضرب أو الايذاء بل تمتد إلي التعذيب أحيانا الذي يصل إلي درجة الحرق بالنار أو الاعتداء الجنسي علي الأطفال.. فاذا كانوا ذكورا ففي هذه الحالة يسمي الاعتداء هتك عرض, أما إذا كانوا من الإناث فيصبح الاعتداء اغتصابا وفي هذه الحالة يصل إلي اقصي درجة ممكنة من القسوة والشدة بالعقاب. ولابد من تشريع حاكم ينقذ هؤلاء المساكين والغلابة.. ولو شئنا أن نحمي هؤلاء الأطفال بمنع تشغيلهم قبل سن18 سنة لفعلنا.. فالمعروف أن القانون يسمح بعملية التشغيل في سن14 سنة.. ولابد من تقرير عقاب علي ولي الأمر الذي يلجأ لتشغيل ابنائه قبل هذه السن وتوقيع ذات العقوبة علي كل من يسهم في هذا العمل عن طريق المساعدة أو التحريض, وهذا يعني أن يصبح تشغيل الأولاد في المنازل قبل سن18 سنة جريمة يحاسب عليها القانون بعد سن18 سنة.. ولابد أن يخضع الصغير لقانون العمل من اجازات ومكافآت وتأمينات وخلافه. تقول الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع إن الدراسات التي أجريت علي أطفال الشوارع أظهرت مخاطر ومشاكل جديدة..حيث كشفت أن الطفلة التي تخرج إلي الشارع في سن9 سنوات لابد أن تمارس الجنس.. وليس دليلا علي ذلك سوي حالة صارخة لطفلة هربت من قنا بسبب التعذيب الذي لاقته من زوجة أبيها.. واعترفت أنه تم الاعتداء عليها جنسيا بالاكراه حتي تصبح مثل باقي زميلاتها من بنات الشوارع اللاتي يمارسن الجنس بحرية ودون قيود لدرجة وصلت أنهن لا يبالين بالحمل السفاح, بل وصلت بهم الجرأة إلي حد الاتجار بهذا الحمل ببيعه بموجب صفقات مشبوهة لمن يبحث عن الذرية أو من يتاجرون بالأعضاء البشرية, ولا عزاء للأمومة. والمشكلة التي لم يلتفت اليها أحد أننا أمام الجيل الثاني من أطفال الشوارع, الذين يخرجون بلا هوية, بلا شهادة ميلاد بلا حق في التعليم أو الرعاية الصحية, وعندما يكبر الصغير ويريد الزواج فانه لا يمكن لهذه المسألة أن تتم بشكل رسمي لعدم وجود أوراق.. واذا حدث وأنجب فانه لا يمكن أن يثبت أولاده رسميا. الخط الساخن مرفوض وتري الدكتورة عزة كريم أنه لا توجد مؤسسة اجتماعية تحمي هؤلاء الأطفال من التشرد والضياع, فالمؤسسات مرفوضة والخط الساخن مرفوض. وعادة ما يذهب هؤلاء الأطفال إلي دور الرعاية نهارا ويطلقون عليها النادي, أما مساء فيفضلون حياة الحرية حيث المزاج والكيف والجنس والمخدرات, تحت رعاية البلطجي الذي يحميهم حسب أقوالهم بموجب اتاوة يدفعونها له من مكاسب يومهم التي تصل إلي مائة وخمسين جنيها وفي المواسم والأعياد تصل إلي500 جنيها.